رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 29 نوفمبر، 2018 0 تعليق

موقف الفكر التغريبي من الدين والتدين

لم يكن الإسلام يوماً عبادات روحانية خلواتية في محاريب المساجد والبيوت فقط، بل هو إلى ذلك دين اجتماعي بامتياز، وللمسلم المتدين مظاهر يُعلم منها إسلامه وإيمانه وتمسكه بسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وقد وضح أيضاً أن للنفاق علامات كما أن للإيمان علامات فقال -عليه الصلاة والسلام-: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان». روه البخاري ومسلم. وجعل الإسلام للمسلم مظاهر خارجية في ملبسه ومظهره، كلباس المرأة والرجل ومواصفاته. لكن لما كان الفكر التغريبي يناقش كل ما يتعلق بالدين فقد كان له موقف من مظاهر هذا الدين في حياة الإنسان؛ فتارة يحاربونه باسم محاربة التمييز، وتارة يسعى التغريبيون إلى التقليل من قيمة هذه المظاهر التعبدية، ومعاً نناقش هذه القضية في هذه السطور.

التدين ومظاهره

     التدين هو التزام عقيدة ما وممارسة السلوكيات التي تدل على هذه العقيدة، والالتزام بها دائماً؛ بحيث تميز هذا الإنسان عن غيره ممن لا يعتقد عقيدته ولا يلتزم بعباداته، كما أن المتدين يخضع لأحكام دينه ولا يتنازل عنها، ويسعى دائماً إلى تصحيح أخطائه فيما يتعلق بها، وقد سمى الله -تعالى- الإسلام ديناً فقال: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} وقال -سبحانه-: {إن الدين عند الله الإسلام}. ومن المعلوم أن كل دين على وجه الأرض سواء كان سماوياً محرفاً أم وضعياً، فإن له مظاهر وسلوكيات يعرف أصحابه بها، وستبقى مظاهر التدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وأما مظاهره فمنها: كثرة التعبد وازدهار دور العبادة وكثرة تردد الأشخاص عليها، وظهور آثار التدين على مظهر الأفراد الخارجي كالالتزام باللباس الذي يفرضه الدين والابتعاد عن فعل الخطايا. ومنها قلة انتشار الجرائم؛ بسبب الوازع الديني عند الإنسان.

أهمية التدين

     التدين من الأمور الفطرية الموجودة في غريزة كل إنسان وفطرته السليمة، وعلى أساسه تبنى أفكاره وتطلعاته و شخصيته؛ لذا فإن أهم فائدة يقدمها للفرد أن يمنحه الاستقرار النفسي والعاطفي الذي يمنعه من الشعور بالضياع والتفكك، كما أنه يدفع العبد إلى فعل الصالحات والخيرات، كما أنه يجعل الفرد متشبعاً بالأخلاق الحميدة والقيم الروحية التي تمنعه من ارتكاب الخطيئة، مما ينعكس على مجتمعه فيبقيه نقياً من أي فتن أو خطايا أو مشكلات؛ فالدين يأمره بحفظ الحقوق ومراعاة الحرمات والحفاظ على الأعراض، وكل ذلك يدر عليهم من البركات المجتمعية ما تتمناه المدن والقرى، قال -تعالى-: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}.

التغريبيون والتدين

     لأن التدين علامة على الدين فإن الفكر التغريبي يسعى إلى الفصل بين الدين والدولة، حتى لا تعمل الدولة على نشر مظاهر الدين في المجتمع، وحتى لا تحارب الدولة الانحرافات السلوكية باسم الدين، فنجد في الفكر التغريبي أن الدولة عبارة عن مؤسسات والمؤسسات لا توصف بالإسلام أو الكفر؛ ولذا فليس للحاكم أن يشرع عقوبات تعزيرية لتجريم من يرتدي ملابس غير شرعية وليس له أن يعزر من يفطر جهاراً في رمضان، وما ذلك إلا لفتح الباب أمام مظاهر المخالفات الشرعية فتكثر في المجتمعات تقل نسبة التدين. ويأتي ذلك في الوقت الذي تقوم فيه الديانة البروتستانية واليهودية (مثلاً) في فرنسا بحق تنظيم علاقتها بالدولة، مما يشير إلى أن التدين الذي يقوم الفكر التغريبي بمحاربته هو التدين الإسلامي فقط. وقد أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن بني إسرائيل «كانت تسوسهم الأنبياء» أخرجه البخاري في الأنبياء.

مظاهر التدين عنصرية عند التغريبيين

     يدعي التغريبيون أن مظاهر التدين الخارجي مثل اللباس الشرعي للمرأة وصلاة الجماعة والجمعة والعيدين مما يدعم التمييز المرفوض بين شعوب المجتمع الواحد، ويحمل على الكراهية فيما بينهم، وللرد على ذلك نقول: أولاً: لا تزال المجتمعات من قديم الزمن تعج بالأفكار المختلفة، وكل جماعة تمارس تعبداتها دون أن تكون هذه التعبدات داعية إلى احتقار الآخرين وكراهيتهم، ثانياً: قال - صلى الله عليه وسلم - عن غير المسلمين الذين عاشوا معه في المدينة: «دعوهم وما يدينون» ثالثاً: فتح أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بلداناً كثيرة وأقروا غير المسلم على دور عبادته، يمارس فيها شعائره الدينية. رابعاً: عند التنازع بين شخصين غير مسلمين يُحكم بينهما بشريعتهما مالم يرتضيا حكم الإسلام، وبهذا يتأكد القول أن المسلم وغير المسلم من قديم الزمان لم يستشعر أحدهما أن مظاهر التدين تمييز أو عنصرية.

تناقض التغريبيين في قضية الدين

     رغم أن المصادر الغربية هي المصادر الفكرية للغربيين فإننا نجد التيارات الفكرية التغريبية لا ترفض إلا الدين الإسلامي، بينما لا تتعرض لمظاهر التدين في المعتقدات الأخرى؛ فمثلاً نجد رفض اللحية وربطها بالجماعات الإرهابية رغم أنها مظهر عام من مظاهر التدين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وفروا اللحى» وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الصريحة، ورغم أن إطلاق اللحية في ممارسات غير المسلمين كالرهبان والقساوسة والأحبار فإن الانتقادات لا يتم توجيهها إلا إلى اللحية المسلمة. وكذلك الحجاب، فإننا نجد أن الحشمة والحجاب في ملابس الراهبة غير المسلمة بينما لا يتم انتقاد الحجاب إلا بالتعرض للنصوص الإسلامية فقط، وفي هذا نوع من التناقض، كما يتم التعرض للأذان بوصفه مظهرا من مظاهر التدين، بينما لا يتم التعرض لغيره من شعائر المعتقدات الأخرى. والإسلام إذ ترك غير المسلم يتدين بدينه، ولم يمنعه منه كان أكثر وسطية وإنصافاً من الذي يدعو إلى الحرية ويتناقض مع نفسه فيحجر على حرية المسلم. قال -تعالى- {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (الزمر: 45).

لماذا يحارب الفكر الغربي التدين؟

محاربة الغرب والتغريبيين لمظاهر التدين الإسلامي خطوة من خطوات كثيرة في محاولة إسقاط الدين الإسلامي، وله أسباب كثيرة منها: أولاً: الأسباب الدينية، ففي الغرب مثلاً تأتي محاربة التدين للإسلام لئلا يكون هناك أثر ولا وجود للدعوة الإسلامية نفسها.

- ثانياً: من الأسباب إضعاف قوة الإسلام الذاتية؛ حيث إن الإسلام يتميز بالرباط القوي العظيم بين أهله، ويعطي من تجمعهم على الدين قوة، قال -تعالى-: {إنما المؤمنون إخوة} وقال -تعالى- {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} وقال - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم أخو المسلم». وبالتالي فإن القضاء على مظاهر التدين وشعائره ومشاعره التي تجمع أولئك المؤمنين تفضي بالنهاية إلى القضاء على هذه الوحدة التي يصنعها هذا الدين.

الدين عند بعض التغريبيين العرب

     يرى بعضهم أن الدين عبارة عن مجموعة من الأساطير؛ فيقول صاحب كتاب الأسطورة والتراث: «هناك شبه اتفاق على أن الدين الابتدائي في ظهوره مثل الأسطورة نشأ نتيجة الجهل المعرفي والأمل فيما هو أفضل من الحادث فعلاً، مع بعض الخيال اللازم بالضرورة عن الجهل والأمل». ويقول آخر: «هو مجموعة من المعتقدات والشعائر تجيب عن حاجة الإنسان الهشة اجتماعياً ونفسياً إلى الحماية الأبوية وإلى العزاء السلوكي كما يستجيب لحاجة نرجسية عميقة في اللاشعور هي الرغبة في قهر الموت بالخلود، إن لم يكن في هذه الحياة ففي حياة ثانية». فالدين عند بعضهم أساطير أو حاجة نرجسية للإنسان الهش اجتماعياً ونفسياً.

أمثلة للاستهزاء بمظاهر التدين

     يرى بعضهم أن عيد الأضحى وعيد الفطر ما هما إلا تجسيد لأساطير قديمة، فالفطير كما يزعمون قربان نباتي كان يقدمه الزراعيون في العصور القديمة أصحاب النظام الأمومي إلى الزُّهرة من أجل زيادة الخصب، والأضحية قربان حيواني كان يذبحه الرعويون أصحاب النظام الأبوي لآلهة خاصة إله القمر. بل وصف بعضهم كثرة الأضاحي التي يفتخر بها المسلمون في عيد الأضحى بأنها «أهول مذبحة يرتكبها الإنسان كل عام» والله -سبحانه وتعالى- شرع للناس هذه الأضحية ليأكلوا وليتصدقوا وليفرحوا، وذبح الحيوانات لمثل هذا مما لا ينكره إلا من لا عقل له! ولا شك أن مثل هذه الممارسات تأتي لتبغيض الناس في هذه الشعائر.

ماذا يجب علينا تجاه هذه الحملة؟

     يجب على المسلم العاقل ألا تزيده مثل هذه الأمور إلا تمسكاً بدينه، وحباً في هذه الشعائر وألا يتأخر عن تعلم ما يتعلق بها من أحكام وحكم لينجي نفسه من حرب الشبهات والتدليس، أما الدعاة فيجب عليهم أن يتعلموا مواقف الفكر التغريبي من هذه القضايا، وأن يحسنوا الرد عليها بالدليل والحجة، وأن يثبتوا الناس عليها، وألا ينتظروا لحظة هجوم ليتولوا مهمة الدفاع، بل عليهم أن يبدؤوا في نشر دينهم وإظهار الحكمة من كل مظهر من مظاهره. والله المستعان وعليه التكلان.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك