مواسم الطاعات – مواسم الرحمات
- مواسم الطاعات تذكير بحقيقة الدنيا وزوالها فالعبد ينبغي أن يتنبه أن هذه المواسم إذ تقدم علينا فإنما تقدم علينا بما يمضي من أعمارنا ويتوالى من أيامنا فإنما العبد أيام فكلما مضى منه يوم مضى منه بعضُه
- مواسم الطاعات شهور رحمة وبركة من الله -تعالى- على عباده يفتح الله لعباده فيها سبل الطاعة وييسر عليهم فيها عمل الصالحات
- العاقل من استغل هذه المواسم وجعلها أيام طاعة وإنابة وادخرها لنفسه عند ربه ومولاه واستعان بها على ما بقي من عمره وأيامه
إن مواسم الطاعات هي شهور رحمة وبركة من الله -تعالى- على عباده، يفتح الله لعباده فيها سبل الطاعة، وييسر عليهم فيها عمل الصالحات، وتتجلى فيها تمام رحمة الله بعباده؛ إذ شرع لهم عباداتٍ مخصوصةً يتزودون منها ويتكثرون فيها من العمل الصالح، ثم أعانهم عليها -سبحانه وتعالى-، فما أرحمَه بعباده وما أتمَّ نعمته عليهم!.
والعبد إذا استحضر رحمة الله في هذه المواسم فينبغي عليه أن يؤدي شكر الله -تعالى- ويريَه من نفسه خيرا، ويسابق إلى كل عمل صالح ليكون من الفائزين، وليحظى برحمة أرحم الراحمين.خروج عن المألوفات وتنبيه لأهل الغفلات
مواسم الطاعات خروج عن المألوفات، وتنبيه لأهل الغفلات؛ فهذا عبد يجتهد في وظيفته ليرتقي بها أو لإثبات مكانه، وذاك آخر يسعى في مصالح عياله وتحصيل قوتهم، وآخر يسعى للتكثر من المال والنعم، ورابع للبروز بجاهه والفخر بحسبه، وهم في هذا يؤدون عباداتهم اليومية في جمود وضعف مستمر؛ بل بعضهم مع تكاسل وتقطع، وعجلة الأيام تدور وتدور دون اكتراث أو شعور لحقيقة سعيهم ونتائج كسبهم، حتى تطل عليهم مواسم الطاعات بما تحمله من جليل العبادات؛ فيستعد لها المسلم، ويتهيأ لاستقبالها مع شعوره بالخروج عن المألوف والكسر لرتابة هذه الحياة.اجعلها نقطة تحول لك تجاه ربك
فيا أخي المسلم كما أقبلت عليك مواسم الطاعات بما تتضمنه من أيام فاضلة مميزة ورأيت أنها تخرج بك عن مألوف حياتك، فاجعلها نقطة تحول لك تجاه ربك بالإنابة والرجوع إليه، فحاسب نفسك على ما كان من تقصيرها، واندم على ساعات فرطت فيها في جنب الله، واعزم على الخروج والتخلص من سيئ العادات، وأعلم نفسك بأنك منذ اليوم لن تطيعها في هواها بل مخالف لها إلى ما يحب الله ويرضى، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التحريم 8)، ولا تكن ممن يجري على لسانه كلمات التثبيط وعبارات الضعف والعجز قائلا: «وما الفائدة من هذا الجدّ والصلاح وأنا أعلم أنني عن قديم حالي لن أتغير وفي طاعة الله سأتعثر، إذا انصرمت مواسم الطاعات؟».عبارة الضعفاء
فهذه العبارة إنما هي عبارة الضعفاء، وقيامها في نفس العبد قد يكون أسوأ حالا وأشد قبحا من مقارفته للمعصية وتفريطه في الطاعة؛ فالعبد عليه أن يغتنم هذه المواسم الفاضلة، ويتقرب فيها إلى الله ما استطاع، ويدعوه بجدٍّ وإخلاص أن يعينه على التبدل إلى أحسن حال والاستمرار على طريق الصالحين إلى يوم لقائه -سبحانه وتعالى-، وفي الحديث عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب؛ فاسألوا الله -تعالى-: أن يجدد الإيمان في قلوبكم»، وهذا شأن عباد الرحمن الطامحين الذين يطمحون إلى كل خير ويطلبون كل فوز، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} (الفرقان 74-75)، فهم ما طلبوا الإمامة فحسب وما طلبوا التقوى فحسب، بل سألوا الله أن يجمع لهم بين الأمرين حتى يكونوا أئمة المتقين، وفي الحديث: «فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسطُ الجنة وأعلى الجنة وفوقَه عرشُ الرحمن ومنه تفجَّرُ أنهارُ الجنة» رواه البخاري.مواسم خير وبركة
واجعلها مواسم خير وبركة على أهلك وزوجك وذريتك، فأخرجهم بها من مألوف حياتهم وغير لهم من عجلة الحياة الرتيبة مع ما فيها من غفلات اللهو واللعب، اغتنم هذه الأيام لتعرفهم على خالقهم وتقربهم منه -سبحانه-، ولتبين لهم سمو هذا الدين العظيم والحكم من تشريعاته وعباداته، ولا سيما ما تعلق بأركان الإسلام. كلِّمهم عن رسول الأنام - صلى الله عليه وسلم - وعن صحبه الكرام كيف كانت أيامهم كلها عظيمة وحياتهم حافلة؟ كيف بنوا حضارة خالدة إلى قيام الساعة؟ كيف كان إخلاصهم تميزاً، وهممهم إبداعا وتطويرا؟ وكل هذا بفضل متابعتهم لشرع الله والتمسك بهدي نبي الإسلام فما شكوا في دينهم، ولا ألبسوه ألبسة الحداثة بعد نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، علَّموا الدنيا معنى الرسوخ، وفهموهم حقيقة الثبات، فكانوا أسوة الصالحين حتى الممات؛ فرضي الله عنهم وأرضاهم وجعلهم في نفوس أبنائنا خير القدوات.تذكير بحقيقة الدنيا
مواسم الطاعات تذكير بحقيقة الدنيا وزوالها، فلا شك أن النفوس تبتهج بقدوم هذه المواسم المباركة وتكررها علينا سنين عديدة وأزمنة مديدة، ولكن العبد ينبغي أن يتنبه أن هذه المواسم إذ تقدم علينا فإنما تقدم علينا بما يمضي من أعمارنا ويتوالى من أيامنا، فإنما العبد أيام فكلما مضى منه يوم مضى منه بعضُه. وهذه مواسم وأيام خير تمضي ثم تعود بما يمضي معها من أعمارنا، فالعاقل من استغل هذه المواسم وجعلها أيام طاعة وإنابة، وادخرها لنفسه عند ربه ومولاه، واستعان بها على ما بقي من عمره وأيامه، واعتبر بما مضى وما يستقبل منها قال المولى -سبحانه-: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} (النور 44)، فكم كان بيننا من أقوام عاشوا معنا في سنوات ماضية شاركونا صومنا وجالسونا على موائد فِطرنا، هم اليوم تحت التراب يأملون رحمة الرب التواب الوهاب، ويرجون عفوه وغفرانه!.التنبه إلى مواسم الخيرات.
إن من رحمة الله بخلقه ولُطفه بعباده أن جعَل لهم مواسمَ للخيرات، يكثُر فيها فضله وتعمُّ رحمته، فيا لفوز من تَعَرض لتلك النفحات وأصابته تلك الرحمات، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ لِربِّكم -عزَّ وجلَّ- في أيَّامِ دهرِكم نَفَحاتٍ، فتعرَّضوا لها، لعَلَّ أحَدَكم أنْ تُصيبَه منها نَفحةٌ لا يشقى بعدَها أبدًا»، مواسم الخيرات لا تنقطع بفضل الله -عزوجل-، وها هي ذي تقبل علينا، شهر رجب شهر حرام، وشهر شعبان شهر ترفع فيه الأعمال، ثم رمضان وما أدراك ما رمضان؟ فهل نحن مستعدون لتلك النفحات، متأملون لفضل تلك المواسم؟ ومن ثمرات تلك المواسم: تنشيط النفوس بأنواع العبادات، واستدراك ما فات، وتجديد الإيمان في القلوب، الانتباه من الغفلة، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} (الفرقان: 62)، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: ينبغي للإنسان أن ينتبه أن مواسم الخيرات أوقات ربح للإنسان الموفق، فالموفق ينتهزها بالعمل الصالح المقرب إلى الله -عزوجل-، ولاسيما في رمضان فيجتهد في أداء الصلاة فريضة وتطوعا، وبالزكاة إذا كان الحول قد تم، وبالصدقة وببر الوالدين وصلة الرحم.
لاتوجد تعليقات