رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني 15 أكتوبر، 2017 0 تعليق

نعمة الأمن وأهميتها وسبيل تحققها والحفاظ عليها(6)- المنهـج القويـم عند بيـان فسـاد الحاكـم أو ظلمـه

بعد أن تحدثنا في الحلقات السابقة عن أهمية نعمة الأمن وسبل تحقيقها، وكيف التعامل مع ولاة الأمر والمفاسد الكبيرة المترتبة على الخروج عليهم، لابد من التنبيه على أمور عدة ينبغي طرحها في هذا المقام؛ فإن فِقْهَ هذه الأمور فيه عَوْن عظيِم على سلوك المنهج العلمي القويم، أمام جيوش الشبهات الزاحفة على كثير من الغيورين، فأقول - وبالله التوفيق والسداد -:

لابد من معرفة الأمر الذي وقع فيه الحاكم

     من الأمور شديدة الأهمية معرفة الأمر الذي وقع فيه الحاكم - قولًا، أو فعلًا، أو اعتقادًا - هل هو كُفْر أكبر، أم لا؟ وهل هو صريح في الكفر، أم محتمل؟ وهل هو كفر مطلقًا، أم كفْر بشروط توجد في شخص، ولا توجد في غيره؟ فكثير من الناس يُطلق التكفير على أمور فيها تفصيل.

هل يلزم وقوع الحاكم في الكفر أن يصبح كافرا؟

     إذا سلمنا بأن ما وقع فيه الحاكم كُفْر أكبر، وصريح في ذلك؛ فهل يلزم من الوقوع في الكفر، أن يكون الحاكم كافرًا؟! هناك فرق بين العموم والمعين، والنوع والفرد، والقول والقائل، والفعل والفاعل، أي يُحكم على العموم، أو النوع، أو القول، أو الفعل بالكفر، ولا يلزم من ذلك أن يكون القائل أو الفاعل كافرًا.

     فلابد قبل تكفير المسلم من استيفاء شروط التكفير، وانتفاء موانع التكفير عنه؛ فقد يكون جاهلًا، أو خائفًا، أو متأوِّلًا، أو أخذ بفتوى من يثق به من ذوي الأهواء والشهوات، أو نحو ذلك مما لابد فيه من إزالة الشبهة، وقَطْع العذر، حتى يظهر أنه مستحق - شرعًا - للحكم عليه بالكفر.

مقام العلماء والقضاة

     لو سَلَّمنا بأن الحاكم قد وقع في الكفر الأكبر الصريح، وأنه لابد من إقامة الحجة عليه، ومن ثَمَّ الحكم عليه بما يستحق، فهل هذا المقام كلأٌ مباح لكل أحد: عالمًا كان أم جاهلًا؟ أم أن هذا المقام للعلماء والقضاة الذين يحسنون معرفة مدلولات الألفاظ، ومراتب المسائل، وأحكامها الشرعية، ويُدركون ضرورة النظر إلى قصد المتكلم، لا مجرد ظاهر الألفاظ، ويُدركون الفرق بين السائغ من الأعذار وغيره.

عدم إشاعة الحكم بين الغوغاء

ولو سلمنا بأن الحاكم كافر بعينه، وقد أُقيمتْ عليه الحجة، وانقطع عذره؛ فهل يلزم من ذلك إشاعة هذا الحكم بين الغوغاء  الأصاغر، والصراخ بذلك من فوق أعواد المنابر؟!

الظروف التي تمر بها أمتنا

     ثم لو سلمنا بأن إشاعة ذلك جائز في الجملة؛ فهل الظروف التي تمر بها أمتنا - هذه الأيام- تحتمل إشاعة ذلك، وأن المصلحة تقتضيه؟ أم أن ذلك يؤول إلى شر عظيم، وخطر جسيم؟! لأنه يُفضي إلى الخروج بالسيف على الحاكم، والمسلمون غير قادرين على ذلك، فتراق الدماء، وتُنتهك الحرمات، ويَثِبُ المتربصون بالجميع - وشرهم أكثر - على زمام الأمور، فيُسيمون الأمة سوء العذاب، ولا يزداد الطين إلا بِلَّةً، ولا تجني الأمة من وراء ذلك إلا تمزقًا وذِلَّةً، فإلى الله المشتكى!

إن مراعاة هذه الخطوات - وبهذا التسلسل - من الأهمية بمكان، ودون ذلك يسبح الناس في بحر من الدماء، وتُخَيِّمُ عليهم فتنة الدهماء، ونعوذ بالله من هذا البلاء!

الحكم على المعيَّن

     واعلم أن الحكم على المعيَّن، والنظر في الشروط والموانع ضَرْبٌ من الاجتهاد، لا من مسائل الأصول والاعتقاد، وأن الخلاف في ذلك بين أهل العلم خلاف لا يوجب تضليلًا، أو تفسيقًا، أو تكفيرًا، والمختلفان في ذلك - من أهل العلم المتأهلين - مأجوران، فالمصيب له أجران، والمخطئ له أجر، ومغفور له خطؤه، فلا تغتر بالتهويل، ولا بمن يهرول وراء مجرد الأقاويل! ونعوذ بالله أن نكون مفتاح شر على هذه الأمة، وقد حذَّر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من تكفير المسلم - وإن صغر شأنه، وضعفت قوته - فكيف بتكفير من بيده الشوكة والقوة، دون إتيان لباب التكفير من بابه الشرعي؟!

ندعو لهم بالهداية والصلاح

     كما لا يلزم من ذلك أن نَشْغَل أنفسنا أو غيرنا بالدفاع - بالباطل - عن أخطاء الحكام، وأن نتكلف ونتعسف في الاعتذار عن الأمر البيِّن الذي لامَدْفع له، وكأننا نتأول للصدِّيق، أو لرجل من العلماء الأبدال! بل ندعو لهم بالهداية والصلاح، ونحذِّرهم - إن أمكن- من مغبة  الذنوب، ومبارزة الله -عز وجل- بالمعاصي، ونذكِّرهم بحق الله وحق الرعية عليهم، كما نحذِّر من المناهج التي يؤول أمرها إلى إثارة الفتن والفوضى، والله -عز وجل- يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}.

الحق وسط بين طرفين

- والمقصود: أن الحق وسط بين طرفين، ووادٍ بين جَبليْن، ونحن منهيُّون عن تحريف الكلم عن مواضعه، ومنهيُّون عن الاشتغال بأخطاء الحكام، وتهييج الناس عليهم، وترك الصبر على ظلمهم، وكذا فقد نهينا عن التقوُّل عليهم أو على غيرهم بلا هُدى ولا كتابٍ منير، ويشرع لنا الدعاء لهم بالهداية والصلاح، وأن يُجري الله الخير على أيديهم للبلاد والعباد.

إذا اختلف العلماء الكبار

     وقد يقول قائل: ماذا نفعل إذا اختلف العلماء الكبار في الحكم على حاكم فأكثر؟ فالجواب: أن السكوت أسلم، والإعراض عن الاشتغال بذلك أحكم، ومن ترك الكلام في ذلك درءًا للمفاسد المترتبة عليه؛ فهو محسن غير مسيء - وإن أخطأ - ومن خاض في ذلك، وأشعل الفتن؛ فهو مسيء - وإن ظن أنه يحسن صنعًا -!

     وقد يبلغ الحاكم بمعتقداته، أو أعماله، أو أقواله درجة الكفر الأكبر، لكن إظهار ذلك، ونشره، ودعوة الناس إلى العلم به لايأتي - في الغالب - إلا بما هو أكثر فسادًا من شر هذا الحاكم، فالسكوت عن  ذلك، وصَرْفُ الناس عن الاشتغال به في مجالسهم، ومساجدهم، ومنابرهم إلى ما هو أنفع وأصلح خير لهم في دينهم ودنياهم، ولزوم لمنهج سلفهم.

     هذا، مع حثهم على صِدْق اللجوء إلى الله -تعالى-، والدعاء والتضرع إليه سبحانه، بـأن يختار لهم الخير، ويصرف عنهم الشر، وأن يصلح حاكمهم ويهديه إلى الحق، ويرزقه البطانة الصالحة؛ فإن في صلاحه صلاح البلاد والعباد، والله -تعالى- أعلم وأحكم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك