رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر المحلي 23 يناير، 2019 0 تعليق

ندوة لجنة الكلمة الطيبة: ( كيف نحقق الأمن؟) الأمن مسؤولية الجميع


استكمالا لما بدأناه في العدد الماضي من عرض لكلمة مدير مركز تعزيز الوسطية، بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية د. عبد الله الشريكة، التي جاءت في الندوة العلمية التي أقامتها لجنة الكلمة الطيبة بجمعية إحياء التراث الإسلامي التي كانت بعنوان: (كيف نحقق الأمن؟)؛ حيث أكد د. الشريكة أن الأمن مسؤولية الجميع، مبينًا أن الأمن واجب شرعي والمحافظة على الكليات الخمس من واجبات الشريعة على كل فرض؛ فمعنى هذا أن أي أمر يخل بالأمن؛ فهو منكر ومن الواجب على كل مسلم شهد المنكر أو حضر المنكر أن ينكره إما بيده أو بلسانه أو بقلبه حسب المستطاع.

     وأضاف د. الشريكة قائلاً: إذا وجدت إنسانًا  يسعى لزعزة الأمن، سواء تعمد ذلك أم لم يتعمد فيجب أن تنكر ذلك عليه؛ لأن الكثير قد لا يكون متعمدًا، فنرى الكثير من شبابنا الذين تورطوا في المظاهرات والمسيرات ونيتهم طيبة، وما كانوا يبغون أي إخلال في النظام في الكويت، لكن فعلهم كان خطيرًا جدًا، وقد أدرك كثير منهم خطورة هذا الفعل فيما بعد؛ لأن الفتنة إذا أقبلت عرفها العالِم كما قال ابن مسعود، لكن إذا أدبرت عرفها العالِم والجاهل.

أحداث الدول المجاورة

الثورات كلها عند اشتعالها صفق لها الكثيرون، ورأوا أن هذا من الجهاد في سبيل الله، وأنه من الحرية وانتهى زمن العبودية، ولما سقط الضحايا ودُمرت هذه الأوطان وفقد من فقد، وجرح من جرح؛ أدرك الناس اليوم أن ما حصل كان فتنة.

     الشيخ الفوزان قال: هذه فتنة، كثير منا من كلمته فسخط، وكثير من طلبة العلم انزعجوا من هذه الكلمة لكن بعد زوال الضباب، وزوال الغمام الذي كان منتشرًا أدرك الناس أنها فتنة، وأن الناس كما قال ابن تيمية -رحمه الله- كانوا يقولون: ستون سنة تحت ظل سلطان جائر خير من ليلة بلا سلطان، تنتهك فيها الأعراض، ويقتل فيها من يقتل، وتزهق الأرواح، وتترمل النساء، وييتتم الأطفال، ويدب الرعب والخوف والهلع في قلوب الكثيرين، هكذا أدركنا.

خير أمرائكم

     يقول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح الإمام مسلم: «خير أمرائكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم، ويصلون عليكم»؛ يعني تدعون لهم ويدعون لكم، «وشر أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، -ويدعون عليكم- ومع ذلك قد يسعى أهل الفتن لزعزة الأمن.

التحذير من أهل البدع

     أول تحذير جاء عن السيدة عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- كما في الصحيحين: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}(آل عمران:7)، تقول: ثم قال صلى الله عليه وسلم : «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم»، انظر هذا التحذير النبوي من أصحاب الفتن؛ لأن أصحاب الفتن شرهم عظيم؛ ولذلك في الحديث الذي رواه ابن ماجة وذكر الشيخ قبل قليل: «أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون»، والأئمة في لسان الشرع تطلق -أحيانًا- على أئمة الدنيا وهم الحكام، وأحيانًا على أئمة الدين وهم العلماء، وعلماء الشريعة والسنة قسّمتهم إلى قسمين:

     علماء هداية، وعلماء ضلال، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف هؤلاء بأوصاف خطيرة: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا». كما يقول الشيخ ترى أتباعهم بالملايين، رءوس جهال، رءوس معروفون عند الناس في (تويتر)، وفي (السناب شات)، و(الانستجرام)، وفي القنوات الفضائية، ولا تجد منبرًا إعلاميًا إلا وهم الذين يتصدرون إلا من رحم الله، «فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا»، ضلوا هم في أنفسهم، وأضلوا غيرهم.

ولا تظن أن هذه الفتاوى في هذا النص النبوي مقتصرة على القضايا الفقهية من الذين يحللون الحرام، إما مجاملة للحكام أو للمحكومين، يا إخواني أخطر ما في الأمر أن تكون هذه الفتاوى بدماء الأمة وأمورها.

أحاديث السمع والطاعة

     أول ما حصلت الفتن الكثير قام ينازع في أحاديث السمع والطاعة، وإلى هذه الساعة، وحاول أن يحرف ما يتعلق بوجوب السمع والطاعة للحاكم وعدم الخروج عليه بالضوابط الشرعية، إن استطاع أن يرد الحديث من جهة إسناده رده، وأنا قرأت لأحدهم بحثًا في تضعيف بعض أحاديث كتاب الإمارة من صحيح الإمام مسلم التي لا توافق توجهه هداه الله، أو حاول أن يحرف معنى الحديث بصورة أو بأخرى.

     هذا وأمثاله الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيتم الذين يتبنون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم»، لما حصلت هذه الأوصاف النبوية وصلت إلينا لهؤلاء، رؤوس جهال في حديث حذيفة الآخر: «دعاة على أبواب جهنم؛ من أطاعهم قذفوه فيها»، أصبحت إسالة الدماء سهلة بحج واهية، وأصبحنا نرى من المتدينيين من يدخل إلى مسجد في يوم الجمعة، ولا يوجد فيه إلا المصلين المتوضئين الطاهرين ويفجر فيهم، ويقتل المئات والعشرات، ونبينا صلى الله عليه وسلم يخبرنا أن زوال الدنيا أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم واحد، وهذا يأتي ليقتل هؤلاء المصلين على الرغم من كثرة الأحاديث المحذرة من قتلهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من قتل رجلًا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة»؛ فكيف سوّغوا لهؤلاء أن يقتلوا الأبرياء، والله المستعان.

دور الكويت في تحقيق الأمن

     الأمن له أسباب، منها أسباب حسية، ومنها أسباب معنوية إن صح التعبير، والأسباب الحسية: أن تتخذ الدولة كل سبب يحفظ أرواح الناس، وممتلكاتهم ويؤمّن الناس في بيوتهم، وفي طرقاتهم، وفي مقرات أعمالهم، وعلى بقعة الأرض التابعة للدولة عموما من تجهيز الشرط، ورجال الداخلية، ورجال الحرس الوطني، والجيش، والإطفاء، والصحة وغيرها من الأمور.

أسباب معنوية

     وهناك أسباب معنوية ترجع إلى الأعمال، ومن أعظم هذه الأسباب العمل الصالح، وأعظم عمل صالح توحيد الله -عز وجل-، قال الله -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}(الأنعام:82)،والعلماء يقولون: إن الله -تعالى- في هذه الآية أطلق، ما قيد الأمن هذا في الدنيا أم في الآخرة؟ وإنما يشمل الأمن في الدنيا والأمن في الآخرة، وهذه الآية جاء عن ابن مسعود أنها لما نزلت شق الأمر على الصحابة؛ لأن الصحابة فهموا أن الظلم المقصود هو الذنوب والمعاصي، وهم يعلمون أنه لا يمكن لإنسان أن يسلم من الذنب: «كل بني آدم خطاء»؛ فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم : أينا لم يظلم نفسه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ليس الظلم الذي تريدون إنما هو الشرك، ألم تسمعوا لقول العبد الصالح لقمان: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}(لقمان:13)»

     وفي الآية الأخرى يقول الله -تعالى- هنا تنبيه لابن تيمية -تعالى- يقول: دائمًا تصحيح العقيدة وتصحيح العمل عما هما من أعظم أسباب السعادة والنجاة، دائمًا تصحيح الاعتقاد وتصحيح العمل إذا تحقق لك الإيمان والعمل الصالح؛ فلا شك أن هذا من أعظم أسباب السعادة، قال الله -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}(النور:55)، إقامة العدل من أعظم أسباب الأمن كما تقدم معنا: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ}(النحل:112)، العلماء يقولون: إن الكفر هنا لا يلزم أن يكون الكفر الأكبر؛ لأن الله نص على أنه كفر النعمة، {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ}، يعني حتى الكفر الأصغر لو انتشر؛ فهذا نذير شر.

جهود الكويت

     والكويت -حفظها الله- ووفق حكامها لكل خير، بذلت جهودًا في نصرة الدين رسمياً، فعندنا وزارة أوقاف بقطاعاتها وفروعها ومساجدها، وحلقات القرآن، ودور القرآن الكريم، ومراكز السراج المنير، والشاطبي، والأترجة،  والقارئ الصغير، وعندنا بيت الزكاة، وعندنا الأمانة العامة للأوقاف، وعندنا هيئة خاصة لطباعة القرآن والسنة، وعندنا كذلك إذاعة القرآن الكريم، وعندنا قناة فضائية رسمية دينية تابعة لوزارة الإعلام، وعندنا كلية شريعة، وعندنا معاهد دينية، ومن فضل الله -تعالى- على مستوى الذكور والإناث تنتشر في البلاد.

     عندنا كذلك ما يتعلق بالمناهج التعليمية المباركة الموجودة في مدارسنا في مادة التربية الإسلامية، وعندنا خير كثير لا يمكن أن نحصيه في هذا اللقاء، ولا ننكر أنه يوجد مظاهر كثيرة للشر والفساد والمعاصي والمنكرات، فمن ينكر هذا؟ لا أحد ينكر، ولكن كما قال صلى الله عليه وسلم : «إن الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث»، ما يجوز لك يا أخي العزيز أن تأتي لهذه الصفحة البيضاء وتجد فيها نقاطاً سوداء هنا وهنا، وتغفل عن كل هذا البياض وكل هذا الخير وتقول: هنا يوجد نقطة سوداء، وهنا نقطة سوداء، وهنا نقطة سوداء، نحن معك أن الفساد موجود، ومنه الإداري، ومنه الأثرة، لا أحد ينكر هذا، ولكن نريد منك أن توافقنا على إصلاح هذه الأخطاء وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي أخبرنا أن في آخر الزمان ستكون آخر هذه الأحداث، وأخبرنا إلى طريقة التعامل الشرعية معها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك