رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ محمد الكوس 16 سبتمبر، 2019 0 تعليق

موقف أهل السنة والجماعة من طاعة ولي الأمر

 

أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح هم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية كما شهد لهم بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي -رحمه الله- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة». قيل من هي يا رسول الله قال: «من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».

أصول السنة والجماعة

     وأهل السنة والجماعة لهم أصول خالفوا بها الفرق المنحرفة على تعدد أنواعها واختلاف مذاهبها ومشاربها، من هذه الأصول التي خالف بها أهل السنه والجماعة الفرق الضالة ولاسيما الخوارج والمعتزلة، وجوب السمع والطاعة للإمام والحاكم المسلم وقد نص الله عزوجل على هذا في كتابه فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ}، وأولو الأمر: هم أصحاب السلطات والحكم والإمارة.

السمع والطاعة في المعروف

     وروى الإمام البخاري في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»، إذاً السمع والطاعة ليسا مطلقين في كل شيء من الإمام الحاكم إنما في المعروف. أما في المعصية فلا يجوز لمسلم أن يطيع أحدا كائناً من كان سواء أكان سلطانا أم ابا أم صديقا أم عالما أم غير ذلك إذا أمر بأمر يخالف أمر الله -سبحانه وتعالى-، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك» يعني قد يستأثر حاكم بالدنيا والأموال فهل تعصيه؟ تقول لا طاعة له، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لا عليك بطاعته وإن استأثر عليك بالدنيا وسأل الصحابي سلمة بن يزيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنه يخبر عن أمر مستقبل فقال يارسول الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألون حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا, فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم سأله فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم سأله في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس الأنصاري فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم»، أخرجه الإمام مسلم، والمعنى: عليهم ما حملوا أي عليهم مسؤولية إقامة العدل وإقامة حدود الله وشريعته وأنتم أيها الرعية عليكم مسؤولية الطاعة.

كيف أصنع؟

     ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عجيب أخرجه الإمام مسلم من حديث حذيفة، وهو حديث طويل قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو من معجزاته: «يكون بعدي أئمة أي حكام لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في القسوة والشدة في جسمان إنس قال حذيفة: قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع».

عقول قاصرة

     هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله-, وبعض الناس قد استنكر هذا الحديث وكذبه والعياذ بالله؛ لأن عقله قاصر لا يفهم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -, لماذا يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسمع والطاعة حفظا للأمن والأمان حتى لا تحصل الفتن وتراق الدماء وتنتهك الأعراض، حتى إن بعضهم لا يستطيع أن يصل إلى المسجد بسبب الخروج على السلطان، وهذا من مذهب الخوارج الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الخوارج كلاب أهل النار».

خيار أئمتكم

     وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:  «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم. وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم»، قال: قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم؟ فقال: »لا، ما أقاموا فيكم الصلاة» رواه مسلم.

أطيعوا أمراءكم

     وعن المقدام بن معد يكرب الكندي: «أَطِيعوا أمراءَكم مهما كان فإن أمروكم بشيءٍ مِمَّا جئتُكم به فإنهم يُؤْجَرُونَ عليه وتُؤْجَرُونَ عليه ذلك بأنكم إذا لَقِيتُم ربَّكم قلتم: ربَّنا لا ظُلْمَ فيقولُ: لا ظُلْمَ فيقولونَ: ربَّنا أَرْسَلْتَ إلينا رُسُلًا فأَطَعْناهم واستُخْلِفَتْ علينا خُلَفاءُ فأَطَعْناهم وأُمِّرَتْ علينا أمراءَ فأَطَعْناهم فيقولُ: صَدَقْتُم هو عليهِم وأنتم منه بَراءٌ»، نقله الألباني في تخريج كتاب السنة وحكم عنه بأنه: صحيح.

ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنه لا نبي بعدي، ولا أمة بعدي؛ فاعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، وأطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم» أخرجه بن أبي عاصم في السنة.

إجماع أهل العلم

     وقد ورد الإجماع من أهل العلم على طاعة أولي الأمر ومن ذلك ما قاله النووي -رحمه الله-: «وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة على أنه لا ينعزل السلطان بالفسق». شرح النووي على صحيح مسلم 12/228.

ترك الخروج

     وقال ابن حجر -رحمه الله-: «قال ابن بطال في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء». فتح الباري شرح صحيح البخاري 13/7، قال النووي -رحمه الله-: «قوله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان هكذا هو لمعظم الرواة وفي معظم النسخ بواحًا بالواو وفي بعضها براحاً والباء مفتوحة فيهما، ومعناهما كفراً ظاهراً والمراد بالكفر هنا المعاصي ومعنى عندكم من الله فيه برهان أي تعلمونه من دين الله -تعالى-. ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم. وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين. وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق». شرح النووي على صحيح مسلم 12/228.

لا نرى الخروج على أئمتنا

     وقال الطحاوي -رحمه الله-: «ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يداً من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة». متن العقيدة الطحاوية ص47.

 خارجي قد شق عصا المسلمين

     قال الحسن بن على البربهاري -رحمه الله-: «من خرج على إمام من أئمة المسلمين فهو خارجي قد شق عصا المسلمين وخالف الآثار وميتته ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه وإن جار وذلك لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر الغفاري: «اصبر وإن كان عبدا حبشيا»، وقوله للأنصار: «اصبروا حتى تلقوني على الحوض» وليس من السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدنيا والدين، ويحل قتال الخوارج إذا عرضوا للمسلمين في أموالهم وأنفسهم وأهليهم وليس له إذا فارقوه أن يطلبهم ولا يجهز على جريحهم ولا يأخذ فيهم ولا يقتل أسيرهم ولا يتبع مدبرهم، واعلم أنه لا طاعة لبشر في معصية الله عز وجل». شرح السنة للبربهاري ص29.

لا يجوز القيام على الإمام لخلعه

     قال الشيخ محمد الأمين الجكني -رحمه الله-: «التحقيق الذي لا شك فيه أنه لا يجوز القيام على الإمام لخلعه إلا إذا ارتكب كفراً بواحاً عليه من الله برهان، فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله قال: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان».

تعرفون وتنكرون

     وفي صحيح مسلم أيضا من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف بريء ومن أنكر سلم ولكن من رضى وتابع قالوا: يا رسول الله أفلا نقاتلهم، قال: لا ما صلوا»، وأخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية»، وأخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، والأحاديث في هذا كثيرة.

عقيدة دينية

     من هنا ومن خلال هذه النصوص، فإن وجوب طاعة ولي أمر المسلمين عقيدة دينية يدين بها المسلم لربه، فإن أمره أميره بأمر وجب عليه تنفيذه ما لم يكن معصية لله -تعالى-، وإن نهاه عن فعل شيء وجب الانتهاء عنه، وولاة الأمور هم العلماء والأمراء، فطاعة هؤلاء فيها مصلحة الدين والدنيا، ومخالفتهم فيها فساد الدين والدنيا، فولي الأمر جُنة: أي: ستر وحجاب، ونعمة على المجتمع الإسلامي.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك