رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أحمد بن عبدالعزيز الحصين 9 سبتمبر، 2013 0 تعليق

موقف خلفاء المسلمين من اليهود والنصارى(2)منع تولي أمور المسلمين- أحداً من أهل الذمة

 

استكمالا لما بدأناه في الحديث عن موقف خلفاء المسلمين من اليهود والنصارى، نستعرض فيما يلي بعض من تلك المواقف ونبدأها بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

1- موقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الذي تولى الخلافة 13-23هـ/ 634-644م:

عن عياض الأشعري عن أبي موسى رضي الله عنه ، قلت لعمر رضي الله عنه : إن لي كاتبا نصرانيا.

     قال: مالك قاتلك الله، أما سمعت الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة:51)، ألا اتخذت حنيفا؟

قال: قلت يا أمير المؤمنين: لي كتابته وله دينه.

قال: «لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله». (1)

وعن أبي موسى، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأبي موسى: ادع لي كاتبك ليقرأ لنا صحفا جاءت من الشام.

فقال أبو موسى: إنه لا يدخل المسجد.

قال عمر: أبه جنابة؟

قال: لا، ولكنه نصراني.

قال: فرفع يده فضرب فخذه حتى كاد يكسرها، ثم قال: ما لك! قاتلك الله!(2)

     وكتب عمر رضي الله عنه إلى عماله: «أما بعد: فإنه من كان قبله كاتب من المشركين، فلا يُعاشره ولا يوادده، ولا يجالسه، ولا يعتضد برأيه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر باستعمالهم، ولا خليفته من بعده».

     وهذا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يكاتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول: «يا أمير المؤمنين فإن في عملي كاتبا نصرانيا، لا يتم أمر الخراج إلا به، فكرهت أن أقلده دون أمرك».

فكتب عمر إليه: «عافانا الله وإياك، قرأت كتابك في أمر النصراني، أما بعد: فإن النصراني قد مات، والسلام».

     وكان لعمر رضي الله عنه عبد نصراني، فقال له: «أتسلم حتى نستعين بك على بعض أمور المسلمين، فإنه لا ينبغي لنا أن نستعين على أمورهم بمن ليس منهم» فأبى، فاعتقه، وقال: «اذهب حيث شئت».

     وكتب رضي الله عنه إلى أبي هريرة رضي الله عنه: «أما بعد، فللناس (3) نفرة على سلطانهم، فأعوذ بالله أن تدركني وإياك، أقم الحدود ولو ساعة من النهار، فإذا حضرك أمران، أحدهما لله، والآخر للدنيا: فأثر الله على نصيبك في الدنيا» (4)، فإن الدنيا تفقد والأخرى تبقى. عد مرضى المسلمين، واشهد جنائزهم، وافتح بابك، وباشرهم، وأبعد أهل الشرك. (5)

2- موقف عمر بن عبدالعزيز (تولى الخلافة 99- 101هـ/ 717-720م):

     فإنه كتب إلى جميع عماله في الآفاق: «أما بعد: فإن عمر بن عبدالعزيز يقرأ عليكم من كتاب الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (التوبة:28).

     جعلهم نجس - حزب الشيطان. وجعلهم الأخسرين وكتب إلى حيّان - عامله في مصر- باعتماده على ذلك. فكتب إليه: «أما بعد: يا أمير المؤمنين! فإنه إن دام الأمر في مصر: أسلمت الذّمة، وبطل ما يؤخذ منهم».

     فأرسل إليه رسولا، وقال: «اضرب حيّان على رأسه ثلاثين سوطا- أدبا على قوله- وقل له: من دخل في دين الإسلام، فضع عنه الجزية. فوددت لو أسلموا كلهم. فإن الله - سبحانه- بعث محمد صلى الله عليه وسلم داعيا، لا جابيا».

     وأمر أن تُهدم بيع النصار المستجدّة، فيقال أنهم توصلوا إلى بعض ملوك الروم، وسألوه في مكاتبة عمر بن عبدالعزيز ، فكتب إليه: «أما بعد: فإن هؤلاء الشُّعث سألوا في مكاتبتك، لتجري أمورهم على ما وجدتها عليه، وتُبقي كنائسهم، وتمكّنهم من عمارة ما خرب منها. فإنهم زعموا أن من تقدّمك فعل في أمر كنائسهم ما منعتهم منه، فإن كانوا مصيبين في اجتهادهم، فاسلك سننهم. وإن يكونوا مخالفين، فافعل ما أردت».

     فكتب إليه عمر -رحمة الله عليه: «أما بعد: فإن مثلي ومثل من تقدمني كما قال الله -تعالى- في قصة داود وسليمان: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ﴿78﴾فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴿79﴾} (الأنبياء:78-79).

     كتب إلى بعض عماله: «أما بعد: فقد بلغني: في عملك كاتبا نصرانيا، يتصرف في مصالح المسلمين، والله - تعالى- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِيْنَ اتَّخَذُوْا دِيْنَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِيْنَ أُوْتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ} (المائدة:57).

     فإذا أتاك كتابي هذا، فادع حسان بن زيد -يعني ذلك الكتاب- إلى الإسلام، فإن أسلم، فهو منا ونحن منه، وإن أبى، لا نستعين به، ولا تتخذ أحدا على غير دين الإسلام في شيء من مصالح المسلمين.

كتاب عمر بن عبدالعزيز إلى عماله: (6)

     أما بعد: فإن الله -عز وجل- أكرم بالإسلام أهله، وشرّفهم وأعزهم وضرب الذلة والصغار على من خالفهم، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس، فلا تولين أمور المسلمين أحد من أهل ذمتهم وخراجهم، فتتبسط عليهم أيديهم وألسنتهم، فتذلهم بعد أن أعزّهم الله، وتهينهم بعد أن أكرمهم الله -تعالى- وتعرضهم لكيدهم والاستطالة عليهم، ومع هذا فلا يؤمن غشهم إياهم فإن الله -تعالى- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (آل عمران:118)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة:51)».

الهوامش:

1- مسند أحمد

2- انظر المسند، عيون الأخبار، 1/43، والبيهقي في السنن الكبرى 9/204، 10/127، وصححه الألباني حفظه الله.

3- أحكام أهل الذمة.

4- نفس المصدر.

5- نفس المصدر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك