موانع الاستفادة من عشر ذي الحجة
مع علو شأن العشر من ذي الحجة ومكانتها السامقة في الشرع المطهر، وعظمة ثواب العمل الصالح فيها، وأنه أكثر ثوابًا من وقوعه في غيرها من الأيام، ومع ذلك نرى ضعفًا عند جمهور المسلمين، وتكاسلاً عن العمل الصالح، وانصرافًا عن الجد والاجتهاد، وتباطؤًا عن الاندفاع له، ولاشك أن لهذا أسبابًا سنذكر بعضها في هذا المقال، حتى نبتعد عنها، ونغتنم هذا الموسم أعظم اغتنام، فمن هذه الأسباب:
الذنوب والمعاصي
فكم حرمت الذنوب من طاعة، وكم حالت بين العبد وبين قربة، أليس كثير من المسلمين قد عرفوا فضلها، وتبينت لهم؟ مكانته فلٍما هذا التكاسل عن العمل الصالح؟ إن الجواب معروف: وهو الذنوب والمعاصي الحائل بين العبد وبين -رحمة الله- ومن رحمته التوفيق للعمل الصالح، وقد نزلت بك عشر مباركة، فجدد التوبة فيها للتأهل لطاعة الله -تعالى-، واعلم أن للذنوب أثرا كبيرا في الحرمان.
جاء رجل إلى الحسن البصري -رحمه الله-، وقال له يا أبا سعيد: أجهز طهوري لقيام الليل فلا أقوم! فقال له الحسن: قيدتك ذنوبك؛ فالذنوب سبب لكل حرمان من الطاعة؛ فالحذر الحذر منها! وتأمل في حال المستقيمين على الطاعة، كيف أنهم بين صوم وصلاة وذكر ودعاء، وأنت محروم من هذا الخير، ولو فتشت لعلمت أنما أُتيت من قٍبل نفسك، فجدد التوبة اليوم وانظر إلى الأثر العظيم لها.
الجهل بفضل الموسم
مع انتشار الخير ووصوله لأصقاع الدنيا، بفضل الله بما سخر من وسائل الإعلام إلا أنه تبقى طائفة من المسلمين في جهل كبير عن فضل هذا الموسم، أو أنهم لم يعرفوا قدره حق المعرفة؛ فلذا حصل التفريط منهم، وهنا يأتي واجب الدعاة إلى الله في مساجدهم عن طريق الخطب والدروس والمحاضرات للتنويه بفضل هذا الموسم وعظيم مكانته عند الله -تعالى- حتى تندفع النفوس لفعل الخير في هذا الموسم المبارك «ومن دل على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه».
طول الأمل
إن من أعظم الأمور المهلكة للمرء طول الأمل، واستبعاد الموت؛ مما يجعل الإنسان يسوّف في العمل الصالح، ولا يسارع إليه، ويظن أن بإمكانه التعويض فيهلك أيما هلاك، ويفرط في مواسم الخير، ولو نظر نظرة إنصاف وعدل لوجد أن الأمر أسرع من كل شيء، قال عون بن عبد لله -رحمه الله-: «كم من مستقبل يوماً لا يستكمله ! ومنتظر غداً لا يبلغه، لو تنظرون إلى الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره»، وإذا تأملت في سيرة السلف العطرة وجدت عندهم من قصر الأمل ما يجعلهم يبادرون الأوقات كلها في الطاعة، فضلاً عن مواسم الخير، قال معروف لرجل صلّ بنا الظّهر، فقال: إن صليت بكم الظهر لم أصلّ بكم العصر، فقال: وكأنك تؤمل أن تعيش إلى العصر، نعوذ بالله من طول الأمل.
تذكر ياصاحب الأمل الطويل أن أمر حياتك وموتك ليس بيدك وإنما هو بيد الله -تعالى-، وكم تعرف ممن كان يعيش في صحة وعافية خطفه الموت على حين غٍرة؛ فاحمد الله أن بلغت هذا الموسم، وجد واجتهد في العمل الصالح.
ندرة المعين
إنه مع وجود الخير في المجتمع، وكثرة الطائعين من أتباع هذا الدين العظيم، إلا أن الانصراف عن الطاعة في هذا الموسم هو السمة البارزة لجمهور المسلمين، والاجتماع له أثره في فعل الطاعة ولذا جاءت نصوص الشرع بالأمر بالجماعة لكثير من لطاعات؛ مما يكون سبباً لتسهيلها، ولذا من النصح في البيوت وللأهل التعاون على الطاعة، ومن النصح للمسلمين المعاونة على الطاعة ونشر الخير بينهم، تأمل في حال من سبق وكيف كانوا يتعاونون على الطاعة.
عن أبي عثمان النهدي قال تضيفت أبا هريرة سبعا فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا، يصلي هذا ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا، ثم يوقظ هذا (سير أعلام النبلاء 2/609)، وكان الحسن بن صالح وأخوه عليّ وأمهما يتعاونون على العبادة بالليل وبالنهار قياما وصياما؛ فلما ماتت أمهما تعاونا على القيام والصيام عنهما وعن أمهما فلما مات علي قام الحسن عن نفسه وعنهما، وكان يقال للحسن حية الوادي يعني لا ينام بالليل. (انظر حلية الأولياء 7/ 328)، فاجتمع أنت وأهل بيتك على الطاعة، وإن سمت همتك فكن عوناً لأهل حيك لتعينهم على الطاعة هذا الموسم المبارك.
كثرة الفتن والصوارف
كم تصرف الفتن المسلمين هذه الأيام عن اغتنام مواسم الخير! ولعلي أن أذكر أشدها سبباً في صرفهم وهي (وسائل الإعلام) بقنواتها جميعا؛ فلذا يجب على العاقل أن يكون ناصحاً لنفسه، وأن يحذر من خطرها وشرها عليه، ولاسيما في هذا الموسم، اترك كثيراً من مباحاتها اليوم للتفرغ للطاعة والقربة، فهي أيام قليلة يُوشك أن تنقضي.
لاتوجد تعليقات