موقف الإسلام من الملحد الذي قدم خيرًا للبشرية
قال الله -تعالى-: {وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(المائدة:5)، وقال -تعالى-: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة: 217)؛ ولقد كان من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم ، أنه أخبر بطائفة تأتي يومًا من الأيام ترفض الاعتراف بسنته وتقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، وبالفعل صدقت نبوءة الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وظهرت هذه الطائفة وانتشروا في البلدان جميعها.
عداء القرآنيين للقرآن الكريم
وليس العجب من ظهورهم؛ لأن النبي قد أخبر بذلك؛ فتيقنت قلوب المؤمنين من أن ذلك حادث لا محالة، ولكن القضايا التي يتبناها منكرو السنة، تشير إلى أن هذه الطائفة ليسوا بقرآنيين كما يقولون، بل إن معاداتهم للقرآن أيضاً، وذلك يكشف لنا خبث النوايا التي يبطنها منكرو السنة للإسلام عموما وليس للسنة فقط؛ فلقد تبنى هؤلاء مجموعة من الاعتقادات كلها تتناقض مع القرآن الكريم، كما تتناقض مع السنة النبوية، ومن ذلك.
مصير الملحد إذا مات على إلحاده
ففي الوقت الذي يقرر فيه القرآن الكريم أن الجنة للمؤمن وأن النار لمن أنكر وجود الله -تعالى- وتدبيره للكون وتفرده بالعبادة، يرى منكرو السنة أن الملحد إذا كان من أهل الخير وكانت البشرية تنتفع بعلومه فهو من أهل الجنة، ويستدلون على ذلك بقول الله -تعالى-: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}، رغم أن الآية الكريمة ترد على هذا الادعاء؛ ففي بقية الآية يقول الله -تعالى-: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُون}(الأعراف: 156)؛ فاشترط للرحمة مجموعة من الشروط، هي التقوى والعبادة (وضرب مثالاً بالزكاة) والإيمان بالآيات.
لماذا لا يدخل الملحد الجنة؟
لأن الله -تعالى- جعل للجنة مجموعة من الشروط لا يدخلها من لم تتوفر فيه وجعل مجموعة من الموانع من توفرت فيه، كان من أهل النار؛ فأما الشروط فعلى رأسها الإيمان بالله ورسله، قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا}(الكهف: 107)؛ فإن قيل من المؤمنون المقصودون؟ جاء قول الله -تعالى- مجيباً بالألف واللام: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}(الحجرات: 15)؛ ثم يأتي الشرط الثاني وهو توحيد الله -تعالى-؛ إذ لا يكفي مجرد الإيمان، بل لا بد من التوحيد: قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(الأحقاف: 13)، أما من جعل في الربوبية أو الألوهية شريكاً مع الله، فلا يكون من أهل الجنة.
الإيمان بالبعث
أما الشرط الثالث فهو الإيمان بالبعث والنشور، قال -تعالى-: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}(المجادلة: 7)، والملحد لا يعترف بأن هناك يوماً تجتمع فيه الخلائق للحساب، بل يقول: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}(الصافات: 16)، ويقول: {أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا}(مريم: 66).
موانع دخول الجنة
أما الموانع التي تمنع الإنسان من دخول الجنة حسب البيان القرآني فهي:
الكفر بالله -تعالى
حيث إن إنكار وجود الله -تعالى- أكبر الذنوب وأعظمها، وعنه يقول الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة 39)، ويقول -سبحانه-: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ}(فاطر: 36).
الإشراك بالله -تعالى
وأما المانع الثاني فهو الإشراك بالله -تعالى-؛ إذ لا يكفي مجرد الإيمان بالله، بل لا بد من التوحيد، ونبذ الشرك وفي ذلك يقول الله -تعالى-: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}(المائدة: 72).
إنكار البعث والنشور
وقد أخبر الله -تعالى- أن من أنكر البعث والنشور سيرى من العذاب ما يحمله على اليأس من الرحمة في الآخرة، وهذا ما جاء في قوله -سبحانه وتعالى-: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(العنكبوت: 23)؛ فمن كذب باللقاء يئس من الرحمة، ولا شك أن هذه الموانع مجتمعة في الملحد الذي مات كافراً، وصدق فيه قول الله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(البقرة: 161).
أين تذهب أعمال الملحد الخيرة؟
يجيب عن هذا السؤال رسولنا صلى الله عليه وسلم في قوله: «إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته». رواه مسلم. فهذه هي الجنة التي يعيشها فاعل الخير الملحد، أو الكافر، أو المشرك في الدنيا، وأما في الآخرة؛ فلا قيمة لهذه الأعمال والدليل على ذلك قوله -تعالى-: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(الزمر: 65)، وقوله -تعالى-: {وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(المائدة: 5)، وقوله -تعالى-: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة: 217).
الدفاع عن الثوابت واجب
قد يتنازل بعضهم أو يؤول هذه النصوص السابقة تأويلاً باطلاً، ظناً منهم أن من سماحة الإسلام ألا نقول: إن الملحد (وصفاً) في النار، وأن من سماحة الإسلام أيضاً أن نقول: إن الجنة للمسلم الذي شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا شك أن في هذا انسلاخاً من الدين وتحريفاً لكلام الله -تعالى-؛ فالتسامح مع غير المسلمة ليس هذا بابه، بل هو في المعاملة بيعاً وشراءً ومجاورة مع البر والإحسان إليه وحفظ حقوقه، لا في باب العقيدة والثوابت.
لاتوجد تعليقات