رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 20 فبراير، 2012 0 تعليق

موقف أهل السنة والجماعة من التكفير

 

هناك من يتهم أهل السنة والجماعة بأنهم يكفّرون من غير سبب أو يكفرون المعين.  والحق أن عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحداً بعينه من المسلمين ارتكب مكفراً إلا بعد إقامة الحجة، فتتوافر الشروط، وتنتفي الموانع، وتزول الشبهات عن الجاهل والمتأول، فأهل السنة لا يكفّرون المكره إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان، بل لا يكفرون أحداً من المسلمين بكل ذنب، وإنما يحكمون عليه بالفسق ونقص الإيمان ما لم يستحل ذنبه: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيما}.

      ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفر أحد أحداً دون برهان، فقال: «أيما امرئٍ قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه» (رواه مسلم)، وقال: «من دعا رجلا بالكفر أو قال: عدو الله! وليس كذلك إلا حار عليه» (رواه مسلم)، وقال: «لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» (رواه البخاري)، وقال: «ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله» (رواه البخاري).

       أهل السنة والجماعة يفرقون بين الحكم المطلق على أصحاب البدع بالمعصية أو الكفر وبين الحكم على شخص معين ممن ثبت إسلامه بيقين: «كان رجلان في بني إسرائيل متآخيين، فكان أحدهما يذنب، والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر الذنب، فيقول: أقصر. فوجده يوما على ذنب، فقال له: أقصر. فقال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا! فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة! فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: كنت بي عالماً أو كنت على ما في يدي قادراً؟! وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار». قال أبو هريرة: «والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته» (صحيح سنن أبو داود، الألباني).

والكفار في الشرع صنفان:

       كفار أصليون - أي الذين لم يدخلوا في دين الإسلام أصلاً، وهم الدهريون، والفلاسفة، والمشركون، والمجوس، والوثنيون، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ فهؤلاء قد دل على كفرهم الكتاب والسنة والإجماع، وموتاهم مخلدون في النار، ويحرم عليهم دخول الجنة: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.

         والمرتدون: الذين ينتسبون إلى الإسلام، ولكن يصدر منهم اعتقاد أو فعل أو قول يناقض إسلامهم، فيكفرون بذلك، وإن قاموا ببعض شعائر الإسلام كغلاة الباطنية والقاديانية.

        إن الكفر نقيض الإيمان، إلا أن الكفر في لسان الشرع كفران: إذ يرد الكفر في بعض النصوص مراداً به أحياناً الكفر المخرج عن الملة، وأحياناً أخرى يراد به الكفر غير المخرج من الملة، وذلك أن للكفر شعباً كما أن للإيمان شعباً، وكما أن الإيمان قول وعمل، فكذلك الكفر قول وعمل، والمعاصي والذنوب كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان.

ويقع الكفر: باعتقاد القلب وبالعقل، وبالقول، وبالشك والترك.

         والكفر عند أهل السنة والجماعة قسمان: الأول كفر أكبر مخرج من الملة، وهو ما يناقض الإيمان ويبطل الإسلام، ويوجب الخلود في النار ويكون بالاعتقاد والقول والفعل والشك والترك والإعراض والاستكبار.

 والكفر الأكبر أنواع، منها:

1- كفر الإنكار والجحود والتكذيب، وهو ما كان ظاهراً وباطناً مثل اعتقاد كذب الرسل، وأن إخبارهم عن الحق بخلاف الواقع، أو ادعاء أن الرسول [ جاء بخلاف الحق. {ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين}.

2- كفر الإباء والاستكبار مع التصديق، وهو عدم الانقياد والإذعان لرسول الله ظاهراً مع العلم به ومعرفته باطناً؛ وذلك بأن يقر أن ما جاء به الرسول [ حق من ربه، لكنه يرفض اتباعه أشراً وبطراً واحتقاراً للحق وأهله: ككفر إبليس فإنه لم يجحد أمر الله ولم ينكره، ولكن قابله بالإباء والاستكبار: {إلا إبليس أبى وأستكبر وكان من الكافرين}، {قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون}.

3- كفر الإعراض: بأن يعرض بسمعه وقلبه عما جاء به الرسول  صلى الله عليه وسلم  ، فلا يصدق ذلك ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه ولا يصغي إليه البتة، ويترك الحق لا يتعلمه ولا يعمل به، ويهرب من الأماكن التي يذكر فيها الحق فهو كافر كفر إعراض: {والذين كفروا عما أنذروا معرضون}.

4- كفر الشك: بألا يجزم بصدق النبي ولا كذبه، بل يشك في أمره، ويتردد في اتباعه؛ إذ المطلوب اليقين التام بأن ما جاء به الرسول من ربه حق لا مرية فيه، فمن تردد في اتباع ما جاء به الرسول أو جوز أن يكون الحق ضلالة فقد كفر كفر شك، قال تعالى: {ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب}.

5- كفر نفاق: وهو إظهار الإسلام والخير، وإبطان الكفر والشر، وهو مخالفة الباطن للظاهر وإظهار القول باللسان أو العقل بخلاف ما في القلب من الاعتقاد: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين}.

6- كفر السب والاستهزاء: بشيء من دين الإسلام مما هو معلوم من الدين بالضرورة، سواء كان الشخص هازلا أم لاعبا أم مجاملا للكفار: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.

7- كفر المعصية: هو كره دين الإسلام أو شيء من أحكامه، أو شيء من شرع الله أو مما أنزل أو كره نبي الإسلام أو ما جاء به من الشرع: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم}.

       والثاني: الكفر الأصغر غير المخرج من الملة: وهو ما لا يناقض أصل الإيمان، بل ينقصه ويضعفه، ولا يسلب صاحبه صفة الإسلام، وقد أطلقه الشارع على بعض المعاصي والذنوب على سبيل الزجر والتهديد، ومنه كفر النعمة، وكفران العشير والإحسان، وقتال المسلم، والطعن في النسب والنياحة على الميت: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما} ، «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت» (رواه مسلم).

هذا هو منهج أهل السنة والجماعة عرضته باختصار حتى يتبين الحق من الباطل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك