رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 8 يوليو، 2024 0 تعليق

موقف الإسلا م من: الاتجار بالبشر

  • يعد الاتجار بالبشر أحد أنواع الرق في العصر الحديث كما يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية
  • الاتِّجار بالبشر أَحَدُ أنشطة عصابات الجريمة المنظّمة وهو نشاطٌ يدرُّ ملايين الدُّولارات على حساب الْحَطِّ من كرامة الإنسان وإيذاء جسمه ونَفْسِه
  • يعد الاتجار بالبشر جريمة ضد الإنسانية وتنهى عنه تعاليم الشريعة الإسلامية التي تقوم بكفالة حقوق الإنسان واحترام حرياته الأساسية

يعد الاتجار بالبشر أحد أنواع الرق في العصر الحديث، كما يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتعد جريمة الاتِّجار بالبشر ظاهرة دوليَّة، لا تَقْتصر على دولة معيَّنة، وإنما تَمتدُّ لِتَشمل العديد من الدُّوَل الْمُختلفة، التي تختلف طرائقها وأنماطها من دولة إلى أخرى؛ طِبْقًا لِنَظرة الدَّولة إلى مفهوم الاتِّجار بالبشر، ومدى احْتِرامها لحقوق الإنسان، ومن أنواع الاتِّجار بالبشر -على سبيل المثال- الاتِّجار بالنِّساء والأطفال، لأغراض الاستغلال الجنسيِّ، وبيع الأعضاء البشريَّة، وعمالة السُّخْرة، واستغلال خدَمِ المنازل، وبيع الأطفال، لِغَرض التبنِّي، والزَّواج القسري، واستغلال الأطفال في النِّزاعات المُسَلَّحة، وفي أعمال التسوُّل، والاستغلال السيِّئ للمهاجرين بصفة غير شرعيَّة، واستغلال أطفال الشوارع.

        فالاتِّجار بالبشر أَحَدُ أنشطة عصابات الجريمة المنظّمة، وبعض التشكيلات الإجرامية التي لا تتوافر فيها مقوِّمات الإجرام المنظَّم، وهو نشاطٌ يدرُّ ملايين الدُّولارات على حساب الْحَطِّ من كرامة الإنسان، وإيذاء جسمه ونَفْسِه إيذاءً يَصِل في بعض الأحيان إلى حدِّ الموت الحقيقي، أو المعنوي، ونظرًا إلى خطورة هذا النَّشاط الإجرامي وآثاره المدمِّرة على حقوق الإنسان وكيان مُجْتمعه، فقد أوْلَتْه كثيرٌ من المنظَّمات الدولية والإقليمية والوطنيَّة، والمنظمات الدولية غير الحكوميَّة والجمعيات الأهلية اهتمامًا بالغًا.

ثالِث مصدر للتربُّح من الجريمة المنظَّمة

        ويُمثِّل الاتِّجار بالبشر ثالِثَ مصدر للتربُّح من الجريمة المنظَّمة بعد تجارة المخدِّرات وتجارة السِّلاح؛ حيث يُحْصَد من ورائها بلايينُ الدُّولارات سنويًّا، وتَسْعى عصابات الإجرام المنظَّم إلى تعزيز أنشطتها الإجراميَّة من خلال زيادة قدرتها على التغلغل في الأعمال المشروعة، للتستُّر خَلْفَها، وهو ما يُعْرَف بظاهرة غسيل الأموال.

موقف الإسلام من الاتجار بالبشر

        قال الله -تعالى في محكم التنزيل-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}(الإسراء:70)، فكان التكريم في ديننا الإسلامي عامًّا شاملاً دون تمييز، وإنما يكون التفاضل في الإسلام بين الناس بالإيمان والتقوى، بفعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى».

جريمة ضد الإنسانية

        إن جميع دول العالم كافة تمنع كل ما يسيء إلى كرامة الإنسان، ولا سيما في مجال استرقاقه واستعباده والتجارة به بغير حق، فهذه القضية من أبشع ما يكون، ويعد الاتجار بالبشر جريمة ضد الإنسانية تنهى عنا تعاليم الشريعة الإسلامية التي تقوم بكفالة حقوق الإنسان واحترام حرياته الأساسية، فلقد كرمت الإنسان تكريمًا جميلاً، وفضلته على كثير من المخلوقات الأخرى التي خلقها الله -سبحانه وتعالى.

الجماعات الإرهابية

       والاتجار بالبشر لا يقتصر في مجال العمل والبيع فقط، فالاتجار بالبشر وصل أيضًا إلى الجماعات الإرهابية في العالم التي استغلت المراهقين والأطفال والشباب، وأغرتهم بالمال، وخصوصاً الشباب المراهقين في المناطق النائية، فاستغلت هؤلاء الشباب وباعتهم لجماعات إرهابية، في مقابل مبالغ مالية. ولقد حذرت شريعة الإسلام، وجرَّمت كل من اجترأ على ظلم الناس، ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَالَ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ-: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي، ثم غَدَرَ، ورَجُلٌ بَاعَ حُرًّا، فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، ولَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ»(رَوَاهُ مُسْلِمٌ). وعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ»(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

الإسلام أول من حارب الاتجار بالبشر

       إنَّ الإسلام أول من حارب الاتجار بالبشر، ومما يدل على ذلك: ما ذكره المفسرون للقرآن -رحمهم الله تعالى- من أن أهل الجاهلية قبل الإسلام إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ أَمَةٌ، أَرْسَلَهَا تَزْنِي، وَجَعَلَ عَلَيْهَا ضَرِيبَةً يَأْخُذُهَا مِنْهَا كُلَّ وَقْتٍ. فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ، نَهَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ. فأنزل الله: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(النور:33). وحرم ديننا الإسلامي نكاح الشغار، وهو أن يُزوِّج الرجلُ ابنتَه أو أختَه على أن يُزَوِّجَه الآخرُ ابنتَه أو أختَه وليس بينهما صداق. وحرَّم عضل البنات، أي: منعُهُن من الزواج، وحرَّم منع العامل حقه. ويكفي في الترهيب من عدم إعطاء الأجير حقه وراتبه أو إنقاصه قول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً}(النساء:58)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «هُمْ إخْوانُكُمْ، وخَولُكُمْ، جعَلَهُمُ اللَّه تَحت أيدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحت يَدهِ فليُطعِمهُ مِمَّا يَأْكلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يلبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُم مَا يَغْلبُهُمْ، فَإنْ كَلَّفتُمُوهُم فَأَعِينُوهُم»(رواه البخاري ومسلم). إن الشريعة الإسلامية هي الرسالة الإنسانية الأخلاقية التي تحضّ على تحرير الإنسان وتذمّ العبودية، وساهمت بطرائق عملية وعلمية جلية في عهد النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الأخيار والتابعين من بعدهم في مساعدة مَن سقَط أسيرًا في العبودية على أن يكون إنساناً كاملاً، وقصة تحرير سلمان الفارسي - رضي الله عنه - من الرق والعبودية شاهد على ذلك.

دوافع الاتِّجار بالبشر

هناك دوافِعَ عدَّة للاتِّجار بالبشر، ومنها: (1)  الفَقْر والرَّغبة في الحصول على مستوًى معيشيٍّ أفضل في مكان آخَر، فغالبيَّة ضحايا الاتِّجار هم مِمَّن يُعانون أوضاعًا اقتصاديَّة متدنِّية، ويفتقرون إلى الموارد الماليَّة، ولا يملكون دَخْلاً ثابتًا، ويُعانون من ضعف المستوى التعليمي. (2)  البِنْية الاقتصاديَّة والاجتماعية الضَّعيفة، وقلَّة فُرَص العمل؛ حيث يَعْمل المتاجرون بالبشر على استغلال الضَّعف المالي الذي تُعانيه بعض المجتمعات وأفرادُها، ويتم إغواؤهم بوظائِفَ جيِّدة لها مردود مادِّي عالٍ؛ مِمَّا يؤدِّي إلى توفير فرص حياة وعيش أفضل. (3)  الهجرة والظُّروف التي يعيشها المهاجرون عموما، تَجْعل منهـم أكثـر عُرْضة للوقوع ضحايا للجريمة، أمَّا الأطفال المهاجرون فإنَّ الإمكانية تتضاعف، والفرص تزداد لِكَي يكونوا ضحايا للجريمة والاستغلال. (4)  المسؤوليَّة الْمُلقاة على عاتق الأطفال في دَعْم عائلاتهم؛ مما يتوجَّب عليهم بَذْل الغالِي والنَّفيس في تأمين عائلاتهم. (5)  الجريمة المنظَّمة، والصِّلة بينها وبين الاتِّجار بالبشر؛ حيث تبيَّن أنَّ هناك علاقةً وثيقة تُموّل المنظِّمات الإجرامية الدولية القائمة على الاتِّجار وعمليَّة غسيل الأموال، وتَهْريب المُخَدِّرات، وتزوير الوثائق، وتَهْريب البَشر، وإرهابهم. (6)  العُنْف ضدَّ الأطفال والنِّساء، والتَّمييز ضدَّ النِّساء، فالْمُتاجرون يعملون على استغلال الضُّعَفاء المعرَّضين للخطر من فِئَة النِّساء والأطفال، واستخدام القوَّة الجسدية لإجبار الضَّحايا على ممارسة النَّشاطات الجنسيَّة. (7)  ازدهار تجارة الاستغلال الجنسي، فقد أكد عدد من الدراسات أن 80 % من ضحايا الاتِّجار بالبشر في جميع أنحاء العالم هم من النساء الفقيرات؛ حيث يتم استغلالهن في الأعمال غير الأخلاقية. (8)  ازدياد الطَّلَب العالَمِيِّ على العمالة غير القانونيَّة والرَّخيصة والمستضعفة، وذلك عائدٌ إلى الأُجور الضئيلة التي يَحْصل عليها هؤلاء، كالطَّلَب على الخدم في المنازل من دُوَل شرق آسيا المُزْدَهِرة ويعد الأكْبَر، وغالبًا ما يتمُّ استغلال الضَّحايا أو استعبادهم بالأشغال العامة.  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك