رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 15 أبريل، 2019 0 تعليق

ندوة مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية – رؤية رعية لثورات الربيع العربي – لأسباب والنتائج


أقام مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية الأربعاء 3 أبريل ندوة بعنوان: (ثورات الربيع العربي.. مسببات ونتائج)، وقد استضاف المركز ضيوفا من الكويت ومصر والبحرين؛ حيث شارك من الكويت مدير قناة المعالي، د. خالد سلطان، ومن مصر شارك عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية، الشيخ شريف الهواري، ومن البحرين شارك المستشار بالوقف السني، الشيخ فتحي الموصلي، وأدار الندوة رئيس المركز د.وائل الحساوي.

تأثير الثورات على الخطاب الإعلامي

     في البداية تحدث د. خالد السلطان عن التأثير السلبي للثورة على تدني الخطاب الإعلامي، مبينًا ضوابط الخطاب الإعلامي، وشروطه، وعناصره، موضحًا الفرق بينه وبين الخطاب الإعلامي الثوري وأن، هذا الإعلام اعتمد على أمور عدة منها التهويل، والإثارة، واستخدام الشعارات الحماسية، واستغلال العواطف، وتشويه المخالفين، واستخدام لغة التهديد.

ضوابط الخطاب الإعلامي

ثم بين السلطان ضوابط الخطاب الإعلامي وذكر منها:

- الوضوح:‏ فيجب أن يكون الخطاب واضحا في ألفاظه ومعانيه، سهلاً في عبارته وتكوينه، مع التركيز على ‏الفكرة والمعلومة الحقيقية.

‏- التشويق:‏ هو اختيار الكلمات المشوقة الجاذبة البعيدة عن الجمود.

- التنوع:‏ وهو تنوع الجمل والفقرات والعبارات مع مراعاة الفكرة والمعلومة الجديدة والمفيدة.

- الاختصار:‏ وهو الاختصار غير المخل بالخطاب وكما قيل في الأثر: خير الكلام ما قل ودل.

شروط الخطاب الإعلامي

ثم حدد السلطان شروط الخطاب الإعلامي وهي:‏

     تحديد هدف الخطاب، وتحديد الجمهور والفئة المستهدفة،  وتحديد لغة الخطاب المناسب وأسلوبه، وجاذبية الخطاب، وتحديد الوقت الذي ينبغي أن يستغرقه الخطاب، ومراعاة الآداب والأخلاق والذوق العام في لغة الخطاب والبعد عن المهاترات والسب والشتم وغيرها.‏

كما أوضح السلطان عناصر الخطاب الإعلامي، وذكر منها:

الأهمية: وهي تناول القضايا التي تهم الجماهير، وتمس احتياجاتهم، ورغباتهم ومتطلباتهم عن قرب، والاستجابة لآمالهم وتطلعاتهم.

المعلومات الجديدة: الجمهور يتطلع ويتوقع أن يصله من الخطاب الإعلامي معلومات جديدة أو تصحيح لمعلومات قديمة لديه، وأن تكون هذه المعلومات مبنية على الأدلة والبراهين المقنعة.

تناول القضايا الساخنة في الساحة: يكون الخطاب الإعلامي أكثر جاذبية وقبولاً إذا ركز على القضايا الساخنة في المجتمع، بشفافية ووضوح.

خصائص الإعلام الثوري

وفي المحور الثاني ذكر السلطان خصائص الإعلام الثوري قائلا: الإعلام الثوري  يعتمد على أمورة عدة منها:

1- التهويل للمواضيع التي يرغب في الثورة عليها دون مراعاة للجانب الموضوعي في القضية المثارة.

2- استخدام مصطلحات الإثارة الساخنة مثل تكرار كلمة: (الاستعباد/ الظلم/ الإذلال/ الاغتصاب/ الاستيلاء...).

3- تزوير الحقائق من خلال الكذب أو الافتراء والإفك؛ فيضعون مع المعلومة الصادقة 99 معلومة غير صحيحة.

4- رفع الشعارات المطاطة لدغدغة المشاعر مثل: (الحرية / العدل / المساواة / الحاكمية...) وكلها شعارات حق ولكن أريد بها باطلا كما قال السلف -رحمهم الله.

5- استخدام عبارات التأليب والشحن لإثارة الجمهور وتقبلهم للنفيروالخروج بعد ذلك.

6- توجيه الخطاب للمشاعر والعواطف أكثر؛ لأنها أسرع في الاشتعال والتحريك وتجنب الخطاب العقلي والحكيم عن الساحة بل ومحاربته.

7- تشويه للمخالفين لهم في الأسلوب حتى ولو كان المخالف لهم متفقا معهم في القضية والموضوع.

8- استخدام لغة التهديد والوعيد للخصوم وإرهابهم بالمواد الإعلامية الحقيقية تارة والمفبركة أخرى.

المحور الثالث: إعلام التواصل الاجتماعي

     وعن مواقع التواصل الاجتماعي وأثرها في الثورات قال السلطان: مواقع التواصل الاجتماعي تعد محطة جديدة في تاريخنا المعاصر،  وقد أفرزت لنا هذه المحطة الجديدة العديد من التغيرات في السلوك الاجتماعي، والتحوّلات في الذهنية العربية؛ حتى أضحت هذه الوسائل مركزا لإنتاج الثقافات المتباينة.

وأن منصات التواصل الاجتماعي ولّدت ثقافةً جديدة، وغيّرت معها أنماط سلوك النضال السياسي والاجتماعي، وقد وصلت إلى المصادمات الدموية، وكل هذا باسم (التغيير السلمي)، أو (التغيير الناعم) كما زعموا.

المحور الرابع: واقع الإعلام الديني

الإعلام يعد أحد أبرز الروافد التي يتخذها كل صاحب فكر سواء كان دينيا أم لا دينيا أم حتى إباحيا.

فمن الخطأ بمكان أن نصف ثورات الربيع بأن القائمين عليها هم التيار الديني السياسي (كجماعة الإخوان المسلمين وأفراخهم) وجماعات التكفير.

فقد شارك في ثورات الربيع العربي الأحزاب اليسارية والديمقراطية والاشتراكية والعمالية حتى تكونت كيانات جمعت أغلب هذه الأحزاب وأنموذج الثورة المثرية واضحا في ذلك.

ومن أراد التفصيل فليرجع لكتاب (الربيع العربي في مصر الثورة وما بعدها).

أفاد تقرير (اتحاد إذاعات الدول العربية) بأن عدد القنوات الفضائية التي تتولى بثها أو إعادة بثها هيئات عربية عامة و خاصة بلغ (1394) قناة عدد القنوات الدينية منها (95) قناة دينية فقط.

وكانت لهذه القنوات بصماتها الكبيرة التي لا ينكرها الشارع العربي والإسلامي وإن كانت مختلفة في مدارسها وأطروحاتها الفكرية.

لقد واجه الإعلام الديني سياسة التضييق والحجر عليه من قبل الحكومات والدول التي ترى أن هذا النوع من الإعلام كان سببا كبيرا في تلك الثورات مع تجاهلهم -مع الأسف- لكل المشارب الأخرى التي حملها باقي الثوار.

ومن آثار هذا التضييق:

- أُفول نور الروابط الجامعة لتلك القنوات كرابطة الإعلام المرئي الهادف التي انحرفت عن أهدافها؛ بسبب تبنيها للإعلام الثوري ومحاربة الدعوة السلفية بشراسة.

- إغلاق بعض القنوات ومنها:

- تغيير الخريطة البرامجية لبعض القنوات.

ومع هذا أقول:

بحمد الله إن نور الإعلام الديني الوسطي ما يزال يشع على سماء العالم وفي فضائه ومنها نجم قناة المعالي التي تعد أنموذجا للوسطية فدعوتها:

- للتوحيد الخالص لله رب العالمين.

- والاتباع الصادق لرسول الله - صلى الله عليه وسلم .

- وفهم الدين على فهم السلف الصالح.

- كما أنها تحذر من الشرك كله ومن التقليد الأعمى للمذاهب والأحزاب.

- وتحارب الثورات، وتحذر من آثارها المدمرة على البلاد والعباد من خلال الأدلة الشرعية ونقل كلام كبار العلماء في ذلك.

لقد ضيع أصحاب المنهج الثوري على الناس فرصة الاستفادة من العلماء والمشايخ والدعاة إلى الله عبر تلك القنوات بسبب ما حملوه من فكر ثوري مخالف للإسلام وصدامي هيج عليهم الحكومات والحكام.

ومع هذا كله فالناس ما يزالون في إقبالهم على الإعلام الإسلامي والديني، وخير شاهد ما نراه من تزايد الأعداد في المتابعة والتواصل مع قناة المعالي عبر وسائل التواصل الخاص بالقناة ولله الفضل.

فضلا عن رصد التفاعل مع البرامج الدينية عموما والمباشر منه خصوصا.

 إعلام المهجر

وفي المحور الخامس تحدث السلطان عن الإعلام الثوري في الخارج، مبيناً أن المتتبع للخطاب الإعلامي الثوري في المهجر يجده يتصف بالآتي:

- تحريك النفوس نحو النفير العام ترغيبا فيه وترهيبا من تركه.

- التحريضية: إغراء الجماهير وحثهم على التغيير بالطرائق الخلفية.

- الشائعات: نشر الأخبار الزائفة بين أفراد المجتمع بطريقة سريعة وبأسلوب التشويق والإثارة.

- استقطابية: جذب مجموعة جديدة من المؤيدين والمناصرين لأفكار أصحاب المهجر الثوريين.

وفي ختام كلمته خلص السلطان إلى نتيجة الثورات وهي: القتل والتشريد وهتك للأعراض وسلب للأموال وهدر للممتلكات وسحق للكرامة الإنسانية والسجن والاعتقالات والتعذيب ودمار الدار وخراب الوطن.

مؤكداً على أثر الإعلام وأهميته وعدم ترك الساحة للآخر مع وجود فرص الدخول والتميز، مبيناً أننا نمتلك منهجا ربانيا عقليا عاطفيا حكيما والأمة بحاجة شديدة لمن يحمله إليها.

إذا تركنا الأمر فمن للأمة؟

أَثر الثوراتِ على الحِراك الدعوي

     وفي محاولةٌ لرصدِ تأثيرِ ثورات الربيع العربي على مَسيرةِ الدعوةِ في البلادِ الَّتِي انْدَلَعَتْ فيها، والحديث عن الحالِ المصريةِ بوصفها مثالاٍ تطبيقيا، تحدث الشيخ شريف الهواري، مؤكدًا أنَّ الثَّوْرَة تحولَتْ في (سوريا، واليمن، وليبيا) إلى دَمَارٍ شَامِلٍ زَلْزَلَ مظاهرَ الحياةِ الطبيعيةِ المعتادةِ فَضْلًا عَن الحياةِ الدعويةِ، وبالتالي لا تَصْلُحُ تِلْكَ النماذجُ للدراسةِ لِغَيابِ الوَاقِعِ الدَّعَوِي تَمَامًا، اللهمَّ إِلا إمكانيةَ رَصْدِ الأَثرِ الوَخِيمِ لتياراتِ التكفيرِ والعنفِ في تَجْفيفِ منابعِ الحياةِ العامَّةِ والدعويةِ، لتدميرِ الأَخضرِ واليابسِ وتركِ صورةٍ منفرةٍ عن الدينِ.

التجربة المصرية

      وفي معرض حديثه عن التجربة المصرية بين الهواري أنها تعد أنَمُوذَجًا جديرًا بالدراسةِ؛ لِأَنَّهَا ثَرِيَّةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ ومتشابِكَةٌ؛ من حيثُ الأَيْدُلُوجِيَّاتُ والمناهجُ والأفكارُ والمرجَعِيَّاتُ والأَجنداتُ والولاءات والجماعاتِ والأَحزابِ، وكذلك لمكانة مصر وموقعها وقوتها ودورها وتأثيرها على مستوى الأمة العربية والإسلامية والمنطقة كلها، كما أن فيها مراحلُ مِفْصَلِيَّةُ في أَطْوَارِ الدعوةِ الإسلاميةِ عمومًا أَدَّتْ إِلى رَسْمِ صُورَةِ المشهدِ النِّهَائِي.

      ثم بين الهواري أن ورقته تبين فتراتٍ زمنيةً مِفْصَلِيّةً ومُهِمَّةً في عُمُرِ الدعوةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وهي ما قبل الثَّوْرَة، والمرحلة الثانية مِن بدايةِ قِيَام الثَّوْرَة والأَجْوَاء الَّتِي مَرَّتْ بها، والأَحْدَاث المؤثِّرَةِ في سَيرِها وحتى انتهاءِ تَجْرِبَة الإِخْوَان، وأخيرًا مِنْ مُنْتَصَفِ 2013 إِلَى الآن.

الواقع الدعوي قبلَ الثَّوْرَة

تحدث الشيخ الهواري عن توصيف الواقع الدعوي قبل الثورة مبينًا أن العمل الدعوي انقسم إلى أقسام عدة وهي:

1- المؤسسةُ الدعويةُ الرسميةُ: كانت مُلتزمةً بِالتَوَجُّهَاتِ السياسيةِ للدولة.

2- الإِخْوَان: بوصفهم جَمَاعَةٍ كانتْ نَشِطَةً سياسيًّا ضعيفةً دَعَوِيًّا، وكان جُل التركيزِ عَلَى الْمُشَارَكَةِ السياسيةِ، وفِي كَرٍّ وَفَرٍّ مَع النظامِ، وكانوا يَحترفونَ التَّحَالُفَاتِ مَع أَقْصَى اليمينِ وَأَقْصَى اليَسَارِ.

3- التَّيَّار السَّلَفِي العامُّ: وتمثل في بَعْضُ الْمَشَايِخ الَّذِين يَتَبَنَّوْنَ الْعَمَلَ الفَرْدِيَّ كالدروسِ العِلميةِ والْوَعْظِيَّةِ الْمُرْتَبِطَةِ بالأَشخاصِ.

4- الجمعيةُ الشرعيةُ وجمعيةُ أنصارِ السنةِ المحمديةِ: وجودٌ تَمَثَّلَ في صورةِ الْعَمَلِ الخيريِّ وكفالةِ الأَيتامِ ومُحَارَبَةِ شِرْكِ القبورِ مَعَ بَعْضِ الْأَعْمَالِ الدعوية المحدودةِ.

5- الجماعةُ الإسلَامِيةُ: غَابَتْ تَمَامًا وكذلك الجماعاتُ المسماةُ بالجهاديةِ، وذلكَ نظرًا لصراعٍ مَرِيرٍ وَصِدَامٍ كَبِيرٍ خَالٍ مِن كُلِّ الضوابطِ الشَّرْعِيَّةِ وَالعَقْلِيَّةِ فِي التِّسْعِينَاتِ مَعَ النظامِ؛ مِمَّا وَصلَ بهمْ إلى التشتتِ مَا بينَ الاختفاءِ وإجراءِ مُراجعاتٍ فكريةً وتنازلاتٍ منهجيةً.

6- جماعات التكفير: أَمَّا جَمَاعَاتُ التكفيرِ فكانتْ في بَيَاتٍ حَقيقيٍّ وَعُزْلَةٍ شُعوريةٍ وانفصالٍ تَامٍّ عَن الْمُسلِمِينَ وتكفير من ليس معهم.

7- التَّيَّاراتُ المَدَنِيَّةُ: ظُهُورٌ عَلَى استحياءِ للتياراتِ الليبراليةِ والعلمانيةِ واليَسَاريةِ وبَعْضِ الجمعياتِ الحقوقِيةِ ومنظمات المجتمع المدني، وكانَتْ تحرُّكَاتٌ مشوبةٌ بحذَرٍ وَسَطَ أجواءٍ وضغوطِ وأزماتٍ متعددَةٍ معَ النظامِ.

8- الدعوةُ السَّلَفِيةُ: وقد أعلنتْ منذُ نشأتِهَا أنها دعوةٌ إِصْلَاحِيَّةٌ سِلْمِيَّةٌ عَلَنِيَّةٌ عِلْمِيَّةٌ، تَبَنَّتْ الْعَمَل الجمَاعِيَّ لإقامةِ فروضِ الكفايةِ، مَع اعتبارِ سُنَّةِ التدرجِ والسُّننِ الكَونيةِ الشَّرعيةِ، وفَعَّلَتْ فِقْهَ المصالحِ وَالْمَفَاسِدِ واخْتِيَارَ خَيْرَ الخيرَيْنِ وَتَرْكَ شَرَّ الشَّرَّيْنِ، وارتِكَابَ أَخَفِّ الضررَينِ، واهْتَمَّتْ بفقْهِ الْمَآلَاتِ، وكانت دائمًا تضعُ في اعتبارِهَا التفريقَ بينَ الممكنِ المتاحِ، والمأمولِ الْمَرْجُوِّ، وتُفَرِّقُ كذلِكَ بَيْنَ مَوَازِينِ القُدْرَةِ والعَجْزِ، فَلَيْسَ المقدورُ عليهِ كالمعجوزِ عَنْهُ.

     وكان جُلُّ الاهتِمَامِ بالجانبِ البِنَائِي وإِعدادِ الكوادرِ المؤهَّلَةِ لِحَمْلِ الْمَنْهَجِ وَالْحِفَاظِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مِنْ خِلالِ البناءِ العِلميِ وَالفِكْرِيِّ وكَذَا الإِيمَانِي والتربويِ والمؤسَّسيِ للعملِ بِرُوحِ الفَريقِ الواحدِ لِكَي يُثْمِرَ عَن كوادرِ قادرةٍ على حَملِ المنهجِ الصحيحِ، واتقانِهِ والدفاعِ عنهُ والتأصيلِ والتنظيرِ لَهُ، والردِّ على الشبهاتِ التي تُلْقَى عَلَيْهِ.

الردِ على الفرقِ المخالفةِ

وأضاف الهواري أن الدعوة السلفية تَفَرَّغَتْ في تلك الفترة للردِ على الفرقِ المخالفةِ كالخوارجِ، والقُطبيينَ، والتوقفِ والتبين والجماعةِ الإسلاميةِ والجماعاتِ المسماةِ بالجهادِيَّةِ، وفي الوقتِ نفسه الردُّ علَى غلاةِ الصوفيةِ والملاحدةِ والعلْمانيينَ.

المشاركة السياسية

     وبين الهواري أن الدعوة السلفية عزفَتْ عن المشاركةِ السياسيةِ آنذَاكَ لعدمِ جَدْوَاهَا، وَأَلَا طائِلَ مِن وَرَائهَا، وَأن كَلَفَةُ المشارَكَةِ ستكون بَاهِظَةَ الثمَنِ، ولم يَكُنْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّعْوَةِ والبناءِ والْعَمَلِ السياسيِّ آنذَاكَ، فركَّزَتْ عَلَى الْعَمَلِ الدَّعْوِي في المساحاتِ المتاحةِ.

دور الدعوة السلفية

      وعن دور الدعوة السلفية في أحداث الثورة قال الهواري: أدركت (الدعوةُ السَّلَفِيةُ) خطورةَ الموقفِ؛ فكانت نُراقبُ عَن كَثْبٍ معَ حَيْطَةٍ وحَذَرٍ، ثم تسارعتْ الأَحْدَاثُ وحدَثَ الانفِلَاتُ الأَمنيُّ واشْتَدَّ الخطَرُ فتحركت الدعوة بقوةٍ لتأمينِ الجبهَةِ الداخليةِ وحمايةِ مُؤسَّسَاتِ الدولةِ والمرَافِقِ والمصالحِ العامَّةِ وحتى الخاصةَ، وقمنَا بتكوين لِجَانٍ شعبيةٍ، أشرَكْنَا فيها كُلَّ فَصَائِلِ المجتمعِ لِحِمَايتِهِ والحفاظِ على ممتلَكَاتِهِ، حتى غَيْر المسلمينَ قُمْنا بحفظِ كنائِسِهِم وممتلكاتِهم، وكذلكَ حِمَايةِ أَفْرَادِ الشرطَةِ والضبَّاطِ وأقسامِ ومُدِيرِيَّاتِ الأَمْنِ مِن بَطْشِ المتهوِّرِينَ، وكم كان الأثر إيجابيًا على الجميع.

ندواتٍ تَثْقِيفِيَّةَ

      وأضاف الهواري قامت الدعوة بعقد ندواتٍ تَثْقِيفِيَّةَ بالمحافظاتِ والمراكزَ كافة للحفاظِ عَلَى البلادِ والعبادِ، وبيانِ المطلوبِ والتحذيرِ مِن المخاطِرِ المحتَمَلَةِ وأنَّ مصرَ بلدٌ محوريٌ، وهي أمانةٌ في أعناقِنَا جَمِيعاً، والواجب علينا جميعًا الحفاظ عليها وعلى مؤسساتها وبقائها وأن سقوطها سقوط للأمة كلها.

المشاركة السياسية للسلفيين

     وعن المشاركة السياسية للسلفيين قال الهواري: لم تكنْ الدعوةُ السَّلَفِيةُ ولا كثيرٌ مِن أبناءِ التَّيَّارِ السَّلَفِيِّ العامّ يعمَلُونَ بالسياسةِ طِبقًا لمعطياتِ الواقِعِ القَديمِ ومع استشعار الدعوة للخطرَ على الهُويةِ وعلى المادةِ الثانيةِ مِن الدستورِ تحديدًا، قررت الدعوة بناء كيان سياسِي للمشاركةِ الفعليةِ في الحفاظ على الدولة المصرية وهويتها، وتكونت مجموعةٌ مِن الأَحزابِ الإسلاميةِ، وكان منها حزبُ النورِ الَّذِي يمثلُ الدعوةَ السَّلَفِيةُ، وهنا قدْ يَقُولُ قَائلٌ أَمَا كان بِالإمكَانِ الاكتفاءُ بالإِخْوَانِ بوصفهم خِبْرَةٍ سياسيةٍ في هذا المجالِ، لَكِنْ فِي الحقيقةِ لَمْ نكن نَحْنُ ولَا غيرُنا نثقُ في جماعةِ الإِخْوَانِ، والتاريخُ يشهدُ عليهِم بسرعةِ التنازلِ والتساهُلِ للوصولِ إلى الهدفِ كما هوَ الواقِعُ في مِصْرَ وتُونُسَ وغيرِها ولاسيما في جانبِ الْهُوِيَّةِ لِكَسْبِ الْمُخَالِفِ والأطوار التي مر بها دستور 2012 خير شاهد على تساهل الإخوان.

فترة عصيبة

     ثم استعرض الهواري الفترة ما بين أول استحقاق نيابي إلى يوليو 2013؛ حيث عدها فترة عصيبة في تاريخ التيارات الإسلامية؛ لأنها اشتلمت على العديد من الأحداث والصدامات، مبينًا دور الدعوة السلفية فيها ودورها في الحفاظ على تماسك الدولة المصرية ومؤسساتها، ولاسيما المؤسسة العسكرية المتمثلة في الجيش، وكيف تقدمت الدعوة بنصائح عدة للإخوان بضرورة تجنب المسار الصدامي، وعدم الدخول في معارك خاسرة تأتي على الأخضر واليابس.

خاتمةٌ وتوصيات

وفي نهاية كلمته عدد الهواري مجموعة من التوصيات منها:

1- {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ} وَ {َعسَى أَنْ تَكرهُوا شيئًا ويجعلُ اللهُ فيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} و«لَا يَبْلُغُ العبدُ حقيقةَ الإيمانِ حتَّى يَعْلمَ أنَّ ما أصابَهُ لم يكنْ لِيُخْطِئَهُ ومَا أَخْطَأَهُ لم يكنْ ليصيبَهُ»، لو لم يكنْ إِلَّا التأكيدُ على هذا الأصلِ لكانَ خيراً كثيراً؛ لأنَّ بَعْضَهم كانَ يعتقدُ ألا تَغْييرَ إلا بهذا المسلكِ.

2- طريقَ الإصلاحِ والتغييرِ لنْ يكونَ مِن طريقِ التَّثْويرِ والانقلاباتِ وأنها لمْ تَكُنْ يَوْماً طَريقًا لتحقيقِ الإصلاحِ، وأنَّ السبيلَ الوحيدَ هو طَريقُ الأنبياءِ والرسلِ بالدعوةِ إلى اللهِ تعالَى.

3- الأُمَمُ لَا تُبْنَى بِالعَواطفِ والشعاراتِ، وإنما البناءُ الحقيقيُّ للفردِ والأسرةِ والمجتمعِ يكونُ عِلمياً وفكرياً وإيمانياً وتربوياً، وقدْ أفرزتْ الثوراتُ خطورةَ العواطفِ وأنها عَوَاصِفُ وقنابلُ موقوتَةٌ، استعمَلَهَا البَاطِلُ في التَّلَاعُبِ بمشاعِرِ المسلِمِينَ؛ فَجَلَبَ علَيْهِم المفاسِدَ العظيمةَ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ إلا تعلُّمَ فَنِّ إدارةِ العواطِفِ وضبطَها لكانَ نَافِعاً للجميعِ في المستقبلِ.

4- مِن الآثارِ الَّتِي وَضَّحَتْ بقوةٍ قدرةَ المنهجِ السَّلَفِيِّ الصحيحِ على التعامُلِ مع الأَحْدَاثِ والتعايُشِ معها والجمع بين الثوابت والمتغيراتِ؛ وذلك لاهتمامِهِ بفِقْهِ المصالِحِ والمفاسِدِ والقدْرَةِ على تفعِيلِهِ، رَغْمَ الْمُحَاوَلَاتِ لِلاستدراجِ والاستفزازِ لِجَرِّنَا لدائرةِ الصدامِ إلا أنَّ توفيقَ اللهِ أولاً وبركةَ الاتباعِ لتوجيهاتِ المنهجِ والرجوعِ للعلماءِ وضبطِ العواطفِ وتحمُّلِ الأذَى فوتِ الفرصةِ على أعداءِ المنهجِ.

5- لابدَّ مِن الْعَمَلِ على إيجادِ إعلامٍ محترفٍ يَعِي حَجْمَ المعركةِ ويكونُ قادرًا على حمايةِ الشبابِ وتوجيهِهِ حتى لا يُتركَ الباطلِ ليتلاعبُ بهِ بالتحبيط والتثبيط والتثوير تارة، والإغراء والإغواء تارة أخرى.

7- لابد من الاهتمام بنشر ثقافة الممانعة وبيان أهميتها للثبات في وجه الباطل ومقاومة محاولاته لإحداث الهزيمة النفسية مع الإعتزاز بالعقيدة والشريعة.

8- لابد من الاهتِمَام بِتَلَاقِي أَبناءِ التَّيَّارِ السَّلَفِيِّ الوسطيِّ لتبادلِ الخبراتِ والمعلوماتِ وتهذيب الأفكار وقراءةِ الساحةِ وترتيبِ الأولوياتِ والتعاونِ المشتركِ في المقدورِ عليهِ.

9- لابد من الْعَمَل الجاد على تغييرِ الصورةِ المنفرةِ الَّتِي تركَهَا المنتسبونَ للمنهجِ السَّلَفِيِّ مِن خلالِ الأَحْدَاثِ وذلكَ بمزيدٍ من النشاطاتِ الدعويةِ الهادِفَةِ الَّتِي نَلْتَقِي بها طبقاتِ المجتمعِ كافة الَّذِين يسمعونَ عَنَّا ولم يَسْمَعُوا مِنَّا، وبالمشاركةِ الإيجابيةِ للطبقاتِ كافة في مناسباتِهِم، وإرسالِ رسائلِ الطمْأَنَةِ لهم؛ لأنَّ الباطلَ حوَّلَنَا إلى فزاعَةٍ لهم؛ فطابورُ الهدمِ والتشويهِ كبيرٌ.

10- لابد من توجيهُ الأمةِ إلى أَهميةِ رَبطِ القلوبِ بخالِقِهَا، ورَبْطِ الأَرْضِ بالسماءِ معَ التضرعِ والدعاءِ فسلاح الدعاء كان وما يزال هو مادة الحسم في الصراع بين الحق والباطل.

التعامل مع ولي الأمر ومفهوم الخروج

وتحت عنوان فقه التعامل مع ولي الأمر ومفهوم الخروج على الحاكم تحدث المستشار بالوقف السني بمملكة البحرين الشيخ فتحي الموصلي عن فقه التعامل مع ولي الأمر، مبينًا خطورة الخروج وأثره السلبي في تدمير الأوطان وإشاعة الفوضى.

     وقد أكد الموصلي على وجوب طاعة ولي الأمر لقول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 59) مبينًا أن هذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر، وهم: الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبين أن هذه الطاعة لازمة، وهي فريضة في المعروف.

     والنصوص من السنة تبين المعنى، وتقيد إطلاق الآية بأن المراد: طاعتهم في المعروف، ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي، فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون فيها، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدًا من طاعة». ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية». وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: «على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يُؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة». وسأله الصحابة لما ذكر أنه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم». قال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله. وقال: إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان.

     فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادًا كبيرًا وشرًا عظيمًا، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تؤمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير.

 

 

الآثار السلبية لثورات الربيع العربي

عدد الشيخ شريف الهواري أمثلة لبعض الآثار السلبية لثورات الربيع العربي وساقها لدراسة كيفية مواجهتها وليس لإشاعة روح اليأس والإحباط

1- تصدير حالة من الإحباط للشباب الطامح في التغيير؛ مما أدى إلى:

أ- عزوف الكثيرين من الشباب عن العمل الإصلاحي وتبني الحل الثوري والصدامي؛ مما كان له أكبر الأثر على استقطاب الجماعات الصدامة لهم.

ب- فتنة الكثير من الشباب في دينهم؛ مما أدى إلى انتشار ظاهرة الانحلال الأخلاقي في كثير منهم، ووصل ببعضهم إلى الإلحاد.

2- خلق جو من الانقسام والاستقطاب الحاد وبروز الكثير من النعرات.

3- استئساد التيار العلماني والليبرالي والإسفار عن وجهه القبيح لشعوره النسبي بنوع من الانتصار.

4- تراجع حجم العمل الإسلامي بالانسحاب المفاجئ لبعض الجماعات ورموز العمل الإسلامي.

5- العمل الدؤوب من قبل الأعداء لاستغلال الثورات بوصفها أداة للتدمير الذاتي للدول العربية والإسلامية من خلال بث الفرقة، وزرع بذور الشك والاتهام والتلاسن؛ مما أدى في بعض البلدان إلى الاحتراب والاقتتال.

6- استثمار الفرصة لإيجاد بديل عن العمل الإسلامي عموما والسلفي خصوصا، ومن أمثلة ذلك المشروع الصوفي والأشعري.

7- استثمار الثورات لتمرير المشاريع الهادفة لتقسيم الأمة كصفقة القرن على سبيل المثال.

8- صناعة داعش، وهي كلمة السر في فك شفرات الدول الإسلامية أمام أعدائها.

9- استثمار داعش وإدارة صناعة التوحش التي تكاد تتطابق مع فكرة الفوضى الخلاقة.

10- انصراف الأمة وقلبها النابض من العاملين في الحقل الإسلامي عن قضايا الأمة التاريخية مثل قضية فلسطين.

11- تراجع العمل الدعوي وتأخر العاملين في الدعوة عن القيام بدورهم الرائد في القيام بواجب الدعوة إلى الله؛ مما أدى إلى حدوث فراغ دعوي ظهرت بسببه الكثير من المنكرات كالتبرج والسفور وغيره.

12- ضعف الاقتصاد العام بل ربما وصل إلى حد الانهيار في بعض الدول؛ مما أدى إلى إضعافها سياسيا وعسكريا وعلى الأصعدة كافة.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك