رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 9 أبريل، 2013 0 تعليق

ميانمار مأساة تتجدد.. والمسلمون لا بواكي لهم

 

تظل مشكلة مسلمي ميانمار قائمة حتى إشعار آخر، يعيشون حياة من القهر والظلم، وينتظرون الموت الذي يحل بساحتهم بين لحظة وأخرى

في عام 1978م طرد الجيش البورمي أكثر من نصف مليون مسلم  حيث توفي أثناء التهجير ما يقرب من أربعين ألفا من النساء والأطفال والشيوخ

أصدرت السلطات قرارًا بحظر تأسيس مساجد جديدة، وعدم إصلاح وترميم المساجد القديمة، وتدمير المساجد التي تم بناؤها أو إصلاحها

تجددت أعمال العنف الطائفي ضد المسلمين في ميانمار (بورما سابقًا) واتسع نطاق تلك الأعمال الطائفية في الأسابيع الماضية ليصل إلى مشارف مدينة رانغون، وأشارت التقارير إلى ارتفاع حصيلة المواجهات إلى أكثر من 40 قتيلا، وقال مسؤول في الشرطة البورمية: إن المواجهات بدأت في منطقة باغو شمال رانغون على بعد مئات الكيلومترات من ميكتيلا. وقد تطورت أعمال العنف إلى إحراق أحياء بكاملها ومساجد في هذه المدينة، وعلى مدى ثلاثة أيام قامت مجموعات بأعمال شغب في المدينة وتوسع نطاقها لتصل الى مدن أخرى في المنطقة في نهاية الأسبوع.

     وقال شهود عيان: إن «حوالي 200 قروي بوذي أتوا إلى المدينة ودمروا المسجد وعدة منازل»، كما سجلت عدة حوادث من هذا النوع أدت إلى تدمير عدد من المساجد في بلدات أخرى من المنطقة الواقعة على مسافة حوالي 150 كيلومترا من رانغون.

الأزهر يستنكر حملات الإبادة الجماعية

     وفي هذا السياق طالب الأزهر دول العالم والأمم المتحدة بالعمل على رفع الظلم عن المسلمين في ميانمار، مستنكرًا ما يتعرضون له من «حملات إبادة جماعية»، وجاء في بيان صادر عن الأزهر بسبب تجدد هذه الأحداث: إنه «يتابع بقلق بالغ ما يحدث للمواطنين المسلمين في ميانمار (بورما سابقًا) من أعمال وحشية تقوم بها جماعة الماغ البوذيّة المتطرفة بدعم من النظام، والتي نجم عنها تشريد ملايين المسلمين في طول البلاد وعرضها وتدمير منازلهم وحرق مساجدهم ومزارعهم وممتلكاتهم وطردهم من قراهم».

     وأكد الأزهر أن تلك الأعمال تأتي في إطار «عمليات التطهير العرقي والمذابح الجماعية التي تحدث بشكل ممنهج ومرتب وبتخطيط مسبق من آن لآخر تحت سمع وبصر الجهات المسؤولة».

     وطلب الأزهر من «دول العالم المتحضر وكل القوى المحبة للسلام والهيئات والمؤسسات الخيرية والإغاثية وهيئة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان في العالم أن تعمل على رفع الظلم الواقع على أهل ميانمار بورما سابقًا».

     وكان أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي قد دعا في كلمته أمام القمة العربية بالدوحة، قادة الدول العربية إلى «نصرة» أقلية الروهنجيا المسلمة في ميانمار، واصفا إياها بأنها «أكثر الشعوب اضطهادا».

علماء المسلمين يطالبون الزعماء العرب بنصرة مسلمي ميانمار

     كما دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في رسالة وجهها إلى القمة العربية التي عقدت في الدوحة، القادة والزعماء العرب للوقوف مع المسلمين في مينامار، مبينًا لهم المعاناة التي يعانونها والمعاملة القاسية التي يتعرضون لها والتي تهدد وجودهم وكيانهم.

استهداف وحشي

     واعتبر الممثل الخاص للأمم المتحدة في ميانمار فيجاي نامبيار إثر زيارة لها أن المنازل والمباني الدينية الخاصة بالمسلمين في ميكتيلا استهدفت بشكل «وحشي، وقال: إن «معظم الذين تحدثت إليهم أوحوا بأن الهجمات ارتكبها أشخاص لا يعرفونهم حقا وقد يكونون قد قدموا من مناطق أخرى».

كما عبّرت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء «الاعتقالات العشوائية والتعذيب الذي يمارسه الجيش البورمي ضد أشخاص متهمين بأنهم من متمردي أقلية اثنية كاشين». 

المسلمون في ميانمار.. تاريخ من الاضطهاد

     تظل مشكلة مسلمي ميانمار قائمة حتى إشعار آخر، يعيشون حياة من القهر والظلم، وينتظرون الموت الذي يحل بساحتهم بين لحظة وأخرى، إنها مأساة أشار إليها الغربيون، حين رأوا النظام العسكري اليساري يتعامل بهمجية، وإن شمل العسف والاضطهاد البوذيين.

     «Burma» التي صارت تُعرف اليوم بـ«ميانمار Myanmar»، يوجد بها حوالي عشرة ملايين مسلم كثير من حقوقهم ضائعة، ولا يوجد بشر على وجه هذه الأرض، سُحِقَ كما سُحِقَ المسلمون في ميانمار، ولا دين أهين كما أهين الإسلام في ميانمار؛ عشرة ملايين من المسلمين في ميانمار من إجمالي خمسين مليونا تعداد سكان ميانمار، يعيشون جحيما حقيقيا.

     وتتعامل الطغمة العسكرية الحاكمة معهم وكأنهم وباء لا بد من استئصاله من كل ميانمار، فما من قرية يتم القضاء على المسلمين فيها حتى يسارع النظام العسكري الحاكم بوضع لوحات على بوابات هذه القرى، تشير إلى أن هذه القرية خالية من المسلمين.

     قرى بأكملها أحرقت أو دمرت فوق رؤوس أهلها، لاحقوا حتى الذين تمكنوا من الهرب في الغابات أو إلى الشواطئ للهروب عبر البحر، وقتلوا العديد منهم، وكانوا يدفنون الضحايا في طين البحر وأدا للفضيحة، ومن استعصى عليهم قتله ولم يتمكن من الهرب ورأوا أن لهم حاجة به، فقد أقيمت لهم تجمعات، كي يقتلونهم فيها ببطء وبكل سادية، تجمعات لا يعرف ما الذي يجري فيها تماما، فلا الهيئات الدولية ولا الجمعيات الخيرية ولا وسائل الإعلام يسمح لها بالاقتراب من هذه التجمعات، وما عرف حتى الآن أنهم مستعبدون بالكامل لدى الجيش البورمي، كبارا وصغارا، حيث يجبرون على الأعمال الشاقة دون مقابل.

     أما المسلمات فهن مشاع للجيش البورمي؛ حيث يتعرضن للاغتصاب في أبشع صوره، امرأة مسلمة ظل الجيش يغتصبها لمدة سبع سنوات وأنجبت ستة أطفال لا تعرف أبا لهم، بعد أن قتل الجيش زوجها؛ لأن شوال أرز سقط من على ظهره، وامرأة مسلمة حامل ذهبت لمركز للطعام تابع للأمم المتحدة، فعاقبها الجيش باغتصابها حتى أسقطت حملها في مكان الجريمة.. وأكثر من مليار مسلم يتفرجون!

قوانين جائرة على المسلمين

     وهذه بعض من القوانين التي يطبقها عليهم العسكر: لا زواج للمسلم قبل الثلاثين وللمسلمة قبل الخامسة والعشرين، وأحيانا يمنع تزاوج المسلمين كليا لفترة من الوقت، وحين تكتمل الشروط تبدأ عذابات الحصول على الإذن بالموافقة، والذي لا يعطى دون رسوم باهضة ورشاوى لضباط الجيش، وإذا حملت المرأة المسلمة فعليها أن تذهب لمركز الجيش التابع لمنطقتها لتكشف عن بطنها بحجة تصوير الجنين بالأشعة، ويتصرفون بهذا الأسلوب حتى لا تفكر الأسر المسلمة في الحمل والإنجاب؛ لأنهم يعلمون حساسية المسلمين بالنسبة لقضية كشف العورة، وليس هذا فحسب بل جاءوا بمرضى الإيدز لاغتصاب المسلمات لنشر هذا المرض بين المسلمين، أما من نال قسطا من التعليم أو حباه الله بموهبة ما، أو صاحب رياضة معينة، فالويل له إن لم يستفد منه الجيش، فحينها يكون عقابه السجن حتى الموت.

عزة مسلمي ميانمار

     لقد سجل التاريخ لمسلمي ميانمار: أن الموت عندهم أسهل بكثير من أن يرضوا بأي دنية في دينهم، فلم يسجل أن أحدا ارتد عن دينه، بل كانوا عندما يخيرون بين القتل أو أكل لحم الخنزير يختارون الموت على ذلك حين حاول البوذيون والنظام العسكري الحاكم حملهم على الارتداد عن دينهم؛ تطبيقا للشعار الذي اتخذوه: لا بيت فيه مسلم في هذا الوطن؛ لذا اتخذوا معهم هذه الطريقة ألا وهي إبادتهم بأقذر الأساليب التي عرفها البشر.. عندما استطاعت امرأة مسلمة النفاذ إلى تايلاند بعد أن احترق فيها ولها كل شيء لم تجد ما تقوله لمنظمة العفو الدولية سوى الطلب منها استنهاض الدول الإسلامية.

     وامرأة أخرى نجت من الموت مع أطفالها بأعجوبة عندما أحرق الجيش البورمي قريتها، واستطاعت الوصول إلى بنغلاديش، لم تشغلها الأحداث الجسام التي واجهتها عن تعليم أحد أطفالها، مما حير صحفيا أجنبيا فسألها: من أجل ماذا تعلمينه؟ فقالت: أريد أن يكون عالما يخدم الإسلام!

مذابح لا حصر لها

     من الصعب تحديد المذابح التي تعرض لها المسلمون في ميانمار أو ذكرها جميعها، ولكن ما يمكن قوله إنه في كل هذا الجحيم الذي تعرضوا له، لم يلتفت إليهم أحد من المسلمين، في عام 1938م قام البوذيون وبدعم من الإنجليز، حين كانت ميانمار مستعمرة بريطانية، بارتكاب مذبحة قتل فيها ما يقرب من ثلاثين ألفا من المسلمين،وأحرق مائة وثلاثة عشر مسجدًا.

     وفي عام 1942م ارتكب البوذيون مذبحة أخرى في «أراكان « والتي كانت في يوم ما دولة إسلامية، ذهب ضحيتها ما يقرب من مائة ألف مسلم، وهي المذبحة التي دمروا فيها جنوب أراكان بالكامل.

     وعندما استولى الجيش عام 1962م على الحكم في ميانمار، ارتكبوا العديد من المذابح والطرد بحق المسلمين، وبأبشع من سابقيهم وبأكثر سرية، وهي التي حين كانت تكشف لوسائل الإعلام، ترد بطريقة ذكية، كالقول: إنها جرت ضد أقليات عرقية ودون أي ذكر لاسم المسلمين.

     وفي عام 1978م طرد الجيش البورمي أكثر من نصف مليون مسلم في ظروف سيئة جدا، حيث توفي أثناء التهجير ما يقرب من أربعين ألفا من النساء والأطفال والشيوخ حسب إحصائية لوكالة غوث اللاجئين، وعندما فازت المعارضة في الانتخابات الوحيدة في ميانمار عام 1991م، والتي ألغيت نتائجها، دفع المسلمون الثمن لأنهم صوتوا لصالح المعارضة، فطرد منهم ما يقرب من نصف مليون مسلم أيضا.

     وأيضًا أصدرت السلطات قرارًا بحظر تأسيس مساجد جديدة، وعدم إصلاح وترميم المساجد القديمة، وتدمير المساجد التي تم بناؤها أو إصلاحها خلال عشر سنوات منصرمة في الإقليم!! وبموجب هذا القرار فإن السلطة هدمت إلى الآن أكثر من 72 مسجدًا، و4 مراكز دينية، واعتقلت 210 من علماء الدين وطلبة العلم خلال الأشهر الماضية وقتلت 220 مسلمًا.

     وأكد إمام أحد مساجد العاصمة يانجون أن المسلمين لا يستطيعون الجهر بشعائر دينهم في ميانمار، وتمنعهم الحكومة من استخدام مكبرات الصوت الخارجية لرفع الأذان، كما تمنعهم من بناء مدارس خاصة بهم، وتضيِّق عليهم في تولي الوظائف وخاصة الحكومية.

     يقول زعماء الجالية المسلمة في العاصمة يانجون (رانجون): إن الإسلام دخل ميانمار منذ القرن الأول الهجري على أيدي التجار العرب، في حين تقول السلطات إنه دخل مع الاحتلال البريطاني للبلاد عام 1824م، ومن هذا المنطلق يتمُّ حرمان كل مسلم لا يستطيع إثبات جذوره في البلاد قبل هذا العام من الجنسية!

     وكانت أوضاع المسلمين في البلاد قد تدهورت منذ الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال ني وين عام 1962م؛ حيث اتجهت الدولة منذ ذلك الحين إلى طرد المسلمين من الوظائف الحكومية والجيش، وتتحدث منظمة «هيومان رايتس ووتش» لحقوق الإنسان عن الانتهاكات التي يتعرض لها مسلمو الروهينجيا بولاية أراكان؛ حيث يتعرضون للسخرة، وتقييد حرية الحركة، وتُفرض عليهم الأحكام العرفية، وتُدمر منازلهم، فضلاً عن تقييد حرية العبادة، وقد قامت السلطات في ميانمار خلال السبعينيات والثمانينيات بطرد مئات الآلاف من مسلمي الروهينجيا إلى بنجلاديش المجاورة!

نداء واستغاثة

     وأخيرًا فإن قضيّة مسلمي ميانمار تُشكّل محنة كبيرة، وهي كارثة إنسانية بكاملها، وجريمة عظيمة في حقّ المجتمع الدولي وضدّ القانون الدولي، وإنّ إبادة جنس بشري أو فئة معيّنة داخل ميانمار لا يُعتبر شأناً داخليّاً يخصّ ميانمار وحدها ؛ بل هي تستدعي اهتمام وعناية الجميع في العالم، لأنّها يتعلّق بحقوق الإنسان التي لحمايتها أعلنت هيئة الأمم المتحدة وثيقة دولية قبل نصف قرن من الزمان.

     فهؤلاء المستضعفون في ميانمار من الرجال والنساء والولدان يَصْرخون ويستنصرون بالأمّة الإسلامية حكومات وشعوباً، الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلّم: «مثل المسلمين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى»، ويُناشدون المسلمين في العالم أن يقفوا بجانب مسلمي ميانمار، وأن يقوموا بأخذ الإجراءات الّلازمة لوقف العمليّات العُدوانية التي تمارسها حكومة ميانمار ضدّ المسلمين هناك، وأنْ يُمارسوا كافّة الأساليب السياسية والدبلوماسية والاقتصادية لحماية مسلمي ميانمار من بطش السلطة العسكرية البوذية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك