رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: علي المشّوح 28 ديسمبر، 2020 0 تعليق

مَنْ يُوقَ بِطَانَةَ السُّوءِ فقد وُقِيَ

 

     في الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: «خرجَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في ساعَةٍ لا يخرجُ فيها ولا يلقاهُ فيها أحدٌ، فأتاهُ أبو بكرٍ فقال: ما جاء بِكَ يا أبا بكرٍ؟ قال: خرجْتُ ألقى رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأنظرُ في وجهِهِ والتسليمَ عليهِ، فلمْ يلبثْ أنْ جاء عمرُ، فقال: ما جاء بِكَ يا عمرُ؟ قال: الجوعُ يا رسولَ اللهِ! قال: وأنا قد وجَدْتُ بعضَ ذلك، فانطلقوا إلى منزلِ أبي الهيثمِ بنِ التَّيْهانِ الأنصاريِّ، وكان رجلًا كثيرَ النخلِ والشَّاءِ ولمْ يكنْ لهُ خَدَمٌ فلمْ يجدوهُ، فَقَالوا لامرأتِهِ: أين صاحبُكِ؟ فقالتْ: انطلقَ يَسْتَعْذِبُ لَنا الماءَ، فلمْ يَلبَثوا أنْ جاء أبو الهيثمِ بِقِرْبَةٍ يَزْعَبُها (أي: يتدافع بها ويحملها لثقلها) فوضعَها، ثُمَّ جاء يلتزمُ النبيَّ ويُفَدِّيهِ بأبيهِ وأُمِّهِ، ثُمَّ انطلقَ بِهمْ إلى حديقتِهِ فبسطَ لهُمْ بِساطًا، ثُمَّ انطلقَ إلى نخلةٍ، فَجاء بِقِنْوٍ فوضعَهُ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: فلا تَنَقَّيْتَ لَنا من رُطَبِهِ؟ فقال: يا رسولَ اللهِ إنِّي أردْتُ أنْ تَختاروا أوْ تَخَيَّرُوا من رُطَبِهِ وبُسْرِهِ فأكلوا وشَرِبُوا من ذلكَ الماءِ، فقال: هذا والذي نَفسي بيدِهِ مِنَ النعيمِ الذي تسألونَ عنهُ يومَ القيامةِ، ظِلٌّ بارِدٌ، ورُطَبٌ طَيِّبٌ، وماءٌ بارِدٌ، فانطلقَ أبو الهيثمِ ليصنعَ لهُمْ طعامًا، فقال النبيُّ: لا تَذْبَحَنَّ ذاتَ دَرٍّ، فذبحَ لهُمْ عَناقًا أوْ جَدْيًا، فأتاهُمْ بِها، فأكلوا، فقال: هل لكَ خادمٌ؟ قال: لا. قال: فإذا أَتَانا سَبْيٌ فَأْتِنا، فَأُتِيَ بِرَأْسَيْنِ ليس مَعهُما ثالثٌ، فأتاهُ أبو الهيثمِ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: اخترْ مِنْهُما، فقال: يا رسولَ اللهِ! اخترْ لي، فقال النبيُّ: إِنَّ المستشارَ مؤتمنٌ، خُذْ هذا، فإني رأيْتُهُ يصلِّي، واستوصِ بهِ معروفًا، فانطلقَ أبو الهيثمِ إلى امرأتِهِ، فأخبرَها بقولِ رسولِ - صلى الله عليه وسلم -، فقالتِ امرأتُهُ: مَما أنتَ بِبالِغٍ حقَّ ما، قال فيهِ النبيُّ  - صلى الله عليه وسلم - إلَّا بِأنْ تَعْتِقَهُ، قال: فهوَ عَتِيقٌ، فقال: إِنَّ اللهَ لمْ يَبْعَثْ نبيًّا ولا خَلِيفَةً إلَّا ولهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بالمعروفِ وتَنْهاهُ عَنِ المنكرِ، وبِطَانَةٌ لا تَأْلوهُ خَبالا، ومَنْ يُوقَ بِطَانَةَ السُّوءِ فقد وُقِيَ» (صححه الألباني).

من فوائد الحديث

     هذا الحديث فيه فوائد كثيرة نستفيد منها في حياتنا اليومية أمورًا منها: أن المحفوظ من حفظه الله، والتوفيق من الله، والصحبة الطيبة رزق من الله، وبطانتك الصالحة التي تكون معك وتشتكي لهم أحوالك، وتأخذ منهم الاستشارات، هذه البطانة رزق من الله، أما بطانة السوء والصحبة السيئة لا يدلونك إلا على الشر، فما بالك لو كانت هذه البطانة للحاكم، أو القائد، أو الرئيس، ماذا تفعل به هذه البطانة؟ فلا شك أنها ستفسد البلاد والعباد.

الوصية بأهل الصلاح

     ففي هذا الحديث الحث على أهل الصلاح وأهل الصلاة، لأن هؤلاء يخافون الله -عز وجل-، فاستعصم بهم واستمسك بهم، كذلك الخادم كان عضوا رئيسا في المجتمع ذاك، والآن أصبحنا -والحمد لله- في ترف نستغني عن الخادم، لكن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مهما في البيت، فالحمل ثقيل على المرأة، وكان الرجل يذهب للجهاد والسفر والتجارة دائما، كذلك كان العبيد من المسلمين، فقد يكون مسلمًا فيقوم سيده بعتقه ويتقرب به إلى الله، كذلك المرأة التي تستغني عن الخادم ماذا تفعل ولا تملك أن تأتي بخادم؟ علمها النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتت فاطمة بنت رسول الله إليه تشتكي من الخدمة، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أدلك على خير من خادم؟ إذا أويتما أنت وزوجك إلى فراشكما، فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا ثلاثا وثلاثين، ذلك خير لكم من خادم» (رواه مسلم).

معناه: أن القوة من الله، والبركة في البيت من الله، والعون من الله -عز وجل.

المستشار مؤتمن

     ثم بعد ذلك المستشار مؤتمن، فلابد للإنسان أن يكون ناصحا أمينا، كذلك المستشار في الزواج لابد أن يقول الحقيقة لمن يريد أن يتزوج منها، وكذلك في التجارة، وأي شيء في الحياة يجب أن يكون العبد أمينا يؤدي النصيحة الصادقة ولا يكتم في هذا الباب سراً؛ حتى لا يقع فيما بعد ذلك مكروها، كذلك علينا أن نعلم أن الفرق بين الناس يقوم على التقوى، قال -تعالى-: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك