رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 13 نوفمبر، 2018 0 تعليق

موقف التيار التغريبي من النقاب الدعاوى والردود

لقد أمر الله -تعالى- المرأة المسلمة بالعفاف والحياء والاحتشام في نظرتها وملبسها وحركتها؛ فقال -سبحانه-: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النور: 31)، وحتى المرأة العجوز فإن الله -تعالى- أمرها بالاحتشام؛ فقال -سبحانه-: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (النور: 60) وقال -سبحانه-: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} (الأحزاب: 32). ورغم ذلك كله فإن العجب من قوم تشابهت أقوالهم وأقوال رواد الفكر الغربي حول لباس المرأة المسلمة ولاسيما النقاب؛ فماذا قالوا؟

دعوى أن النقاب ليس من تراث المسلمين

     ويردد هذه الدعوى كثير من رواد التيار التغريبي؛ فيرون أن النقاب عادة جاهلية ليس له علاقة بالإسلام، وهو ما يقوله الغربيون ذاته، والحقيقة أن النقاب لا يخرج عن كونه عبادة من العبادات الإسلامية، ولم يقل أحد من العلماء يوماً من الأيام بغير ذلك، وكتب الفقه من قديم الزمان تحدثنا عن عورة المرأة وحدود النظر إليها، ومتى يجوز النظر إلى وجهها؟ بل إن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تنتقب المرأة المحرمة»، دليل على أن النقاب موجود في غير عملية الحج، وأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أنه حادث أو خارج عن التعاليم الدينية. فلقد كان النقاب معروفا عند العرب وعند غيرهم، ثم جاءت الشريعة آمرة بستر الوجه، وإدناء الجلابيب من على الرأس إلى الجيب وهو فتحة الصدر، كما في قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب/59).

مسوغا التغريبيين العرب

     من العجيب أن نجد النداءات العربية لخلع الحجاب والنقاب عبر التاريخ تأتي بعد النداءات الغربية ومشابهة لها بل منسوخة نسخاً عن كتب الغربيين، ومن ذلك بعد سنوات قليلة من الاحتلال البريطاني لمصر عام (1882م)، صدر كتاب (المرأة في الشرق)، وكان مؤلفه مسيحياً مصرياً كان صديقاً للورد (كرومر) المعتمد البريطاني في مصر، وكان يدعى (مرقص فهمي)، وقد دعا هذا الكتاب للقضاء على الحجاب باعتباره حجاباً للعقل، وفي عام (1893م) صدر كتاب آخر لمناهضة الحجاب، كان من تأليف كاتب فرنسي، يدعى (ألكونت داركور)، وقد هاجم فيه المثقفين المصريين لقبولهم الحجاب، وصمتهم عليه، وفي عام (1899م) صدر كتاب (تحرير المرأة) لقاسم أمين، الذي دعا فيه إلى سفور وجه المرأة، ورفع النقاب عنه؛ لأنه ليس من الإسلام في شيء. وكثير من هذه النماذج في بلدان أخرى.

الحرب على النقاب في الغرب

     إن المرأة المنتقبة تعاني من ابتلاء واختبار في بعض الأحيان، سواء في البلدان الغربية أم في بعض البلدان العربية، والابتلاء سنة الله في الصالحين، قال -تعالى-: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} (العنكبوت 2-3). وهذا التشابه في الحرب ظاهر فيما يلي:

1- دعوى أن النقاب يعيق التواصل بين الناس ولاسيما الموظفات والمراجعين.

2- دعوى أن النقاب تقييد لحرية المرأة، وهذه الدعاوى هي التي حملت دولة كفرنسا على حظر النقاب في الأماكن العامة قبل ذلك، وتحمل التيارات التغريبية على المناداة بحظر النقاب في البلدان العربية.

الرد على هذه الدعاوى

- أولاً: إن دعوى صعوبة التصرف مع لبس النقاب لا يعدو أن يكون وهما؛ فإن كثيرا من المنتقبات يباشرن أعمالهن جميعها مع لبس النقاب دون أية صعوبة، بل إن كثيراً من البلدان العربية -كدولة الكويت حفظها الله- تكثر المنتقبات في مؤسساتها دون أن يكون عائقاً في سير الوظائف العامة؛ فالواقع يكذب هذه الدعوى.

- ثانياً: القول بأن النقاب يقيد حرية المرأة مردود بأن المرأة المنتقبة هي التي اختارت ملبسها راضية به متعبدة لله -تعالى-؛ ولذا كان ينبغي أن يتم الدفاع عن المرأة المنتقبة؛ لأن ملبسها من اختياراتها؛ فكيف يدعي الحفاظ على الحرية من يمنع المنتقبة من حرية اختيار ملابسها؟ فهذا تناقض واضح؛ فالمرأة المنتقبة لها حرية الاختيار، وينبغي علينا حماية هذه الحرية.

المنظمات الصهيونية والنقاب

     كان للمنظمات الصهيونية دور كبير تاريخياً في إثارة الدول ضد المنتقبات، ومن ذلك وقوف المنظمات الصهيونية في الدول الغربيَّة بالدعوة لحظر النقاب، بالكثير من الوقائع والأخبار التي جاءت في هذا الصدد؛ فقد نشرت وكالات أنباء غربية (أمريكا إن أرابيك) أنَّ منظمة (إسلاميست ووتش) الأمريكية وهي منظمة صهيونية، كانت قد انتقدت تراجع كلية جامعية بالولايات المتحدة الأمريكية عن فرضها حظرا على ارتداء النقاب، في حين أن هناك بلداناً إسلامية تسعى إلى حظره.

لماذا النقاب؟

- أولاً: النقاب أعلى درجات العفة في الظاهرة في لباس المرأة المسلمة، والتنازل عنه بداية تنازل لما بعد ذلك، وملف المرأة كما هو معلوم أهم ملفات التغريب وأوسع الأبواب التي تخترق منها مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

- ثانياً: يعلم الغربيون أن هناك طوائف كثيرة في بلداننا المسلمة لا يلتزمون بالحجاب بل ويبحثون عن مسوغات شرعية لرفضه، وبالتالي ستكون هناك معارك كلامية وفكرية في حال إحداث مشكلات بسبب النقاب في البلد المسلم، ولنا أن الله -تعالى- يقول: {كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله}.

- ثالثاً: الانتصار في معركة الحجاب بتأويل النصوص تأويلات فاسدة ينقل المعركة إلى نض آخر وقضية أخرى وبالتالي يتم التشكيك في باقي نصوص التراث الإسلامي. رابعاً: بعد التنازل عن النقاب يتم الاختلاط، ثم يرتفع الحياء؛ فيتنازل عن باقي الحجاب، وتبدأ مرحلة التفسخ الأخلاقي والانحلال المستمر.

ضبط الإسلام لحياة المنتقبة

نقلت كتب الفقه الإسلامي بمذاهبها المتنوعة أن المرأة التي تستر وجهها يجوز النظر لها في الحالات التي تتوقف عليها المعاملات المهمة ومنها:

1- الخطبة: قال أبو الفرج المقدسي: «ولا خلاف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها».

- ثانياً: المعاملة: قال ابن قدامة: وإن عامل امرأة في بيع أو أجارة فله النظر إلى وجهها ليَعْلَمَها بعينها فيرجع عليها بالدّرَك (وهو ضمان الثمن عند استحقاق البيع).

- ثالثاً: المعالجة: قال ابن قدامة: «يباح للطبيب النظر إلى ما تدعو إليه الحاجة من بدنها من العورة وغيرها، فإنه موضع حاجة»، وقال ابن عابدين: «قال في الجوهرة: إذا كان المرض في سائر بدنها غير الفرج يجوز النظر إليه عند الدواء، لأنه موضع ضرورة».

- رابعاً: الشهادة قال ابن قدامة: «وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها لتكون الشهادة واقعة على عينها، قال أحمد: لا يشهد على امرأة إلا أن يكون قد عرفها بعينها».

- خامساً: القضاء؛ إذ يجوز للمرأة كشف وجهها أمام قاض يحكم لها أو عليها، وله - عند ذلك - النظر إلى وجهها لمعرفتها، إحياء للحقوق، وصيانة لها من الضياع، وغير ذللك مما يتطلب الكشف حسب الضرورة.

رسالة إلى منتقبة

     اعلمي أيتها الملتزمة بزيها الإسلامي، والساعية إلى العفاف أن المؤمن يبتلى على قدر دينه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «يبتلى المرء على حسب دينه» صحيح الترمذي. وتذكري قوله - صلى الله عليه وسلم -: «يأتي على الناس زمانا الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر» رواه أحمد وصححه الألباني، وهذا يتطلب منكِ التمسك بما أنتِ عليه من الطاعة والخير, واعلمي أيضاً أنه على قدر البلاء يكون الجزاء، قال -تعالى-: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}، وأنتِ في تشبهك بزوجات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمعك الله بهن في الجنة بإذن الله -تعالى- فهنيئاً لكِ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك