رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد ضاوي العصيمي 24 فبراير، 2020 0 تعليق

مواقع التواصل الاجتماعي بين النعمة والنقمة

 من فضل الله -عزوجلعلى أهل هذه الأزمنة المتأخرة، وجود هذه الأجهزة التي قرّبت البعيد، وسهّلت الصعب، ووفّرت الوقت والمال، وأصبح كثير من الأمور التي تحتاج إلى عناء في الوقت السابق في متناول اليد، لا يفصل بين الإنسان وتحقيق مراده سوى ضغطة زر لتوجيه تلك الأمور إلى حيثما يريد، سواء كانت إلى خيرٍ أم إلى شر.

     ولا شك أن الإنسان يحتاج إلى التنبيه على أهم الأمور التي ينبغي التنبه إليها؛ لأن مواقع التواصل الاجتماعي في ظني يتخلّلها أخطاء عقدية، وأخطاء تعبدية، وأخطاء أخلاقية، وأخطاء سلوكية، فكان لزاماً علينا أن نُنبّه على أهم ما يحتاجة الإنسان عند التعامل مع هذه المواقع وتلك الأجهزة، حتى لا ينغمس الإنسان فيها ويسترسل معها فيؤدّي به الأمر إلى الوقوع في كثير من المخالفات الشرعية والمنكرات الأخلاقية التي -مع الأسف- الشديد عمّت وطمّت.

مواقع التواصل نّعمة

     حتى لا ينظر الإنسان إلى الجانب السيء فقط من تلك المواقع أبدأ بذكر ما بها من فوائد؛ فالنظرة السوداوية لها كونها على الباطل دوما، وأن المنكرات تكاد لا تنفك عنها ولا يوجد فيها خير! هذا غير صحيح وهذا من الإجحاف إذا نظر الإنسان إلى كثير من المنافع التي تحصلت بوجود هذه الأجهزة؛ فبهذه الأجهزة قد يطلب المرء علما، وقد يُهدى لحق، ويستمع لنصيحة ويكون عوناً لإخوانه المسلمين في إزالة الكرب عنهم وما حلّ بهم من مصاب، وفيها أيضا يستطيع المرء أن يصل رحمه، وفيها أيضا يستطيع المرء أن ينصح غيره، ويوجّه المجتمع إلى من ينبغي الأخذ عنه من أهل العلم الذين رسخت أقدامهم فيه، ومكّن الله لهم حتى وجدوا القبول في قلوب الناس، وهذه المنافع يعرفها كل من طرق هذه الأبواب ودخلها، وفي ذلك قصص وأخبار، فكم من شخص اهتدى بنصيحة، وكم من إنسان وفّق للخير بمقطع يسير ربّما لا يتجاوز دقائق معدودة لكنها أحدثت في قلب هذا الإنسان الخوف من الله والخشية منه، وكم من إنسان اليوم كانت هذه الأجهزة سببا في تغيير مسار حياته! والقصص في ذلك كثيرة جدا.

قد تنقلب إلى نقمة

     والذي يهمني أن يعرف الإنسان أنّ هذه النّعم ما لم يستعملها الإنسان في خير فإنها قد تنقلب إلى نقمة؛ لأن الإنسان ما لم يستخدم هذه النعم في طاعة الله -جلّ وعلا- ويوطّنها على ذلك، فإنها سرعان ما تنقلب هذه النعم إلى نقمة على صاحبها، فالمفترض أن نتعامل معها تعاملا يعود علينا بالنّفع في ديننا ودنيانا؛ لذلك قال عمر - رضي الله عنه - أكره أن يكون المرء فارغا من أمر الدين والدنيا، فبعض الناس قد لا يكون طالب علم أو خطيبا ولا كاتباً أو داعيةً، لكن على الأقل يشغل نفسه بأمر دنيوي؛ فالفراغ يا إخوان يُحدث عند الإنسان كثيرا من الشر كما قيل:

فلذلك أقول من توفيق الله -سبحانه- على الإنسان أن يستخدم هذه الأجهزة استخداما يعود بالنّفع فيه على نفسه وأهله وعلى كل من يحيط به، وسوف أذكر بعض السلبيات التي نتج عنها مثل هذه البرامج حتى يكون الإنسان منها على حذر كما قال القائل:

عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه

                                  ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه

المشكلات الزوجية

     هناك إحصائية لوزارة العدل حينما وضعوا استبيانا عن المشكلات الزوجية، وقارنوا الأسباب المؤدية إلى الطلاق، وجدوا أن أكثر من 60% من هذه المشكلات كانت نتيجة سوء استعمال أحد الزوجين لهذه الأجهزة -60% دون مبالغة- ولذلك ارتفعت نسب الطلاق، وكثرت المشكلات الأسرية؛ وكل ذلك بسبب أن بعض الناس تساهلوا وغضوا الطرف عن هذه المشكلات.

التنبيه على الأخطاء

     ولذلك أوصي نفسي وإخواني والخطباء والأئمة التنبيه على هذه الأخطاء؛ فاليوم لا يوجد موضوع ممكن أن يُطرق إلا وتجد وسائل التواصل تتحدث عنه، من ذلك إذا استخدم الإنسان الهاتف لساعات طوال بطريقة مفرطة قد يؤدي للسهر الطويل الذي قد يُضيّع معه الصلاة التي من صلّاها فهو في ذمة الله وهي صلاة الفجر التي تؤدي إلى أن يترتّب لصاحبها النظر إلى وجه الله في الآخرة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنّكم سترونَ ربّكم كما ترون القمر ليلة البدر -أي يوم القيامة- لا تُضامّون برؤيته، ثم قال فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الفجر وقبل غروبها فافعلوا»، يقول العلماء فيه دليل على أن المحافظة على صلاتي الفجر والعصر من أسباب رؤية الله في الجنّة، وبعض الناس اليوم يجلس يلهو بهذه الأجهزة ثم ينام عن صلاة الفجر ولا يصلّيها إلا بعد أن تطلع الشمس، انظروا إلى الشرّ العظيم الذي ترتّب على الانشغال بتلك الأجهزة.

اختبار الإخلاص

     السلبية الأولى أن هذه المواقع فيها اختبار لإخلاص العبد، قد يقول الإنسان ما علاقة ذلك؟ أقول: إن هناك ارتباطا وثيقا بين هذه المواقع وبين الإخلاص لله، لا شك أن الإنسان اليوم مطلوب منه ألاّ يُزكّي نفسه ولا يمدحها ولا يكثر من الثناء عليها، ولا يفرح بذلك، بل إن المرء إذا أراد أن يعرف كونه مخلصا لله يجب أن يمقت مدح الناس له كما يحب مدحه، ولهذا الصحابة -رضوان الله عنهم- وقع في نفوسهم حينما وجدوا مدح الناس لهم، فهذا أبو الدرداء - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله إنما نعمل العمل لله فيحمدُه الناس -فهو ظنّ الآن أنّ هذا نوعٌ من أنواع الرياء- فكان يخشى - رضي الله عنه - فقال - صلى الله عليه وسلم -: «تلك عاجل بشرى المؤمن»، فهؤلاء -رضي الله عنهم- ما عملوا للخلق إنّما عمِلوا لله ثم جاء المدحُ تبعا والثناء لاحقاً.

الخوف من الرياء

     ولذلك لا يبلُغَ العبد مرتبة الإخلاص حتى يخشى الرياء؛ فكل من لم يخف الرياء فليعلم أنّ الشيطان قد دخل إليه في باب من أبواب الرياء؛ ولذلك كان السلف يُحذّرون أشدّ الحذر، فإبراهيم النّخعي كان يقول: «كفى بالمرء إثما أن يذمّ نفسه وهو يريد مدحها»، والأصل أنّ الرياء يدخل من باب الذم كما يدخل من باب المدح، ولذلك قال النخعي: «كفى بالمرء إثما أن يذمّ نفسه وهو يريد مدحها». انظر هذا المدخل الخفي الذي قد لا يتنبّه له بعض الناس؛ ولذلك كان السلف يوصون أشدّ الوصية ويحرصون أشدّ الحرص على أن يتعلّم الإنسان مداخل الشيطان؛ فكان ابن أبي حمزه -رحمه الله- يقول: «وددت لو كان للفقهاء من ليس له حظ إلا أن يجلس ليعلّم الناس أمر النيّات»، ثم قال: «إنّ كثيراً من الناس لم يُؤتواْ إلا من قبل نيّاتهم»؛ فالحذر أن تكون هذه المواقع مدخلا ً للرياء في قلب الإنسان! وليلهج لسان العبد دوما بقول النبي صلى الله عليه وسلم : «اللّهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه وأستغفرك لما لا أعلمه» وكان بعض السلف يقول: «اللهم اغفر لي ما لا يعلمون واجعلني خيرا مما يظنّون» والإنسان دائما كلما تذلّل لله -عزّوجل- أعطاه من فضله وخيره وما لا يتوقّعه.

ضياع الأوقات

     المفسدة الثانية في مواقع التواصل ضياع الوقت، وهذا أيضا من المداخل التي دخل فيها الشيطان على الإنسان حتى جعله يتمادى في الأمر، يبدأ باستهلاك الوقت نصف ساعة، ثم يتطور الأمر ساعة ثم يمتد إلى أن يقع فيما يُصطلح عليه اليوم بالإدمان التويتري أو الإدمان الفيسبوكي نسبة إلى مواقع الفيسبوك. يقولون: إن من يستخدم هذه الأجهزة أكثر من ستة وثلاثين ساعة في الأسبوع دليل على أنه دخل مرحلة الإدمان الذي يجعله لا يستطيع أن ينفكّ عن هذا الجهاز، فبمجرد استيقاظه من نومه يبحث عن رسالة أو تعليق على رسالة كتبها أو في الواتساب، فربما أرسل بعض الناس شيئا مهما، وهكذا يجلس الإنسان في الصباح على الإفطار والجهاز في يده اليسرى والطعام بيده اليمني، ثم بعد ذلك ربّما تحدث هذا الإنسان مع غيره بذهول؛ لأن قلبه وعقله قد تعلق بهذا الجهاز، وبالطبع فإن هذا السلوك ينسحب على زوجته وأولاده وسائر أهله.

يتبع إن شاء الله

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك