موجز من أخبار أبي القاسم – صلى الله عليه وسلم
مقالنا اليوم عن سيرة خير الخلق -محمد صلى الله عليه وسلم نبي الهدى-، قال -تعالى-: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الشورى: 52)، ورسول الرحمة، قال -سبحانه-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107)، وصاحب النور، قال -تعالى-: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف: 157).
مناقبه -صلى الله عليه وسلم
مناقب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفضائله كثيرة، ومما ورد في هذا: قال - صلى الله عليه وسسلم -: «إن لي أسماء: أنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب» (متفق عليه عن جبير بن مطعم).
والعاقب: أي ليس بعده نبي وهذا تصديقا لقول الله -عز وجل-: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40).
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع» (أخرجه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه -).
قال حسان بن ثابت:
وأحسن منك لم تر قطُّ عيني
وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب
كأنك خلقت كما تشاء
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا؛ فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» متفق عليه.
أول من يدخل الجنة
محمد - صلى الله عليه وسلم - أول من يدخل الجنة، وذلك لشرفه وسمو مكانته بين العالمين.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «آتي باب الجنة يوم القيامة استفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك» أخرجه مسلم عن أنس - رضي الله عنه .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أنا أول من يقرع باب الجنة» (أخرجه مسلم عن أنس -رضي الله عنه ).
رحمته بأمته - صلى الله عليه وسلم
يقول -تعالى- ممتنا علينا بما أرسل إلينا من رسول كريم منا، يتكلم بلغتنا ومن جنسنا {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 128).
فمن رحمته بأمته أنه يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته، ويشق عليها، ومن حبه لأمته أنه حريص على هدايتها.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: {اقرأ علي القرآن» فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «إني أحب أن أسمعه من غيري» فقرأت عليه سورة النساء حتى جئت إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا(41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (النساء: 41-42)، قال- صلى الله عليه وسلم -: «حسبك الآن» فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان» (متفق عليه)، لو تسوى: لو أنشقت وبلعتهم؛ مما يرون من أهوال الموقف وما يحل بهم من الفضيحة والخزي.
قال الحافظ: وسبب بكائه رحمة لأمته؛ لأنه علم أنه لا بد، أنه يشهد عليهم بعملهم، وعملهم قد لا يكون مستقيما، فقد يفضي إلى تعذيبهم.
تضحياته - صلى الله عليه وسلم- لإسعاد أمته
ضحى - صلى الله عليه وسلم - من أجل إقامة الدين في أمته وإيصال الهدى إليهم تضحيات كبيرة؛ ففي يوم أحد، حمل عليه أحد فرسان قريش ابن قميئة وهو يقول: «أين محمد؟ لا نجوت إن نجا!» وأثناء صراعه ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - على عاتقه ضربة عنيفة شكا بسببها - صلى الله عليه وسلم - أكثر من شهر.
كما شج وجهه الشريف، شجة كبيرة بقي أثرها في وجهة حتى التحق بالرفيق الأعلى، ولما جرح - صلى الله عليه وسلم - جعل الدم يسيل بغزارة على وجهه الشريف، وأخذ يمسح الدم وهو يقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم، اشتد غضب الله على قوم أدموا وجه رسول الله.
كذلك انكسرت رباعيته السفلى، وانشقت شفته عندما قذفه بحجر كبير عتبة بن أبي وقاص.
كما وقع في حفرة عميقة فجرحت ركبتاه، وأغمي عليه، وسارع الصحابة لإنقاذه والدفاع عنه.
وأخرج البخاري عن عروة - رضي الله عنه - قال: سألت ابن العاص - رضي الله عنه - فقلت: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في حجر الكعبة؛ إذ أقبل عليه عقبة ابن أبي معيط فوضع ثوبه على عنقه فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر - رضي الله عنه - حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم».
محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان
عن أنسٍ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» أخرجاه عن أنس - رضي الله عنه .
- عباد الله: لا يحصل لأحد الإيمان الذي تبرأ به ذمته، ويستحق به دخول الجنة بلا عذاب حتى يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحب إليه من أهله ووالده والناس أجمعين، بل لا يحصل له ذلك حتى يكون الرسول أحب إليه من نفسه أيضا، كما في حديث عمر - رضي الله عنه - أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا نفسي؛ فقال: والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك؛ فقال له عمر: فإنك الآن والله أحب إلي من نفسي؛ فقال: الآن يا عمر» (أخرجه البخاري).
محبة الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم
لقد عمرت قلوب الصحابة بحب محمد - صلى الله عليه وسلم.
رجع عروة بن مسعود الثقفي من الحديبية بعد أن التقى بمحمد - صلى الله عليه وسلم - إلى قريش؛ فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، إذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم، وما يحدون النظر إليه تعظيما له.
وعن سعد بن أبي وقاص قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأحد، فلما نعوا لها قالت فما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟
قالوا : بخير يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: كل مصيبة بعدك جلل! تريد صغيرة.
هان على هذه الصحابية الجليلة فقدان هؤلاء الأحبة فداء لدين الله، وفداء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكنها لم تتحمل أن يصاب الحبيب بأي لون من الأذى؛ لذلك لما أعلموها أنه بخير سالم، قالت: كل مصيبة بعدك سهلة يسيرة بسيطة تحتمل.
في يوم أحد عندما سقط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحفرة وانهالت عليه سهام المشركين كالمطر سور بنفسه أبو دجانه الأنصاري على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت السهام تغرز في ظهره بكثرة حتى شبه ظهره بظهر القنفذ.
هذا نموذج سام من فداء الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنفسهم وأرواحهم وأبدانهم فها هي ذي السهام تمزق جسد أبي دجانة دون الحبيب صلوات الله وسلامه عليه.
اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم
فاتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء به والسير علي نهجه والتمسك بسنته واقتفاء آثاره واتباع أقواله وأفعاله وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في العسر واليسر والمنشط والمكره، هو أول علامات محبته - صلى الله عليه وسلم -؛ فالصادق في حب النبي - صلى الله عليه وسلم- هو من تظهر عليه هذه العلامة فيكون متبعا للرسول - صلى الله عليه وسلم - ظاهرا وباطنا ومؤثرا لموافقته في مراده بحيث يكون فعله وقوله تبعا لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم . {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران: 31).
فالمسلم الذي يحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبعه في عبادته؛ فيصلي ويحج على سنته: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، «وخذو عني مناسككم»، وكذلك يتبعه في أخلاقه وتعامله مع الناس، فلا يؤذي الناس بلسانه فقد قال صلى الله عليه وسلم : «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، ويجتنب ما حرم الله ورسوله من موبقات، قال - صلى الله عليه وسلم -: «اجتنبوا السبع الموبقات» قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» (أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه ).
وعلامة محبة المسلمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تتبع ما جاء به من هدي في لباسها فلا تظهر زينتها لغير محارمها: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور:31).
كما أنها لا تختلي مع الرجال الأجانب، ولا تسافر إلا مع ذي محرم، ولا تخضع في قولها عند مخاطبة الرجال، وتطيع زوجها بالمعروف، وتحفظه في غيبته في عياله وماله.
لاتوجد تعليقات