رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر المحلي 15 يناير، 2019 0 تعليق

ندوة لجنة الكلمة الطيبة: ( كيف نحقق الأمن؟) الطرائق الشرعية لتحقيق الأمن (3)

استكمالا لما بدأناه في العددين الماضيين من عرض لما جاء في الندوة العلمية التي أقامتها لجنة الكلمة الطيبة بجمعية إحياء التراث الإسلامي التي كانت بعنوان: (كيف نحقق الأمن؟)، واستضافت فيها كلا من رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ د. محمد الحمود النجدي، ومدير مركز تعزيز الوسطية، بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية د. عبد الله الشريكة، وقد تعرضنا في المرة الماضية لكلمة الشيخ النجدي وها نحن أولاء نكمل مع كلمة د. عبد الله الشريكة.

     في البداية أكد د. الشريكة أن مثل هذه الندوة هي من الأدوار المنشودة من جمعيات النفع العام الكويتية ومؤسسات المجتمع المدني، المنشود والمرجو من هؤلاء وأن يكونوا لبنات بناء، وأن يكونوا منابر إصلاح، وأن يكونوا منابر تهدئة، وتعزيز الأمن في أوطانهم، كما فعل الإخوة الكرام جزاهم الله خير الجزاء.

ليس ترفًا فكريًا

     ثم أكد د. الشريكة أن هذا الموضوع ليس من قبيل الترف الفكري كما يقال، ولا من مُلَح العلم التي إن جهلها الإنسان لم يتضرر وإن علمها لم يكن في تعلمه لها كبيرة، بل نحن نتحدث عن ضرورة حياتية، لا يستغني عنها الإنسان، وعن واجب شرعي أوجبه الله -عز وجل- في كتابه الكريم وعلى لسان نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم مرارًا وتكرارًا.

الحياة الهانئة

     الأمن مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة الهانئة، وبتوفر الأرزاق، وعلى رأس هذه الأرزاق الطعام والشراب؛ ولهذا تجدون هذا الارتباط في كتاب الله -تعالى- وفي سنة النبي[ ظاهرًا لمن تأمله، وبالمقابل إذا سلب الأمن وحل الخوف جاء يتبعه حثيثًا الجوع كما لا يخفى، قال الله -تعالى- حكاية عن دعوة إبراهيم -عليه السلام- لبيت الله الحرام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}(البقرة:126)، وهنا يقولون: إن إبراهيم -عليه السلام- قدم الدعاء بالأمن على الدعاء بالثمرات والأرزاق.

الخوف والجوع

     وفي موضع آخر امتن الله على قريش، واستدل بهذه المنة على وجوب إفراده -تعالى- بالعبادة؛ فقال -عزَّ مِن قائل-: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}(قريش4:3)، انظر إلى الارتباط بين الأمن وبين الإطعام، انظر الارتباط بين الخوف والجوع، وهكذا في الآية نفسها التي تلاها الشيخ الجليل، محمد النجدي -حفظه الله -تعالى- ورعاه- قبل قليل: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ}(النحل:112)، انظر إلى الارتباط بين الرزق والأمن {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ}(النحل:112)، واحد: {الْجُوعِ}، اثنين {وَالْخَوْفِ}، إذا حل هذا حل ذاك، كما هو مشاهد، وفي السنة النبوية يقول صلى الله عليه وسلم كما في حديث سلمة الخطلي رضي الله عنه عند الترمذي، قال صلى الله عليه وسلم : «من أصبح منكم آمنًا في سربه» واحد، «معافى في بدنه» اثنان، ثلاثة «يملك قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».

ضرورة حياتية

     الأمن ضرورة حياتية لا يمكن أن يستغني عنها الإنسان حتى في عبادة الله -تعالى- لابد من الأمن؛ ولذلك في العبادات كلها إذا لم يستطع الإنسان أن يقوم بها بسبب خوفه على نفسه سقط كثير من واجباتها؛ ولهذا الخوف الذي هو نقيض الأمن أحد الأسباب السبعة للرخص الشرعية باتفاق الفقهاء -رحمهم الله رحمة واسعة.

     ففي الطهارة يقولون: لو أن الإنسان كان بينه وبين حصوله على الماء مخاوف من سباع، أو لصوص، أو من المجرمين، وغيرهم أجازوا له أن يتيمم في هذه الحالة، في الصلاة في حال الخوف إذا لم يستطع أن يؤدي الصلاة وأن يقيم الصلاة كما أمره الله -تعالى- سقط عنه كثير من أركان الصلاة وواجباتها، وهكذا في الحج، انظر الآن نتحدث عن أركان الإسلام، لو أن الإنسان لم يكن آمنًا في طريقه إلى الحج سقط عنه الحج، وسقط عنه وجوب الحج، بل حتى لو أنه أحرم بالحج ثم أحصر دون وصوله إلى الحرم بسبب خوفه على نفسه، أو عرضه، أو ماله سقط عنه إتمام أركان الحج وكان مُحصِرًا؛ فإن كان قد اشترط تحللا فلا شيء عليه، وإن لم يكن قد اشترط تحللا لزمه الدم كما هو معلوم.

الدعوة إلى الله

     الدعوة إلى الله تقوم على أمرين: إحقاق الحق، وإبطال الباطل، وتقوم على الدلالة إلى الخير، والتحذير من الشر، قال -تعالى-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}(النساء:36)، وتقوم على الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك، والدعوة إلى السنة والتحذير من البدعة، والدعوة إلى الطاعة والتحذير من المعصية، والدعوة إلى العدل والتحذير من الظلم، والدعوة إلى مكارم الأخلاق والتحذير من مساوئ الأخلاق.

     والله إني لأجزم أنه ما من شر في هذا الزمن إلا وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتف بالتحذير صلى الله عليه وسلم ، بل دل أمته على طريق الخلاص منه، والمتأمل في أحاديثه صلى الله عليه وسلم التي تتعلق بآخر الزمان، يجد ما ذكرته لكم واضحًا جليًا أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر الشرور والفتن دل على طريق الخلاص والنجاة منها؛ خذ -مثلًا-  في حديث العرباض بن سارية لما قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون؛ فقلنا يا رسول الله: كأنها موعظة مودع فأوصنا؛ فقال صلى الله عليه وسلم : «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي؛ فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ».

السمع والطاعة

     والله لو لم يكن من الإنسان في مثل هذا المجلس المبارك، إلا أن يخرج بسماعه وتأمله لهذا الحديث لكان كافيًا: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة»، والسمع والطاعة هي جزء من تقوى الله، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أفردها بالذكر في هذه الموعظة التي كأنها موعظة مودع، لأهمية هذا الباب العظيم من أبواب الدين السمع والطاعة «وإن تأمر عليكم عبد حبشي».

ولاية المتغلب

     انتبهوا «وإن تأمّر» هذه التي يتحدث عنها الفقهاء بقولهم: ولاية المتغلب، من استتبت له الأمور، قال: «تأمّر» يعني هو أمَّر نفسه، وقوله صلى الله عليه وسلم : «عبد حبشي» إشارة إلى أن هذا الإنسان رقيق مملوك، يعني هو في نفسه لا يملك ولاية على نفسه؛ فضلًا عن أن يكون وليًا على غيره، اختل عنده شرط عظيم من شروط الإمارة وهو الحرية، ومع ذلك لما استتبت له الأمور أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة له.

اختلاف كثير

     لو تأملنا هذا الحديث: «فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا»، اليوم الاختلاف ما هو على مستوى الفرق الإٍسلامية، اليوم الخلاف على مستوى أهل الحديث، أهل الاتباع كما هو ظاهر ومعلوم، وليس بدعًا من القول أن نصرح بذلك، اليوم الكثير يدعي أنه يسلك مسلك الصحابة، وينتهج نهج الصحابة، وهو في الحقيقة مناقض لنهجهم.

التنسك بعقيدة السلف

     ولهذا لما زكى الله -تعالى- عقيدة الصحابة وأثنى على عقيدتهم بيّن أن التنسك بهذه العقيدة سبب للاهتداء، وأن الإعراض عنها سبب لكثرة الخلاف، قال الله -تعالى- مخاطبًا الصحابة: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ}(البقرة:137)، انظر التزكية لمن؟ لعقيدة الصحابة، العقيدة السلفية {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} في نزاع، كل يوم تجد هذا النزاع حتى لو ادعى أصحاب هذا النزاع أنهم يسيرون على هدي الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم-.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك