رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: فضيلة الشيخ د. مشهور حسن آل سلمان 10 أغسطس، 2017 0 تعليق

نظرة تأصيلية في التصفية والتربية الإيمانية (1) مهمتا الدعوة.. العلم والتزكية

 

الشيخ: مشهور بن حسن آل سلمان

من أهم الواجبات الملقاة على عاتق العلماء وطلبة العلم النبهاء (التأصيل العلمي) ولا سيما في تلك القضايا التي تخص المسلمين بعامة، أو يكثر تردادها على الألسنة، ودورانها في المجالس والمحافل، وخصوصا ما له صلة بقوة المسلمين، وعزهم، ومجدهم، أو ما يترتب عليه من بذل جهد في سبيل استئناف الحياة الإسلامية، ولو –بداية- بالتصور النظري المجرد، ولا سيما إن خص طائفة من الناس أو عددا منهم.

     من المعلوم أن آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها، وما صلح إلا بالتزكية والعلم، وهما المهمتان اللتان بعث الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم - لتحقيقهما، بل أكرمه الله بهما قبل أن يخلق، بأن دعا أبوه إبراهيمُ -عليه الصلاة والسلام- ربه، فقال: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} (البقرة: 129)، وجاءت الاستجابة متمثلة في آيات عديدة، وكانت في سياق الامتنان؛ منها: قوله -تعالى-: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} (البقرة. 151)، وقوله -تعالى-: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (آل عمران: 164).

، وقوله -تعالى-: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مبِينٍ} (الجمعة: 2)، وقال -صلى الله عليه وسلم -: «أنا دعوة أبي إبراهيم».

     فـ(العلم) و(التزكية) هما المهمتان التي دعا بهما إبراهيم -عليه السلام-، واستجاب الله له، ولكنه قدم التزكية على العلم؛ لأن النفس تتحصل على العلم من خلال حملها على التزكية، والعلم يأتي بثماره وأكله لمّا يزكي صاحب العلم نفسه، ولا يتم ذلك -على وجه الكمال- إلا بقواعده وأحكامه، وعلى كل حال، فالامتنان حاصل ببعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم - ، ويلاحظ هنا أمور منهجية مهمة، لا ينبغي ألبتة أن تغيب عن طلبة العلم؛ هي:

أصل الخير

- أولاً: أصل الخير (العلم) و(التزكية)، وبهما ينغلق أصل الشر، وكل سبيل موصل إليه وهو: (الشهوة) و(الشبهة)، فالذي يدفع الشهوة التزكية، وتزول الشبهة بالعلم، وكما أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين (الشهوة) و(الشبهة) من جهة، فهناك -أيضاً- ارتباط وثيق بين (العلم) و(التزكية).

أسوأ أنواع الضلال

- ثانياً: أسوأ أنواع الضلال هو امتزاج (الشهوات) بـ(الشبهات)؛ ولذا وصف الله الناس قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم - وقيامه بتزكيتهم وتعليمهم بأنهم {كانوا من قبل لفي ضلال مبين}، وسبب ذلك وجود (الظلم) و(الجهل) عندهم، فيتولد من عدم التزكية (الظلم)، ومن عدم العلم (الجهل)، ومزيجهما هو (الضلال المبين).

الأمانة التي حملها الإنسان

- ثالثاً: لما حمل الإنسان الأمانة وصفة الله بـ(الظلم) و(الجهل)، وذلك في قوله -تعالى-: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} (الأحزاب: 72)، أفادت الآية أشياء؛ منها:

1- إن الإنسان لما حمل التكاليف الشرعية كان (ظلوماً) (جهولاً)، وهذان الوصفان بالترتيب المذكور لا يزولان إلا بـ(يزكيهم) و(يعلمهم)، فانسجم تقديم التزكية على العلم مع صفتي حامل الأمانة.

2- الأصل في الإنسان أنه ظالم جاهل، حتى يقوم البرهان على خلاف ذلك بالطرائق الشرعية.

     قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) (15/357): «وأما من يقول: الأصل في المسلمين العدالة. فهو باطل، بل الأصل في بني آدم الظلم والجهل، كما قال -تعالى-: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً}، ومجرد التكلم بالشهادتين لا يوجب انتقال الإنسان عن الظلم والجهل إلى العدل».

العدل يتقدم العلم

     وقال فيه -أيضاً- (18/169): «ولما كان العدل لا بد أن يتقدمه علم؛ إذ من لا يعلم لا يدري ما العدل؟ والإنسان ظالم جاهل إلا من تاب الله عليه، فصار عالماً عادلاً، صار الناس من القضاة وغيرهم ثلاثة أصناف: العالم الجائر، والجاهل الظالم، فهذان من أهل النار، وكل من حكم بين اثنين فهو قاض، سواء كان صاحب حرب أو متولّي ديوان، أو منتصباً للاحتساب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى الذي يحكم بين الصبيان».

     وقال ابن أبي تغلب في (نيل المآرب) (2/454): «وقال الشيخ: ومن قال: الأصل في الإنسان العدالة فقد أخطأ، وإنما الأصل فيه الظلم والجهل؛ لقوله -تعالى-: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}». في نقولات كثيرة شهيرة، أجملها وبيّن وجه الحق في هذه المسألة المهمة الصنعاني في «توضيح الأفكار» (2/149-150)، قال معلقاً على قول صاحب (تنقيح الأنظار):

العدالة هي الأصل

     «ولأنها -أي: العدالة- الأصل في أهل الإسلام»، قال: «اعلم أن هذه مسألة خلاف بين الأمة، منهم من ذهب إلى أن الأصل الفسق، وهو الذي ذهب إليه العضد وصرح به في (شرح مختصر ابن الحاجب)، وتبعه عليه الآخذون من كتابه، مستدلين بأن العدالة طارئة، وبأن الفسق أغلب، وقد حققنا في (ثمرات النظر) أن الأصل أن كل مكلف يبلغ سن التكليف على الفطرة، كما دل له حديث: «كل مولود يولد على الفطرة»، وفي معناه أحاديث عدة، وفسر به قوله -تعالى-: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، فإن بقي عليها من غير مخالطة بمفسِّق، وأتى بما يجب فهو عدل على فطرته مقبول الرواية، وإنْ لابس مفسقاً فله حكم ما لابسه، وقد أشار سعد الدين في (شرحه على شرح العضد) إلى هذا، وتعقبه صاحب (الجواهر) بما ليس بجيد، وقد ذكرناه هنالك، وقد استدل لهم بأن الأصل الفسق بأنه الغالب، ولكنه قيده بعضهم بأن هذه الأغلبية إنما هي في زمن تبع التابعين، لا في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ لحديث: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب». وعلى هذا التقييد يتم القول بأن الأصل -أي: الأغلب- الفسق في القرون المتأخرة، فلا يؤخذ الحكم كلياً بأن الأصل الإيمان، ولا بأن الأصل الفسق، بأن يقال في الأول: إنه الأصل في القرون الثلاثة، وفي الثاني: إنه الأصل فيما بعدها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك