نبوة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ثابتة بالكتاب والسنة والأدلة النقلية والعقلية
قال الله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}، لازال الملحدون يُعملون منهجهم الهدام فيما يتعلق بالديانات، وفق أهوائهم، من دون اعتبار لأدني المعايير العلمية في الإثبات أو النفي، ومن ذلك تشنيعهم على وجود نبينا صلى الله عليه وسلم ، من الناحية التاريخية، متعللين في ذلك بعدم وجود آثار حجرية تثبت وجوده كالتي للفراعنة والرومان وغيرهم، ومن أبرز الذين أنكروا وجود النبي صلى الله عليه وسلم المستشرق (توم هولاند)، وتبعه على ذلك بعض الملحدين، ودحر هذه الشبهة من وجوه أربعة:
أولاً: شبهات المستشرقين
قولهم بعدم وجود دليل أثري للنبي [: يعد أحد أسخف الشبهات التي أثارها المستشرقون قديما، والمرتدون، والملحدون حديثاً.
وهي لا تنم إلا عن محدودية في الفهم والإدراك؛ لأن الدليل الأثري مهما بلغ فإنه لا يمثل الحقيقة ولا يدل عليها بيقين، بل لا يعدو أن يكون مجرد أثر لتاريخ قابل للتخمين والاحتمال، وأضرب لذلك المثال التالي:
- قبر النبي أيوب عليه السلام: في صلالة فوق قمة جبـل (أتين) العالي، ضريح مكتوب عليه ضريح النبي أيوب عليه السلام، وأيضاً في منطقة (درعا) السورية، ضريح مكتوب عليه العبارة نفسها (مقام النبي أيوب)، كما أن (السويداء) بها ضريح لهذا النبي، وأيضاً بالعراق، في إحدى ضواحي مدينة (الحلّة)؛ إذاً هذه القبور المتعددة لا تعد دليلاً على شيء، ولا تثبت وجود هذا النبي أو ذاك، ومن ثم فإن الآثار الحجرية، ليست هي وحدها ما يثبت وجود نبي من عدمه.
ومع ذلك فإن آثار مكة والمدينة لا تزال بها مقابر الصحابة -رضي الله عنهم-، وقبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم معروف تتعاقب على زيارته، وحراسته الأجيال، لكن الكفرة لا يعتدون بذلك حتى يُسمح لهم بانتهاك حرمة موتانا، وإخضاعهم للتشريح والبحث، حتى يخرجوا علينا في نهاية المطاف ليقولوا، لقد بحثنا تاريخ هذه الأجساد عن طريق الكربون المشع، وغيره، فوجدنا أنها من المحتمل أن تكون قد وجدت في الفترة من سنة كذا إلى سنة كذا!!. فهل هذا علم يَستقي منه عاقل دينه، أو يمثل له ركيزة في عقيدته، أو حتى علامة يستأنس بها في طريق وصوله إلى الحق؟ اللهم لا يقول بذلك إلا السفهاء.
ثانياً: إقرار المؤرخين
كبار المؤرخين يقرون بوجود النبي محمد [: فبالمعايير العلمية التي بها يُستدل على وجود شخصية تاريخية ما من عدمه، يتأكد وجود النبي محمدصلى الله عليه وسلم .
لذلك وجدنا مؤرخاً مرموقاً مثل وول ديورانت لا يشكك بأدنى شبهة على وجود رسولنا [ على نحو ما سبق بيانه في مقالة سابقة، ولم يكن هو الوحيد من بين المؤرخين الغربيين الذي يقرر ذلك، فقد سبقه إلى تقرير الحقائق التاريخية الثابتة عن الوجود التاريخي للنبي [ المستشرق المعروف (مونتجمري وات) الذي قال في كتابه: (محمد صلى الله عليه وسلم في مكة) ص93: «ولد محمد صلى الله عليه وسلم فى عام الفيل- عام حملة أبرهة غير الناجحة على مكة، وكان ذلك فى حوالى سنة 570م تقريبا، وكان ميلاده بعد وفاة أبيه، فكفله جده لأبيه عبد المطلب، وكان من عادة الطبقات العليا في مكة أن تدفع بأبنائها إلى حاضنات من القبائل البدوية حتى ينمو الطفل في جو الصحراء النقي فيغدو قوى البنية، وهذا ما حدث مع محمد [ طوال عامين أو أكثر، فقد رعته حليمة السعدية، وهي امرأة من بني سعد بن بكر من قبيلة هوازن». وقد سبق ذلك وأتبعه بعديد من الأخبار التي استقاها من مصادرها التي أكد -ص40- أنه تعامل حيالها بالمقاييس العلمية التاريخية الغربية.
ورغم أن كلام المؤرخين الغربيين والمستشرقين لا يعنينا كثيراً، ولا يثبت كما لا ينفي شيئاً، بالنسبة لنا، لكننا نورد ذلك من باب إقامة الحجة على الملحدين الذين لا يفتؤون يهرفون بالأباطيل المشككة في الدين الحق، ومن ذلك قولهم بعدم وجود أدلة أركيولوجية (أثرية) أو تاريخية تدل على وجوده [.
ثالثاً: القرآن الكريم
القرآن الكريم أقوى دليل: فهو شاهد على حقيقة وجود النبي [ وأنه لم يكن وهماً ولا خيالا كما يدعي الأفَّاكون.
فمحمدصلى الله عليه وسلم مذكور باسمه وصفته في القرآن في آيات عدة، قال الله -تعالى-: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (سورة آل عمران، آية144), وقال: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (سورة الأحزاب، آية40)، وقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} (سورة محمد صلى الله عليه وسلم، آية2)، وقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} (سورة الفتح، آية29). ففي هذه الآيات إثبات لوجود النبي [ باسمه وصفته، وكذلك صفة أصحابه -رضي الله عنهم-، وفيها كذلك تسجيل لأحداث مهمة في سيرته العطرة؛ ففي آية سورة آل عمران تسجيل لما حدث في غزوة أحد، وفي سورة الأحزاب تسجيل لقضية التبني وما كان في شأن زيد بن حارثة -رضي الله عنه-، وفي سورة محمد إثبات لأجر من يؤمن به ويجاهد معه من أصحابه ومن يأتي بعدهم، وفي سورة الفتح إثبات لوجوده صلى الله عليه وسلم باسمه وصفته وصفة أصحابه وإثبات لوجوده ووجودهم بالاسم والصفة في التوراة والإنجيل، فالله -عز وجل- لم يتكفل بحفظ القرآن الكريم وآياته فقط، بل تكفل بحفظ الدليل على وجود نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من خلال تلك الآيات وقد أفرد الله -تعالى- سورة كاملة من سور القرآن الكريم سميت باسمه، وهي (سورة محمد) رقم (47) من سور القرآن الكريم - حسب ترتيب المصحف – فهذا كله توثيق لوجود نبينا [، فضلاً عما فيه من تكريم له من ربه تعالى.
رابعاً: السنة النبوية
آلاف الأحاديث الصحيحة في السنة النبوية المطهرة أيضاً، وبما حوته من أخبار وتشريعات تناقلتها الأجيال، تعد كذلك دليلاً قوياً لا مثيل له في دين آخر من الأديان
رابعاً: السنة أيضاً دليل: فإذا كان القرآن الكريم، هو أوثق وثيقة دينية في تاريخ البشرية، بالمفهوم العلمي والمادي البحت، وقد وثق وجود النبي صلى الله عليه وسلم، بما سجل لنا من سيرته ووقائع حياته، ومسيرة دعوته، من مثل قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} (سورة الضحى، آية6)، وقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (سورة العلق، آية1)، وغير ذلك كثير من الآيات التي تناقلتها الأجيال، بالأسانيد المتصلة والمتواترة، التي لا يختلف على نصها، أحد من المسلمين في الشرق ولا في الغرب، لا في القديم ولا في الحديث؛ فإن آلاف الأحاديث الصحيحة في السنة النبوية المطهرة أيضاً، وبما حوته من أخبار وتشريعات تناقلتها الأجيال، تعد كذلك دليلاً قوياً لا مثيل له في دين آخر من الأديان؛ إذ ما من أحد نقل أصحابه عنه تفاصيل حياته اليومية نقلاً أميناً ودقيقاً بأسانيد متصلة خالية من العلل، على نحو ما تم به نقل حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فما الذي يريده الملحدون أكثر من ذلك؟، أما الحفريات، فإنها لا تزال عرضة للتخمينات والاحتمالات.
لاتوجد تعليقات