مواطنون ومقيمون فلنحمد الله على الكويت
صحوت من غفوتي على نداء ابنتي ذات العامين "ماما"، نظرت إليها فقالت "ماما شربت الدوا كله" على الرغم من صغر سنها إلا أنها كانت تحسن الكلمات فعباراتها مفهومة. ذهلت صعقت بما سمعت ماذا؟ نعم أصحيح ما تقوله صغيرتي؟ "شربت الدواء كله" كانت تحمل بيدها زجاجة الدواء أخذتها منها لعلي أجد بها قليلا مما تبقى إلا أنني لم أجد شيئاً فيها فعلا الزجاجة فارغة تماماً، بالأمس تم أخذ جرعة واحدة منها، يا للهول ماذا أفعل الآن؟ بحثت في الأرض لعلها سكبت جزءا منها هنا أو هناك تلمست السجاد كل شي جاف لا أثر لأي شيء، وحاولت أن أتأكد وأكثر وأكثر أسألها أكرر سؤالي لها تجيبني بنعم شربت الدواء...يا إلهي هي مصرة أنها فعلت وأنا أصر بالأماني أنها لم تفعل... "الزمن" قبل تسعة عشر عاما "المكان" في إحدى الدول الأوربية، هذه الحادثة عالقة في ذهني على الرغم من مرور هذه السنين الطويلة.
نكمل القصة: «على طول فكرت أكيد» بالذهاب إلي المستشفى لعمل اللازم، البنت في خطر إلا أن المفاجأة التي أدهشتني.. اتصلت حالا بأختي فهي تسكن في هذه البلاد منذ فترة، عندهم بعثة، فأخبرتها بما حدث لابنتي وأخبرتها أن أذهب حالا للمستشفي ردت علي: لا لا تذهبي للمستشفي " شنو حسبالك قاعدة بالكويت" قلت لها »أدري أنا مو بالكويت ويعني ما الفرق؟» قالت لي: الفرق كبير لو تذهبي بابنتك للمستشفي ستعرضين نفسك للمساءلة والتحقيق، أنت في نظر القانون مذنبة تسجل عليك قضية إهمال ووو...كفى كفى ما الحل؟ قلت لها: ما الحل؟ قالت: سأتصرف حالا، اتصلت بصديقتها الأجنبية وكلمت دكتورة عن طريق الهاتف وبدأت أتلقى تعليمات الدكتورة خطوة بخطوة بإجراء إسعافات أولية لابنتي، لحظات صعبة مرت بي كيف أوضع بهذه المعادلة الصعبة، مشاعر الأمومة تُحتّم علي أن أضحي بنفسي من أجل ابنتي، لكن سطوة القانون الذي لم ينصفني جعلني أتراجع عن أقوى المشاعر وأترك ابنتي بين يدي أحاول أن أنقذها وهي في حالة خطرة.
امتزجت دموعي ببكاء صغيرتي ولهجت بالدعاء لربي فهو مخلصي..وزالت مرحلة الخطر حسب تعليمات الدكتورة لأنها دقيقة في وصفها للحالة على الرغم أنها كانت صريحة جدا معي أنه يمكن أن تكون هناك آثار جانبية، لكن الله سلم ولله الفضل والمنة.
سبحان الله! لو كانت في الكويت فأسهل شيء علينا عند تعرض الأطفال للحوادث المنزلية الإسراع بهم إلى المستشفي فهل نحن فرطنا بالقوانين أم هم من فرطوا فيها؟! في الغرب قوانينهم صارمة وبعضها ظالم -لا جعلنا الله مثلهم- يتعاملون مع الإنسان على أنه مادة بلا روح ولا مشاعر ولا أحاسيس، جمود بجمود، ماذا لو يشتكى خادم على أرباب العمل؟ «خلاص» سجن مؤبد..ماذا لو تشتكى أم علي ولدها أو ولد على والدته أو زوجة على زوجها، تقوم القيامة عندهم، فحياتهم تختلف اختلافا تاما عنا، فنحن نعيش بالأمن والأمان ولا يكدر صفو حياتنا سوى الأنانيين الذين يبخلون على الكويت حتى بكلمة الشكر والعرفان، ولا يعكر صفو حياتنا مثلما عند الغرب وبعض بلاد الشرق - والعياذ بالله - انقلابات واغتيالات وتسجيل حالات الاغتصاب كل...
نسأل الله السلامة والعافية لا يؤمنون على أموالهم ولا أعراضهم.
صارت ثقافة التذمر عندنا وهي السائدة هي الصوت الذي يعلو، ولم يكن آباؤنا بهذه الصورة، أتذكر والدي - رحمة الله - دائما كان يحمد الله على بلادنا الكويت وعلى أولياء أمورنا وتربيتنا على كل هذا، والآن فهذا الصوت أصبح خافتا لا يسمع، فهل تخجلون من قول كلمة فيها رفع للروح المعنوية لأهل الكويت؟! تتوقعون من يذكر الإيجابيات من يقول نحن بخير لا يفهم ولا يدرك الأمور ومن يعلي صوته فينا وفينا ويحط كل عيب فينا هو المدرك الفاهم المطلع على بواطن الأمور" إش عرفكم مساكين ما تدرون وين الله حاطكم"، زعزعة الثقة في النفوس هذه أكبر دمار إن كنتم حريصين على ظلال هذه البلد الوارفة التي أوت الجميع وأعطت وأغدقت بالعطاء منذ سنين طويلة، فلا تندموا على فعل الخير ولا تقولوا" عين عذاري تسقي البعيد وتترك القريب"، نعم الكويت أعطت البعيد لكنها لم تنس أهلها، وأهلها إن كانوا من فئة الحامدين الشاكرين أما إن كانوا من فئة الجاحدين فعلاجهم يطول، نعم لن نندم على فعل الخير، الندم يكون على الشر فقط، هذا المبدأ الذي يجب أن يسود عند الجميع، يقول الله تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم}(ابراهيم:7). تقولون التنمية متوقفة. وليس عندنا مستشفيات ما ولا مدارس... ما عندنا وما عندنا، هذا نحيب العاجز الضعيف فما بالكم تحولتم إلى نائحة تندب حالها؟!
أقول لكم: اعملوا، وقدموا، واجتهدوا ولا تتناحروا {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} (الأنفال: 46).
راجعوا خطاب الأمير - حفظة الله ورعاه - مرارا وتكرارا حتى تسير السفينة على بر الأمان نحتاج إلى أفواه ما تنطق إلا بالحكمة، تفكر قبل أن تنطق بالكلمة، نحتاج حسن الاختيار في كل أحوال حياتنا. قدموا لنا أبناء صالحين لهذا البلد وبنات صالحات. اغرسوا في نفوسهم أسمى القيم: الصدق المحبة والإخلاص التضحية والإيثار، ولا تورثوا لهم ثقافة الحسد؛ لأنها حقا مدمرة تدمر صاحبها ومن حولها. اعملوا على تصحيح المسار المعوج بالرّوية والعقلانية. اعملوا على تصويب آثار الأخطاء بالستر والتعريض لا بالفضيحة، هذا ليس معناه أننا ضعفاء فليست القوة بأن نُعرّي ونفضح الانتصار الحقيقي عندما نصلح الأحوال بحق دون أن نخسر أنفسنا ومن حولنا، أما التعرية والفضائح هكذا دون أي إصلاح أو تعديل فليست هديا ربانياً.
ما الفائدة التي جنيتموها؟! لا شيء سوى التأزيم والشّد والجذب والمُحصلة توقف عجلة التنمية التي أنتم تتباكون عليها، فهل أحسستم بنشوة الانتصار الآن؟ على من؟ وضد من؟ أترك الإجابة لكم.
أتذكر قصة مؤثرة جدا لعلها تجد صدى في نفوسكم:
كتبت الكاتبة أم الرجال وهي أم لخمسة أولاد اثنان منهم مصابان بإعاقة بالسمع من فئة الصم تقول: إنها على الرغم من إصابة اثنين من أبنائها بالصمم: إلا أنها تتقوى بأن لديها ثلاثة أولاد أصحاء هكذا فلننظر لنعم الله علينا، هي أكثر من النقم بلاشك لكن الإنسان كما قال تعالى: {إن الإنسان لظلوم كفار} (ابراهيم:34)، وما أروع تصويرها ليوم كبر ولدها وقوي عوده أتاها وهو في حالة الانهيار يصرخ بلا صوت ولا يسمع ما حوله قال لها: لماذا أنا هكذا؟ لم لا أسمع؟ سمعت ما يقوله استشعرت به وما يعانيه، ردت عليه: ألم يهبك الله العينين لترى بهما جمال الدنيا وما فيها وغيرك محروم ما يرى سوى الظلام ألم يهبك الله العقل لترتفع به بآدميتك وغيرك مصاب بالجنون؟ ألم يعطك الله اليدين والرجلين وكثيرا من النعم التي لا تعد و لا تحصى؟ أعطاك الوالدين وغيرك بلا والدين، ولديك كثير من النعم نعمة واحدة فقط حُرمت منها، سُلبت منك واحدة، فلم تتركه أمه حتى أرجعته إلى صوابه، وهاهو ذا ولدها لم ينطو تحت مأساته أبدا بل حول المحنة إلى منحة بالعمل وبالجد والإبداع.
الأجدر بنا أن نلتفت لنعم الله علينا بدل أن نتفنن في عد وتسطير مثالبنا وإخفاقاتنا فاللون الأبيض إن اقتنعت نفسك بأنه أسود فستراه أسود بعينك أنت وحدك، ومن حولك ينظرون إليه على أنه أبيض إلا أنت ستكون وحيداً منعزلاً عن العالم، سيتخلى الكل عنك لأنك تُيئسهم والأكثرية تحب التفاؤل مع العمل، لا نقصد أن ندس رؤوسنا بالتراب لندفن أخطاءنا أبداً ولكن كل شيء بحكمة كما ذكرنا، ولا تقولوا ندفن رأسنا بالتراب كالنعام من الخوف والجبن، "ترا طلع النعام مظلوم" يدفن رأسه ليبحث عن الماء فعلاً لندفن رأسنا بتراب الكويت الغالي لنبحث عن الإنجاز وعن الإبداع وعن الكنوز المدفونة وعن كل شيء رائع وثمين لهذا الوطن الحبيب.
إذاً فلنحمد الله مواطنين صالحين على الكويت، واحمدوا الله أيها المقيمون أنكم في الكويت.
بدأت مقالتي بقصة ابنتي التي لولا فضل الله لفقدتها بسبب قوانينهم المجحفة، هي الآن على أعتاب التخرج في جامعة الكويت، أقدّمها لبلدها الغالي تربت على حب الوطن وعدم الانتقاد والانتقاص الدائم؛ لأن هذا يضعف حب الوطن في النفوس وهذا ما لا نرجوه لأجيالنا، نريدها أن تبني ولا تهدم، تُعلي ولا تُسقط، وجميعاً يا أبناء الكويت ويا بنات الكويت ابتسموا لغد مشرق، فالكويت جميلة بقلوب محبيها.
لاتوجد تعليقات