نتائج الالتزام بمنهج السلف وثمراته (2)
ذكرنا فيما سبق أن المنهج السلفي هو الالتزام بالكتاب والسنة على فهم خير القرون ومن نتائج هذا المنهج وثمراته أن من التزم به ينجو من الضلالات والبدع ويفوز شرف الانتساب إلى الرعيل الأول الفضلاء، ويتأكد لديه أن العصمة لاتثبت إلا للشرع وبعدها نكمل فنقول:
حادي عشر - طريقة السلف: أسلم وأعلم وأحكم:
قال الشوكاني: «فهم – أي أهل الكلام – متفقون فيما بينهم على أن طريق السلف أسلم، ولكن زعموا أن طريق الخلف أعلم، فكان غاية ما ظفروا به من هذه الأعلمية لطريق الخلَف أن تمنى مُحققوهم وأذكياؤهم في آخر أمرهم دين العجائز وقالوا: هنيئاً للعامة، فتدبر هذه الأعلمية التي حاصلها أن يهنئ من ظفر بها للجاهل الجهل البسيط، ويتمنى أنه في عدادهم ويمشي على طريقهم» التحف في مذاهب السلف (ص :3, 4).
ثانية عشر - اجتماع محاسن الفِرق الأخرى لأهل السنة خالصة من كل كدر:
فالملتزم بفهم السلف يُجمع له ما عند الفِرق الأخرى من الحق مع نَبذِ أباطيلهم.
فأهل السنة يأخذون بالوجه الحق ويَدَعون الوجه الباطل، وسبب هذا التوفيق هو استدلالهم بجميع النصوص من غير تَوهُّم تعارض بينها.
أما أهل الفرق الأخرى فقد ضربوا النصوص بعضها ببعض، أو عارضوها بآرائهم وأقيستهم الفاسدة، فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، وأهل السنّة آمنوا بالكتاب كلّه وأقاموا علماً وعملاً.
ثالثة عشر - مخالفة مسالك الأمم الضالة:
فالذي يلتزم بمنهج السلف وفهمهم لا بد أنه سيُجانب مسالك الأمم الضالة من اليهود والنصارى وغيرهم، وقد أُمرنا بمخالفة طرائقهم وتجنّب سُننهم.
وكل من أوقف الإيمان بالنصوص على موافقة عقله أو قياسه أو ذوقه أو كشفه أو منامه أو حِسّه ففيه شَبَه من اليهود والنصارى؛ ولهذا لا تكاد تجد شبهة أو مقالة منحرفة في الفرق المخالفة لأهل السنة إلا وفي اليهود والنصارى نظيرها.
رابع عشر - ما تلزمه المخالفة من الكفر، وما يلتزمه المخالف من الدعوة إلى بِدعته:
مخالفة فهم السلف تؤدي بصاحبها إلى كثير من الكُفريات كنفي الصفات، والقول بخَلق القرآن، والتكذيب بالقدر، والحلول والاتحاد، وتفضيل الأولياء على الأنبياء، والطعن في الصحابة وحمَلة الدين.
قال ابن عقيل: «وقد أفضى الكلام بأهله إلى الشكوك، وكثير منهم إلى الإلحاد، تشم روائح الإلحاد من فلَتات كلام المتكلّمين» تلبيس إبليس (ص85).
كما أنه يغلب على المخالف لهذا المنهج أن يكون داعياً إلى بدعته؛ لأنه يَتديّن بذلك ويعتقده ديناً وشِرعة، وأن ما عليه غيره بدعة وضلالة.
خامس عشر - اليقين والثبات لأهل السُنة في مقابلة الاضطراب والتنقّل لأهل البدع:
فالالتزام بفهم السلف يُفيد الملتزم يقيناً وثباتاً، ومخالفتُه تفيده اضطراباً وتنقلا، قال ابن تيمية: «إنك تجد أهل الكلام أكثر الناس انتقالاً من قول إلى قول، وجزماً بالقول في موضع، وجزماً بنقيضه وتكفير قائله في موضع آخر، وهذا دليل على عدم اليقين». المجموع (4 /54).
سادس عشر - الشك والحيرة والضياع مصير المخالف:
قال ابن تيمية: «وقد بلغني بإسناد متّصل عن بعض رؤوسهم وهو الخونجي (صاحب كشف الأسرار في المنطق) وهو عند كثير منهم غاية في هذا الفن, أنه قال عند موته: أموت وما علمت شيئاً إلا أن الممكن يفتقر إلى الواجب، ثم قال: الافتقار وصف عدمي، أموت وما علمت شيئاً».
وقال أيضاً: «حدثني من قرأ على ابن واصل الحموي أنه قال: أبيت بالليل وأستلقي على ظهري وأضع المِلحَفة على وجهي، وأبيت أقابل أدلة هؤلاء بأدلة هؤلاء وبالعكس، وأُصبح ما ترجّح عندي شيء».
وقال ابن أبي الحديد المعتزلي المتشيّع:
فيـك يـا أغلوطة الفكرِ
حار أمري وانقضي عـمري
سـافرت فيك العقول فما
ربحـت إلا أذى السفـــر
فلحى الله الألى زعمـوا
أنـك المعـروف بالنظــر
كذبـوا إن الذي ذكـروا
خـارج عن قـوة البشــر
سابع عشر - قيام المدنية وازدهار الحضارات:
قال ابن تيمية: «فكل من استقرأ أحوال العالم وجد المسلمين أَحدَّ وأسدَّ عقلاً، وأنّهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال، وكذلك أهل السنة والحديث تجدهم بذلك متمتّعين». المجموع (4/10).
ثامن عشر - توحيد الصفوف وجمع الكلمة:
قال أبو القاسم الأصبهاني: «السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطرق النقل؛ فأورثهم الاتفاق والائتلاف، وأهل البدع أخذوا الدين من المعقولات والآراء فأورثهم الافتراق والاختلاف». مختصر الصواعق (2/426).
تاسع عشر - الالتزام بفهم السلف يُبعد الملتزم عن التعصّب والحزبية:
فالحزبية والتعصب جَرّت على الأمة آثاراً وخيمة:
1- منها الاستهانة بالعلماء الآخرين الذين يخالفونه في فهمه.
2- الاستهانة والتقليل من العلوم الأخرى التي يُتقِنها المخالف ويهتمّ بها.
3- فرض الوصاية على المدعوين في فهم النصوص عن طريق ذلك المتعصّب، وإغلاق الطريق على المُتربي ألا يسمع من الآخرين.
4- وقوع التراشق بالتهم الباطلة والتخرّصات وسوء الظن وغير ذلك.
عشرين - النجاة من عذاب يوم القيامة:
فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفِرَق التي تخالف الجماعة أنها في النار، وأصبحت بهذا مستوجبة لعذاب الله، ولا يُنجيها إلا الالتزام بفهم السلف قولاً وعملاً.
حادي وعشرين: من التزم بفهمهم سلم له صحة الاستدلال:
قال الشاطبي: «فلهذا كلّه يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأوَّلون وما كانوا عليه في العمل به؛ فهو أحرى بالصواب وأقوم في العلم والعمل».
الموافقات (3/77).
لاتوجد تعليقات