رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبد المنعم الشحات 1 أبريل، 2014 0 تعليق

نظرية صدام الحضارات والمشاريع المنبثقة عنها (4)مقدمات تاريخية- خرائط التقسيم المتوقعة



ستصبح إيران دولة للعراق الفارسي مرة أخرى، مع بقاء السؤال الصعب المتمثل فيما إذا كانت ستحتفظ بميناء بندر عباس أو تتنازل عنه

 

يراجع الفصل الثالث من كتاب (الاحتلال المدني)، فقد جمع عددا مِن النقول في هذا الباب، مع التنبيه على أننا لا نقر المؤلف على كل ما أورده في كتابه من تحليلات. وقد نقل الكتاب (وثيقة برنارد لويس) أحد مروجى هذا المشروع نقلا عن  صحيفة المستشار العراقية (عدد 18 فبراير 2013م)، وجاء فيه تصور للوضع الذي يمكن أن تؤول إليه دول المنطقة، وكان ملخص ما ذكره:

أولا: فيما يتعلق بمصر، تقسم مصر إلى 3 دويلات:

دولة مسيحية عاصمتها الإسكندرية، ودولة إسلامية عاصمتها القاهرة، ودولة النوبة عاصمتها أسوان.

ثانيا: السودان: دولة الجنوب المسيحي، ودولة الشمال الإسلامي، ودولة النوبة بالتكامل مع النوبة المصرية (إقليم دارفور).

وفيما يخص دول المغرب العربي، فحسب مشروع (لويس) فقد قُسمت هذه الدول إلى:

- دولة الأمازيغ، وتمتد بعد بلاد النوبة غربا إلى الجزائر.

- دولة البوليساريو.

- وإعادة تشكيل الدول المتبقية: كالمغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا.

أما دول الخليج العربية فستصبح كالآتي:

- الدولة الشيعية: وتضم جنوب العراق والساحل الغربي لإيران، والشرقي للسعودية المطل على الخليج العربي.
- الدولة الإسلامية المحايدة: وتضم مكة المكرمة والمدينة، واقتطاع الجزء الشمالي الغربي إلى اليمن، وإبقاء ما تبقى من الجزيرة العربية للأردن الكبير، والجزء الجنوبي الغربي إلى اليمن، وإبقاء ما تبقى من الجزيرة العربية إلى إقليم السعودية المستقل.
أما إيران: فستخسر جزءا كبيرا من أراضيها لصالح أذربيجان الموحدة، وكردستان الحرة، والدولة الشيعية العربية، وبلوشستان الحرة، لكنها ستكسب المحافظات المحيطة بـ(هرات) في أفغانستان الحالية، وهي منطقة ترتبط بصلة وثيقة مع بلاد فارس تاريخيا ولغويا.

     وفي الواقع ستصبح إيران دولة للعراق الفارسي مرة أخرى، مع بقاء السؤال الصعب المتمثل فيما إذا كانت ستحتفظ بميناء بندر عباس أو تتنازل عنه للدولة الشيعية العربية؟! إن ما ستخسره أفغانستان لصالح الدولة الفارسية غربا، ستكسبه من جهة الشرق؛ حيث سيعود اتحاد القبائل القاطنة شمال غرب باكستان مع إخوانهم في أفغانستان.

أما باكستان : فستفقد منطقة البلوش لصالح بلوشستان الحرة، وباكستان الطبيعية التي ستبقى في نهاية الأمر فستوضع بكاملها شرق نهر السند، ما عدا نتوء متجه للغرب بالقرب من كراتشي.

     أما دولة الإمارات العربية المتحدة: فسيكون لها مصير مختلط كما هي حالها الآن، فبعض الإمارات قد تنضم للدولة الشيعية العربية؛ مما يعطيها المزيد من السيطرة على الخليج العربي، وبذلك يرجح أن تكون الدولة الشيعية العربية عامل توازن مقابل الدولة الفارسية أكثر من احتمال أن تكون حليفا لها.

(ويوجد عدة تصورات أخرى تدور حول هذه الفكرة).

(الفوضى الخلاقة) أفضل وسيلة للتقسيم

الفوضى السياسية تأتي عن طريق إحداث فراغ مفاجئ في السلطة السياسية أو في قوة عسكرية؛ مما يوقع المجتمع في فوضى، التي تعني أنهارا من الدماء، واختلالا في موازين الأمن في المجتمع.

ولكن متى تكون الفوضى «خلاقة» على النحو الذي عبرت به (كونداليزا رايس)؟!

     في الواقع: فإنه لا يُتصور أن تكون الفوضى «خلاقة»، إلا إذا كانت مبرمجة قبل إحداث الفوضى، وأوضح مثال على ذلك «قيام دولة إسرائيل»، الذي جاء نتيجة فراغ مفاجئ في السلطة بإلغاء بريطانيا انتدابها في فلسطين، وبالطبع كان اليهود قد أعدوا السلاح والرجال، وكانوا على علم مسبق بموعد الفراغ المفاجئ؛ فكانت نتيجة تلك الفوضى هو قيام دولة إسرائيل، بل إن هبة سبعة جيوش عربية غير مستعدة للحدث لم تكن كافية لتغيير البرمجة المسبقة لتلك الفوضى!
ويمكنك أن تعيد «السيناريو نفسه» بطريقة أو بأخرى في العراق؛ حيث تولت أمريكا مسؤولية القضاء على الجيش العراقي دون إيجاد بديل حقيقي؛ فكانت الغلبة للميليشيات الشيعية.

 وأما السيناريو الليبي والسوري: فهو متأرجح حتى الآن لصعوبة البرمجة، لكن من الواضح أن من يدير العملية حريص على عدم الوصول إلى نقطة الفوضى الشاملة؛ لأنه لم يرتب الأوراق جيدا لمن يريده أن يملأ الفراغ.

هل قبلت بعض الحركات الإسلامية أيا مِن هذه المشاريع الثلاثة: (راند - الشرق الأوسط الكبير - الفوضى الخلاقة)؟!.

أولا: (راند):

مِن الواضح أن عددا لا بأس به قد قدم الإجابات النموذجية للاعتدال الأمريكي «الراندي»، وهؤلاء نوعان: نوع صار يرى هذا دينا، وأصبح ينافح عنه فعلا، ونوع يوافق على هذه الأطروحات مِن باب التكتيك.

     وقد نبه تقرير (راند) على هذا النوع؛ ومِن ثم فإن الحصار الإعلامي وحده كاف لتحويل هذا التكتيك إلى استراتيجية إجبارية لمن دخل فيه، وثمة تيارات أخرى: (كالتيار القطبي) لا ترى غضاضة مِن القبول بمعطيات (راند) مِن باب أنها تلتقي مع فكرة (سيد قطب) حول إمكانية عودة مرحلية الأحكام أو تقرير أن دعوة الناس إلى الأحكام قبل دعوتهم إلى العقيدة هو مِن قبيل استنبات البذور في الهواء!.

     ومن هنا يحل التناقض الظاهري في اشتمال بعض الاتجاهات الإسلامية على جناح ليبرالي وآخر قطبي؛ وذلك أن كلا الفريقين يمكن أن يتفقا ظاهريا على الأداء الليبرالي، ويبقى الخلاف بينهما (بما في القلب) بين من يعتنق هذا المذهب وبين من يقبل به من باب أن درجة إيمان الناس الآن يناسبها هذا التطبيق المشوه للإسلام إن لم يكن أقل!
ثانيا: الشرق الأوسط الكبير:

     توجد تصريحات لـ(أردوغان) بقبول شرق أوسط كبير، كما توجد مواقف لبعض الدول التي بلغت مِن الصغر حدا لا تصل حد التقسيم، يبدو منها أنها تقوم بدور الترويج لهذا المشروع، كما توجد مؤشرات لقبول (إيران) بهذه الفكرة، ويروج أن بعض الجماعات الإسلامية قد قبلت بها؛ وإذا صح هذا فسوف يكون هذا كله تكرارا لمأساة (الشريف حسين والثورة العربية).

     وموقف (إيران) قد يكون واضحا في أن المشروع يعطيها أجزاء من باكستان وأفغانستان تضم إلى جزء من جنوب العراق وشرق السعودية؛ لتكون دولة شيعية عربية، ويبدو أن (إيران) تضمن جدا حال تطبيق هذا المشروع إتمام الاندماج الكونفدرالي بينها وبين الدولة الشيعية العربية المزمع إنشاؤها، في حين يبدو أن (تركيا) والجماعات المتفقة مع (أردوغان) في التوجه يبتلعون طعما خطيرا بشأن الموافقة على السماح بإجراءات من شأنها أن تزيد مِن تقسيم العالم الإسلامي على «أمل الوحدة الكونفدرالية»؛ لتكون بديلا عصريا للخلافة!
     وطرح الاتحاد الكونفدرالي بين البلاد الإسلامية بوصفه بديلا للخلافة قد يعد خطوة للأمام ما لم يكن مشروطا بمزيد من التقسيم قبله، وأما القبول بالتقسيم أو التهيئة له عن طريق دعم (الفوضى الخلاقة) على أمل إعادة الاتحاد؛ فهو نوع من «قتل عشرة عصافير  في اليد انتظارا لعصفور في يد الغير!».

السعي وراء (الفوضى الخلاقة) طلبا لإصلاح الأوضاع في البلاد الإسلامية

     أجمعت كتب السياسة الشرعية على مراعاة «المصالح والمفاسد» في الإنكار على الحكام المسلمين مهما بلغ فسادهم؛ لا سيما في قضية «الخروج على الحاكم الفاسق»، والقاعدة التي يقررها العلماء هي عكس قاعدة: (الفوضى الخلاقة)تماما، ومنهم (الجويني) في كتابه (الغياثي), ومع هذا حاول بعض المتأثرين بهذه النظرية أن ينسب إليه القول بها، وقد خصصنا ملحقا للرد عليه!
والذي يهمنا هنا أن نعرج بسرعة على الاستفادة من دروس التاريخ، وإذا استصحبنا أن «الفوضى» لن يستفيد منها إلا الذين أعدوا لها العدة «وقد يكونون في بعض الأحوال جيوشا أجنبية أو قوات موالية لها».

بين الجيوش الوطنية وجيوش الدول الكافرة

نعيد إلقاء الضوء على ثلاث تجارب تاريخية كانت المواجهة فيها بين الجيوش المحلية تحت قيادة دول فيها أنواع من المظالم ضد جيوش الكفار؛ فكيف كان التصرف في كل حالة؟

     الحالة الأولى: (التتار - المماليك): وفي هذا نجد أن ابن تيمية رحمه الله قد تصدى لمن حاول المساواة بين التتار والمماليك، ومن ثم رتب على هذا عدم مساعدة المماليك في تصديهم للتتار؛ فحفظ الله به مصر والعالم الإسلامي من شر (التتار)، وليس المقصود هنا بيان أن الواقع المعاصر ينطبق بحذافيره على (المماليك والتتار)، لكن النسبة هي هي تقريبا.

     الحالة الثانية: (الحملة الفرنسية - المماليك): قد ذكر الأستاذ (محمود شاكر) رحمه الله كيف استثمر المستشرقون موقف المشايخ من مظالم (المماليك)، وأقنعوهم بعدم مساعدة (المماليك) في التصدي للحملة الفرنسية!
الحالة الثالثة: «الثورة العربية بين الدولة العثمانية وإنجلترا»: ورأينا كيف تورط (الشريف حسين) أملا في التخلص مِن اضطهاد الدولة العثمانية للعرب، في حين أنه كان يمكن للإنجليز في فلسطين، ومن بعدهم اليهود! كما أسهم  بجدية في وجود (سايكس - بيكو).
والسعيد من وعظ بغيره.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك