رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد بن إبراهيم الحمد 25 مارس، 2021 0 تعليق

نصيحة إلى عموم المسلمين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وجه فضيلة مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- نصيحة إلى عموم المسلمين جاء فيها: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، والمهم الذي ابتعث الله له الأنبياء والمرسلين، فلو طوى بساطه وأهمل علمه وعمله لفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، وخربت البلاد، وهلك العباد، قال الله -تعالى- {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} (الآية 41). فنعوذ بالله من اندراس هذا المهم العظيم، واستيلاء المداهنة على القلوب وذهاب الغيرة الدينية.

عنوان الإيمان

      إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنوان الإيمان، ودليل السعادة والفلاح، قال الله -تعالى- {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ  يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ  أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ  إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، (التوبة:71)، وقال -تعالى-: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ  وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (آل عمران: الآية 104)، وقال -تعالى-: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ  وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم  مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } (آل عمران:110)، وقال -تعالى-: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ  ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78)كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ  لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} {المائدة: 78-79}. وهذا غاية في التغليظ؛ إذ علل استحقاقهم اللعنة باستهانتهم بأمر الله، وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السنة

     وروى أبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم»، وعن حذيفة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم»، وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده» رواه ابن ماجه والترمذي وصححه، وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أوحى الله إلى جبریل -عليه السلام- أن اقلب مدينة كذا وكذا بأهلها، قال: يا رب إن فيهم عبدك فلانًا، لم يعصك طرفة عين، قال: فقال: اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط». وعن جرير مرفوعا، «ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعز منه وأمنع، لم يغيروا عليه، إلا أصابهم الله بعذابه» رواه أحمد وغيره.

لا تزال هذه الأمة في كنف الله

     وفي مراسيل الحسن عن النبي- صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفي كنفه ما لم يمالئ قراؤها أمراءها، وما لم يزك صلحاؤها فجارها، وما لم يهن خيارها أشرارها، فإذا هم فعلوا ذلك رفع الله يده عنهم، ثم سلط عليهم جبابرتهم فيسومونهم سوء العذاب، ثم ضربهم الله بالفاقة والفقر». وذكر ابن أبي الدنيا، عن إبراهيم بن عمر الصنعاني، قال: أوحى الله إلى یوشع بن نون: «إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم، وستين ألفا من شرارهم. قال: يا رب، هؤلاء الأشرار. فما بال الأخبار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، وكانوا يؤاكلونهم ويشاربونهم».

النجاة من العذاب

     وذكر الإمام أحمد من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - مرفوعا: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعو خیاركم فلا يستجاب لهم، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم ولا يوقر كبیركم»، وفي الطبراني من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله: «وما طفف قوم كیلا، ولا بخسوا میزانا، إلا منعهم الله القطر، وما ظهر في قوم الزنى إلا ظهر فيهم الموت، وما ظهر في قوم الربا إلا سلط الله عليهم الجنون، ولا ظهر في قوم القتل يقتل بعضهم بعضًا إلا سلط الله عليهم عدوهم، ولا ظهر في قوم عمل قوم لوط إلا ظهر فيهم الخسف، وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاؤهم». وفي الصحيح من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، وفي رواية: «وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل».

حديث السفينة

     وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله: «مثل المداهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه، فقالوا: مالك. قال: تأذيتم بي، ولابد لي من الماء. فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم». رواه البخاري، والأحاديث في الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جدا.

كل إنسان مسؤول بحسبه

     فاتقوا الله عباد الله، وهبوا من رقدتكم، واستيقظوا من غفلتكم، وقوموا بأمر ربكم، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وتناصحوا فيما بينكم، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وكل إنسان مسؤول بحسبه وعلى قدر طاقته واستطاعته، ففي الحديث: «ما منكم من أحد إلا وهو على ثغر من ثغور الإسلام، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبله».

أنجع الوسائل

     وعلى الآمر بالمعروف أن يستعمل أنجع الوسائل لإزالة المنكر وتغييره، قال الله -تعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل:120)، كما عليه أن يصبر ويحتسب إذا أوذي في الله أو أسمع ما يكره، قال -تعالی- حاكيًا عن لقمان في وصيته لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (الأعراف:17)، والقائم في هذا الأمر ستكون له العاقبة الطيبة والذكر الجميل، قال -تعالى-: {والعقبة للمتقين} (الأعراف:128).

القيام به على الجميع

     وعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يقوم بذلك على الغني والفقير، والقريب والبعيد، والشريف والوضيع، ولا يخاف في الله لومة لائم، ففي حديث عائشة -رضي الله عنها-: «إنما هلك بنو إسرائيل أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»؛ لذلك تحرم الشفاعة لأهل الجرائم، فعن ابن عمر - رضي الله عنه - مرفوعا «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره»، وفي الموطأ: «إذا بلغت الحدود السلطان، فلعن الله الشافع والمشفع»، وفي الصحيح من حديث علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لعن الله من آوى محدثا»، أعاذنا الله وإياكم من اسباب غضبه وأليم عقابه، وهدانا الله وإياكم لصراطه المستقيم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك