من وسائل كيد الشيطان للإنسان التسلط عليه بالوساوس
لقد خلق الله آدم -عليه السلام- بيديه، ونفخ فيه من روحه، وأمر ملائكته الكرام بالسجود له، فسجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس أبى واستكبر، قال -تعالى-: { فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}، ومن ذلك الحين ظهرت عداوة إبليس اللعين، بل تعهد لما ضمن البقاء في الدنيا، ووثق بالإنظار إلى يوم الدين، أن يضل العباد أجمعين إلا من اجتباه الله وجعله من عباده المخلصين، فلا يزال عدو الله ينصب حبائله ويزيد في غوايته لإضلال بني آدم، وصرفهم عن عبادة ربهم وطاعته.
وسائل الشيطان لكيد بني آدم
وإن من وسائل الشيطان التي يكيد بها بني آدم، أن يتسلط عليهم بالوساوس، التي يجدونها في صدورهم، قاصدا بذلك تثقيل العبادة عليهم، ثم صرفهم عنها بالكلية، فيوسوس لهذا في طهارته، ويوسوس لذاك في النجاسات، ويلبس على الآخر في نيته وصلاته وقراءته للقرآن، ويوسوس لأخر في صومه، وآخر في أمر طلاقه، وآمن فراشه، ويبلغ الأمل مبلغه عندما تكون الوسوسة في الإيمان بالله -تبارك وتعالى- فيعتصر الألم قلب المصاب وكأنما يحمل فوقه جبلا خوفا من أن يلقى الله على غير الإيمان به -سبحانه وتعالى-، وكل ذلك من وساوس الشيطان التي يلقيها في صدور العباد، ولا يزال العبد بخير مادام معرضا عنها غير مستجيب لها، وقد أخبر بذلك المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قالت الصحابة يا رسول الله، إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به قال: «الحمد الله الذي رد كيده إلى الوسوسة». وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟» قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ». رواه مسلم.
خطورة الوسوسة
إن من الخطورة أن يستجيب المسلم لوساوس الشيطان مهما بلغت، وقد يخيل الشيطان للمسلم بأنه متعرض للإثم والعقوبة إن لم يستجب لتلك الخطوات، كأن يعيد غسل عضو من أعضاء الوضوء لأجل تلك الوساوس أو تطهير مكان أو ثوب، أو إعادة صلاته أو المبالغة في استحضار النية، أو أن يستجيب لوسواسه فيطلق امرأته وغير ذلك من صور الاستجابة لعدو الله -تبارك وتعالى.
الحذر من الوسوسة
فاحذر يا عبدالله، أن تستجيب لتلك الأوهام، واقطع الطريق عليها من أول الأمر بالإعراض عنها لتجتنب بذلك الوقوع في حبال الشيطان وفخاخه، قال الله -تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.
الالتفات إلى الوسوسة
إن الالتفات إلى الوسوسة ينقلب مرضا يتمكن من الإنسان، عندما يكون محلا قابلا لتلك الوساوس، يتساهل في متابعتها ويسترسل معها وينشغل بالاهتمام بأمرها، كل ذلك برصد إحسان العمل والسلامة من الإثم، ولقد أنزل الله -سبحانه وتعالى- سورة كاملة أمرنا فيها بالاستعاذة من الشيطان الذي وصفه بأنه خناس، يخنس عند الذكر، ويوسوس عند الغفلة، قال الله -تبارك وتعالى- {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)}.
النجاة والعلاج
من أراد النجاة والسلامة والعافية فعليه بالعلاج الناجح، والسبيل النافع، الذي سلكه الموفقون وهو امتثال أمر الله -تبارك وتعالى- وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالاستعاذة والانتهاء وعدم الالتفات إلى الوساوس مطلقا، وأن يلجأ إلى الله -سبحانه وتعالى- بالدعاء ليعافيه من هذا البلاء، ثم لينظر في نفسه قبل أن يصاب بالوسوسة كيف كانت أحواله؟
وينظر في حال من حوله ممن لا يعاني الوسوسة، كيف استقرت أحوالهم واستقرت نفوسهم؟ وعليه أن يشغل نفسه بالنافع المفيد، فالنفس إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر، ولا حرج أن يعرض نفسه على الثقات من أهل الاختصاص، لعل الله أن يرفع عنه البلاء، ويرزقه السلامة والعافية.
لاتوجد تعليقات