رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ناصر الخالدي 5 نوفمبر، 2012 0 تعليق

موقف جمعية «إحياء التراث الإسلامي» وإصداراتها حول: التعامل مع الحاكم والمظاهرات والاعتصامات وأعمال الشغب

جمعية إحياء التراث الإسلامي لها موقف واضح من هذا الأمر أثبتته في منهجها للدعوة والتوجيه الذي أصدرته في بداية التسعينيات (1990م)

لا يجوز الخروج على الإمام الذي ما زال يُصَلِّي إلا أن يَكفُرَ كفرًا بَوَاحًا، ونرى أن نصيحة الحاكم المسلم تكون سِرًّا من غير تشهير ولا تعيير

أخذت جمعية إحياء التراث الإسلامي على عاتقها منذ إنشائها عام 1981 القيام بأمر الدعوة إلى الله تعالى على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومنهج السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم وتابعيهم بإحسان، وكان من الأهداف الرئيسة للجمعية العمل على تعاون المسلمين على البر والتقوى، وتلاقيهم على الخير، واعتصامهم بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونشر الخير والفضيلة، والعدل والإحسان؛ عملاً بقول الله تعالى: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}، كذلك كان من الأهداف الرئيسة للجمعية تحذير المسلمين من البدع ومحدثات الأمور على اختلاف أنواعها، والتمسك بالإسلام النقي والدين الخالص.

 

     ولا شك أن من تلك البدع المحدثة قضية الخروج على الحاكم والإنكار عليه باليد، ولما كانت هذه المسألة محسومة في الشريعة وخصوصًا عند أهل السُنَّة والجماعة، بل إن السلف قد استفاضوا في شرح وجوب طاعة ولي الأمر في المعروف وعدم الخروج عليه، كان لا بد لجمعية إحياء التراث أن تبين منهجها وموقفها من هذه القضية، ولاسيما في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها الكويت، والتي اختلط فيها كثير من الأوراق، والتبس فيها الحق على كثير من الناس، وهذا المنهج هو ما تبنته الجمعية عبر تاريخها الطويل في مجال الدعوة إلى الله عز وجل؛

منهج الجمعية للدعوة والتوجيه

     جمعية إحياء التراث الإسلامي لها موقف واضح من هذا الأمر أثبتته في منهجها للدعوة والتوجيه الذي أصدرته في بداية التسعينيات (1990م) وقررت فيه موقفها من العديد من القضايا المهمة؛ حيث جاء في كتابها: (منهج الجمعية للدعوة والتوجيه)، وتحت عنوان: «منهج السلف في تقويم أخطاء الحكام»: من أوائل الأمور التي وقع الخلاف فيها بين المسلمين أسلوب تغيير المنكر، فبالرغم من أن هناك اتفاقًا عامًا، أو إجماعًا بين المسلمين جميعًا على أن المنكر يجب تغييره بوسيلة من الوسائل الثلاث: اليد، واللسان، والقلب، فإن المسلمين اختلفوا قديمًا في الأسلوب الذي يجب أن يصحب تغيير المنكر بواسطته، وكذلك اختلفوا أيضًا في المواضع التي يجوز فيها استعمال اليد، أي: القوة، ومتى يجوز استخدام اللسان؟ وما الأوقات التي يُعذَرُ المسلم فيها إن أنكر بقلبه فقط؟ وبالرغم من أن المسلمين - أيضًا - متفقون على وجوب اتباع الحكمة في كل ذلك، إلا أن تفسير الحكمة يختلف من طائفة إلى أخرى، ومن فرد إلى فرد، ويظهر هذا الاختلاف واضحًا جليًا في إنكار مُنكَرِ الإمام المُعلِنِ للإسلامِ، فبينما رأى الخوارج والمعتزلة وجوب إنكار منكرِ الإمامِ بكل صورة من صور الإنكار: اليد، واللسان، والقلب، نجد أن أهل السُنَّة، وعلماء السلف قديمًا وحديثًا، قالوا بتحريم إنكار منكرِ الإمامِ المُعلِنِ للإسلام باليد، وأنه لا يجوز إنكار منكرِه إلا باللسانِ والقلبِ فقط.

استدلالات السلف على عدم جواز إنكار منكر الإمام باليد

     وقد رد علماء السُنَّة والسلف على ما قاله الخوارج والمعتزلة في ذلك بقولهم: إِن الرسول صلى الله عليه وسلم، استثنى الإمام من تغيير منكره بالقوة، بل لم يُجِز أصلاً إنكارَ منكرِه إلا باللسان فقط، وقد جاء هذا في أحاديث كثيرة منها حديث الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من كَرِهَ من أميره شيئًا فليصبر، «فإنه مَن خرج من السلطان شِبرًا مات ميتة جاهلية» قال ابن بطال: «في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك مِن حَقنٍ للدماء، وَتَسكِينِ الدَّهمَاء، وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ الصَّادِق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول: «هَلَكَةُ أمتي على يدي غلمة من قريش» فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة، فقال أبوهريرة: لو شئتُ أن أقولَ بني فلان بني فلان لفعلتُ. قال ابن بطال: «وفي الحديث أيضًا حجة لِما تَقَدَّمَ مِن تَرك القيام على السلطان ولو جار؛ لأنه صلى الله عليه وسلم، أعلم أبا هريرة بأسماء هؤلاء، وأسماء آبائهم، ولم يأمرهم بالخروج عليهم مع إخباره بأن هلاك الأمة على أيديهم لكون الخروج أشد في الهلاك، وأقرب في الاستئصال من طاعتهم، فاختار أَخَفَّ المَفسَدَتَينِ، وأيسر الأمرين» وهذه قاعدة فقهية مهمة.

     ومما استدل به السلف - أيضًا - على عدم جواز إنكار منكر الإمام باليد، أو بالسيف ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم سَتَرَونَ بعدي أَثَـرَةً وأمورًا تُنكِرونها»، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «أَدُّوا إليهم حقهم، وسَلُوا الله حقكم» قال الحافظ في «الفتح»: أي أدوا إليهم حقهم الذي وجب لهم المطالبة به وقبضه سواء كان يختص بهم أم يعم، وسلوا الله حقكم، أي: بأن يلهمهم إنصافكم، أو يبدلكم خيرًا منهم، وكذلك حديث أم سلمة في مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنه يُستَعمَلُ عليكم أمراء، فَتعرفون وَتُنكِرُون، فَمَن كره فقد بَرِئَ، ومن أَنكَرَ فقد سَلِمَ، ولكن مَن رضي وتاَبَع»، قالوا: يا رسول الله أفلا نقاتلهم؟ قال صلى الله عليه وسلم: «لا، ما صَلُّوا» وهذا نص في أن الإنكار على الإمام الذي يخلط في عمله وحُكمِهِ بين الحلال والحرام، لا يجوز الخروج عليه بالسيف، بل إذا كره بقلبه فقد برئ، وإذا أنكر بلسانه فقد سَلِمَ، ولكن مَن رضي وتابَعَ كان مُشاركًا في الإثم والمعصية.

نصح الحاكم سرًّا

     ونرى أن نصيحة الحاكم المسلم تكون سِرًّا من غير تشهير ولا تعيير؛ لحديث عياض ابن غَنْم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يُبدِهِ علانية، وَليأخُذ بيده، فإن سمع منه فذاك، وإلا كان أَدَّى الذي عليه» ولحديثِ عبيد الله بن الخيار قال: أتيت أسامة بن زيد، فقلتُ، ألا تنصح عثمان بن عفان ليقيم الحد على الوليد؟ فقال أسامة: هل تظن أني لا أُناصِحُه إلاَّ أَمَامَكُم؟! والله لقد نصحتُه فيما بيني وبينه، ولم أكن لأفتحَ بابًا للشر أكونُ أنا أولَ مَن فتحه.

     قال الإمام الشوكانى - رحمه الله: ولكن ينبغي لمن ظهر له غَلَطُ الإمام في بعض المسائل أن يُناصِحَه، ولا يُظهِرَ الشناعةَ عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث أنه يأخذ بيده، ويخلو به، ويبذل له النصيحة، ولا يذل سلطان الله، وأنه لا يجوز الخروج على الأئمة - وإن بَلَغُوا في الظلم أي مبلغ - ما أقاموا الصلاة، ولم يظهر منهم الكفر البَواح.

     والأحاديث في هذا المعنى متواترة، ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله، ويعصيه في معصية الله؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

     وأخيرًا نقول: إنه لا يجوز بحال إنكار منكر الإمام المسلم بالسيف، وذلك أنَّ الضرر الواقع على جمهور المسلمين من الخروج عليه أشد من انحراف الحاكم وظلمه؛ فإن السيف إذا وقع بين الأمة وقعت بسببه مفاسد كثيرة، فالإمام لا بد أن ينحاز له كثيرون معه ولاسيما إذا كانت الشوكة بيده كالسلاح والجيوش، وهؤلاء حتمًا سيتعصبون له، ومن ذا يستطيع أن يصل إلى الإمام دون أن يقع القتل في مسلمين كثيرين يتترس بهم الإمام؟

     وكذا لا يجوز إقامة المظاهرات والاعتصامات، والإضرابات وأعمال الشغب وما شابهها التي لم يَجرِ عليها عمل السلف الصالح، ويترتب عليها ضياع الأمن وإثارة الفتن.

     ولنعلم أن كلمة الحق أقوى من ظلم أي سلطان مهما كان، وصبر أهل الحق على حقهم، وتعرضهم للأذي في سبيله، وانتظارهم لفرج الله ورحمته، عوامل رئيسة لانكسار الباطل واندحاره مهما كان، كما أن افتراض الشر دائمًا بالسلاطين، من اتباع الظن ومن الحكم على القلوب التي لا يَطَّلِعُ عليها إلا الله تعالى، ونحن نعتقد أن القلوب بيد الله يُصَرِّفُهَا كيف يشاء.

     وقد بذلت الجمعية جهودًا ضخمة في هذا الإطار من ندوات ومؤتمرات وإصدارات لا يتسع المقام لذكرها بالتفصيل، وقد كان من أهم إصدارات الجمعية في هذا الإطار:

- رسالة قيمة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله بعنوان  (المعلوم من علاقة الحاكم والمحكوم).

- كتاب: (فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودفع الشبهات الواردة عليه).

- كتاب:  (المنهج الإسلامي  في معاملة الحكام) جمع وتأليف وإعداد أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الله التويجري.

- كتاب (معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسُنَّة) للشيخ عبد السلام بن برجس بن ناصر آل عبد الكريم.

- كتاب: (أطايب القول في حسن التعامل مع ولاة الأمر) لمؤلفه الشيخ عيسى مال الله فرج، هو عضو جمعية إحياء التراث الإسلامي.

- وكتاب (وجادلهم بالتي هي أحسن) وهو مناقشة علمية هادئة لـ (18) مسألة متعلقة بحكام المسلمين مدعمة بالنقل عن الشيخين: عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحمد الصالح ابن عثيمين رحمهما لله تعالى  وهو تأليف الشيخ بندر بن نايف المحياني العتيبي.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك