ندوة أقامها مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية – أوضاع الأقليات المسلمة
أقام مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية الأربعاء الماضي ندوة بعنوان (أوضاع الأقليات المسلمة)، استضاف فيها كلا من د. أحمد الكوس -الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية-، ود. يوسف الصقر -الأستاذ بكلية الشريعة جامعة الكويت ورئيس جمعية المقومات الأساسية لحقوق الإنسان-، كما شارك على الهاتف كل من صلاح عبد الشكور -رئيس وكالة أراكان-، وقاسم قاراقاش من تركستان الشرقية.
في البداية تحدث د. أحمد الكوس مشيرًا إلى أننا مأمورون بنصرة الإسلام والمسلمين، وبالدفاع عن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، لا سيما الأقليات المسلمة التي تتعرض للاضطهاد والمعاناة؛ حيث يتعرض العديد من هذه الأقليات لمشكلات ضخمة، ولاسيما التي توجد في مجتمعات غير مسلمة سواء كانت هذه الأقلية المسلمة من أهل البلاد الأصليين أم من الذين قدموا من بلاد إسلامية، وحصلوا على جنسية الدولة أو على إقامة قانونية فيها.
نصرة المسلمين
وأضاف د. الكوس أن الله -تعالى- أمرنا بنصرة إخواننا؛ فقال -سبحانه-: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَكْذِبُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ (رقم: 2564)، ومعنى (لا يخذله) أن يترك إعانته ونصره إذا استعان به في دفع ظالم أو نحوه، فإنه يلزمه إعانته ما أمكنه، كما أنه يتوجب عليه أن ينصر أخاه المسلم في أي مكان في مشارق الأرض ومغاربها.
الدعم الكافي
وأكد د. الكوس: أنه بالرغم من التعسف والتضييق والاضطهاد الذي تتعرض له الأقليات المسلمة، إلا أنها -ولله الحمد- لم تفقد الثقة في دينها وذاتها، بل ازدادت قدرتها على الدفاع عن كيانها وهويتها دون صدام مع الآخر؛ حيث أنشأ كثير من هذه الأقليات المساجد والمعاهد والمراكز والمدارس، وكل ما تحتاجه هذه الأقليات هو الاهتمام بقضيتهم ومساندتها ودعمها بكافة أشكال الدعم المالي، والإعلامي، والدعوي، وغير ذلك، قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}، أي أن الكفار ينصر بعضهم بعضا، وأنتم أيضا أيها المسلمون إن لم تتناصروا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، ولذلك نصرة المظلومين تكون بالقول والعمل وتتأكد نصرة هؤلاء المظلومين في كل بلاد العالم، سواء عربية أم غير عربية أم إسلامية أم غير إسلامية.
شُردوا وهُدمت بيوتهم
كذلك نسمع الآن أن هناك إبادة جماعية لبعض الأقليات المسلمة؛ حيث شُردوا وهُدمت بيوتهم وعُذبوا وقتلوا، لذلك لابد من نصرتهم ومواساتهم، ولعل أول خطوات النصرة أن نبرز قضيتهم ومعاناتهم إعلاميًا ليسمع العالم ومؤسساته الحقوقية والدولية أصواتهم وأصوات معاناتهم؛ فالإعلام له رسالة فاعلة في النصرة وفي تذكير المسلمين بالله -سبحانه وتعالى-، وفيه تقوية لإيمان إخواننا في مشارق الأرض ومغاربها، وتثبيت لهم.
واجب أهل العلم
وعن واجب أهل العلم تجاه ما يحدث قال د. الكوس: يقول الشيخ ابن باز -عليه رحمه الله-: وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حث على الدعوة، وتوضيح لما يجب أن يؤديه المسلم نحو دين الله بتوضيحه لسائر البشر؛ فهو أمانة ملقاة على عواتق أهل العلم ولا تبرأ ذممهم إلا بذلك نحو إخوانهم المسلمين بالتوضيح والنصح، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وشبك بين أصابعه رواه البخاري ومسلم، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» متفق عليه.
يحتاجون كل مساعدة
وعن حاجة هذه الأقليات وواجب الدول الإسلامية تجاههم قال د. الكوس: ثم يقول الشيخ ابن باز -عليه رحمة الله- عن المسلمين في المجتمعات التي غالبية سكانه من غير المسلمين (يعني الأقليات الاسلامية): وما يحصل عليهم من تسلط وتضييق في إقامة شعائر دينهم لإبعادهم عنه إما بالإكراه أو بطرائق أخرى، ولاشك أنهم على ثغر من ثغور الإسلام، يحتاجون في الحال هذه إلى كل مساعدة وعون حتى من الناحية السياسية، وعلى الحكومات الإسلامية التي لديها غيرة على الإسلام ولديها علاقات بهذه الدول إرسال مندوبين، أو بعث رسائل وغير ذلك من وسائل وأساليب قد تعين إخواننا من الأقليات، وترفع معنوياتهم، وتُشعر من يتسلط عليهم بأن لهم إخوانا في العقيدة يهتمون بأمرهم، ويتابعون أخبارهم، ويغارون عليهم.
قضية مهمة
وفي بداية كلمته التي ألقاها شكر د. يوسف الصقر مركز ابن خلدون على الاهتمام بهذه القضية مشيرًا إلى أنها قضية مهمة جدًا، وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لإخواننا وأن نبرز قضيتهم ونبين معاناتهم في كافة الفعاليات والمنتديات.
سنة ربانية
وعن الاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون في أماكن عدة أكد د. الصقر أن هذه سنة ربانية، لنا أن نعتبر بما حدث لنبينا صلى الله عليه وسلم والنبيين من قبله، فلنا فيهم أسوة حسنة، فرسولنا صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته لم يقابَل بالورود، بل أخرجه قومه وآذوه أشد الإيذاء، وهو ليس بأقلية بل من أشراف القوم، وعودي - صلى الله عليه وسلم - في بداية الدعوة من قبل أهله وأقاربه، وضُيق عليه، وأوذي صلى الله عليه وسلم، ووضع على ظهره سلا الجزور، وأوذيت بناته، وأوذي صلى الله عليه وسلم حتى في عرضه، فعن خبَّابِ بن الأرتِّ قال: «شكَوْنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسِّدٌ بردةً له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصرُ لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: «كان الرجلُ فيمن قبلكم يُحفَرُ له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار، فيُوضَع على رأسِه، فيُشقُّ باثنتين، وما يصدُّه ذلك عن دينِه، ويُمشَط بأمشاطِ الحديد ما دون لحمِه من عَظْم أو عصَب، وما يصدُّه ذلك عن دينِه، والله ليُتمنَّ هذا الأمرَ حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا اللهَ أو الذئبَ على غنمِه، ولكنكم تستعجلون»».
الدنيا دار اختبار
وأضاف د. الصقر أن الجنة وعدها الله المتقين، وأما الدنيا دار اختبار، يختبر فيها الغني والفقير، وكل إنسان له طريقة في الاختبار، وهذه مقدمة مهمة جدًا لبيان طبيعة ما يتعرض له إخواننا والحكمة منه، وحتى لا يلتبس علينا وعلى غيرنا الأمر، ويقال كيف أنتم من المسلمين ويحدث لكم هذا البلاء؟! من هذا المنطلق نقول: إن الأساس في قضية الإيمان أن الابتلاء من سنن الله -تعالى- في خلقه؛ فليس شرطًا أن يمكن أصحاب الحق، ويعيشون في رغد وطمأنينة، وإن كان هذا قد يحدث، لكنه ليس هو الأساس والمعيار؛ فهذه الدنيا ما هي إلا دار اختبار ودار ابتلاء، يُبتلى الغني بغناه، ويبتلى الفقير بفقره، ويبتلى المريض بمرضه، ويبتلى المسلمون بغيرهم.
أمور ثلاثة
وعن واقع الأقليات وما يتعرضون له، قال د. الصقر: الأقليات يحتاجون إلى أمور ثلاثة مهمة جدا: إعلامية، وقانونية، وحقوقية، والجانب الإعلامي تحدث عنه د. أحمد الكوس، أما المسألة الحقوقية فنعني بها آليات الحماية الداخلية والخارجية عن طريق الأمم المتحدة، وفي هذا الخصوص أصدرت الأمم المتحدة بعض الكتب فيما يتعلق بالأقليات منها كتاب يسمى: (حقوق الأقليات)، ولا يقصد فقط الأقليات المسلمة بل يقصد الأقليات الموجودة جميعها، وأيضا هناك إعلان عالمي للأقليات أنشئ في سنة 1992، وضع في المادة الأولى منه تعريف للأقليات، أنهم فئة تجمعهم بعض الروافد سواء عرقية أم لغوية، ووضعوا له بنودا خاصة جدًا، وكيف يتم التعامل معهم؟
نقطة جوهرية
وبين د. الصقر نقطة مهمة جدًا عن طبيعة ما يتعرض له المسلمون قائلاً: بعض المسلمين في الأقليات قد يكون مغلوبا عل أمره من الخارج، وبعضهم قد يكون مغلوبا على أمره من أنفسهم، وهذه نقطة تحتاج إلى انتباه؛ فبعض هذه الأقليات متفرقة ضعيفة فيما بينهم، وقد يكون بينهم صراع داخلي، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا من أخطر الأمور التي تؤدي إلى هلاك الأمة وهو الانقسام الداخلي بين أبنائها واختلافهم وعدم اتفاقهم، فعن ثوبان - رضي الله عنه -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها. وأُعطيت الكنزين الأحمر والأسود، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يُرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها (أو قال: من بين أقطارها)، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا».
لاتوجد تعليقات