رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أحمد الجسار 11 نوفمبر، 2019 0 تعليق

من وحي القرآن: كان مشهودًا


قال الله -تعالى-: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (الإسراء 78). قال عبدُاللهِ بنُ مسعودٍ - رضي الله عنه - عن صلاة الفجر: تشهدها الملائكةُ، حفظةُ الليل والنهار، لا يُوفق إليها إلا من اختاره الله أن يكون من أهلها، الذين يحرصون على فضلها؛ فإنها أضيقُ الصلواتِ المفروضةِ وقتًا، فوقتها من طلوع الفجر الصادق إلى شروق الشمس، وهي لا تُقصر، ولا تُـجمع مع غيرها من الصلوات، لا في حَضَرٍ ولا في سفر.

     الصلاة هي أحب الأعمال إلى الله -تعالى-، قال عبدُالله بنُ مسعودٍ - رضي الله عنه -: سألتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العملِ أحبُّ إلى الله؟ قال: «الصلاةُ على وقتها»، قال: ثم أيٌّ؟ قال: «ثم برُّ الوالدَين»، قال: ثم أيٌّ؟ قال: «الجهادُ في سبيل اللهِ». (متفق عليه)، وإذا كانت الصلاة هي أحب الأعمال إلى الله، فإن صلاة الفريضة أحبُّ إليه من النافلة، كما قال -تعالى- في الحديث القدسي: «وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه». (رواه البخاري).

التحبب إلى الله

     ونحن نود أن نتحبب إلى الله، رجاءً فيما عنده من الثواب، وخوفًا من العقاب، أما هو -سبحانه- فهو غني عنا، ونحن الفقراء إليه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى الهِب وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (17)} (فاطر). {وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد 38)، وفي هذه الأيام تكون صلاة الفجر أسهلَ ما تكون بإذن الله -تعالى-: فالليلُ قبلَها طويل، والجوُّ معتدلٌ والحمد لله، فهذا أفضلُ موسم لمن أراد أن يعود نفسه على القيام لها، وأدائها في وقتها، والموفق من وفقه الله -تعالى-، ولزيادةِ الترغيب بها تعالوا نتعرف على بعض فضائلها، لنكون ممن اختارهم اللهُ أن يكونوا من أهلها.

تجتمع فيها الملائكة

     قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تجتمع ملائكةُ الليلِ وملائكةُ النهارِ في صلاةِ الفجرِ». قال أبوهريرةَ - رضي الله عنه -: اقرؤوا إن شئتم : {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}. (متفق عليه)، ومن صلى الفجر فهو في حفظ الله -تعالى-: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى صلاةَ الصبحِ فهو في ذمةِ اللهِ». (رواه مسلم)، وصلاة الفجر نورٌ تامٌّ في الآخرةِ لصاحبها: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بشِّرِ المشَّائينَ في الظُّلَمِ إلى المساجدِ بالنُّورِ التَّامِّ يَومَ القِيامةِ». رواه الترمذيُّ وابنُ ماجه، واحرص على صلاة الفجر لكي تصيبَكَ بركةُ دعاءِ النبي - صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهمَّ بارِك لأمَّتي في بُكورِها». (رواه أبو داودَ والترمذيُّ وابنُ ماجه).

تدخل صاحبها الجنة

     وصلاة الفجر تدخل صاحبها الجنة وتنجيه من النار: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى البردين دخل الجنة». (متفق عليه). والبردان: هما الصبح والعصر، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لن يلج النارَ أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها». (رواه مسلم). فمن داوم عليهما نجا من النار بإذن الله -تعالى- ورحمته.

تعدل قيامَ الليل

     وصلاة الفجر تعدل قيامَ الليل: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى العشاءَ في جماعةٍ فكأنما قام نصفَ الليلِ، ومن صلى الصبحَ في جماعةٍ فكأنما صلى الليلَ كلَّهُ». (رواه مسلم)، قال عمر - رضي الله عنه -: «لَأَنْ أشهدَ صلاةَ الصُّبحِ في جماعَةٍ أحبُّ إليَّ من أن أقومَ ليلةً». يعني: لو خُيِّر بين قيام الليل وشهود الفجر جماعةً لاختار شهودها، فكيف بمن اختار السهر بلا فائدة؟!

تنفي آفةَ النفاقِ

     ومن فضائل صلاة الفجر أنها تنفي آفةَ النفاقِ من القلب: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أثقلَ صلاةٍ على المنافقِينَ صلاةُ العشاءِ وصلاةُ الفجرِ، ولو يعلمون ما فيهما لأتَوهُما ولو حَبوًا». (متفق عليه)، فانتبه! وابدأ يومَكَ بصلاة الفجر، وابذل الأسباب التي تبلغك ذلك بإذن الله -تعالى-، وإليك بعضَها:

1- العزيمةُ الصادقة

بالمحافظة عليها، وإخلاص النية في ذلك لله -تعالى-. والاستعانة بالله على ذلك، وهذا تصديق قولك: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ فاستعن بالله ولا تعجز.

2- الدعاء

     الذي وعد الله بإجابته: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر 60)، وقال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدعاء هو العبادة». (صحيح الجامع 3407). فلا تغفل عن الدعاء. ادع الله مخلصا أن يوفقك إلى شهود صلاة الفجر، والله يستجيب بفضله ورحمته.

3- البعد عن الذنوب والمعاصي

إن الذنوب تثقل صاحبها عن القيام بالطاعات؛ فأكثر من الاستغفار، واجتنب المعاصي ما استطعت، وكلما أذنبت فاستغفر، قال النبي: «من قالَ: أستَغفرُ اللهَ الَّذي لا إلَهَ إلَّا هوَ الحيَّ القيُّومَ، وأتوبُ إليهِ، غُفِرَ لَهُ، وإن كانَ قد فرَّ منَ الزَّحفِ». (رواه أبو داود والترمذي).

4- النوم المبكر

وعدم السهر فالجسد له حاجات، وهو مطية الروح؛ فلابد من الاعتناء به لتبلغَ الروحُ غايتها؛ ولذلك فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها (متفق عليه).

5- عدم الإكثار من الطعام قبل النوم

وقديما قيل: من أكل كثيرا، شرب كثيرا، فنام كثيرا، فخسر كثيرا، ونعوذ بالله من الخسران.

6- الانشغال بالقيام للصلاة

أن تشغل بالك بهذا الهم، وهو القيام لصلاة الفجر؛ فإذا أَهَمَّ الإنسانَ أمرٌ شغل باله، وربما استيقظ من غير منبه، كمن يكونُ عنده اختبارٌ في الصباح أو موعدُ طائرة، والصلاةُ أهمُّ من ذلك كلِّه.

7- تطبيقُ سُنَنِ النومِ

     تطبيقُ سُنَنِ النومِ الواردةِ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ومنها أن تنامَ على طهارة: فتعود أن تتوضأ وضوءك للصلاة قبل النوم، وليكن الوضوءُ خفيفا لكيلا تستثقله النفس. ومنها الاضطجاع على الشق الأيمن، والدعاءُ عند النوم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت. فإن مُتَّ من ليلتك، فأنت على الفطرة. واجعلهن آخرَ ما تتكلمُ به». (متفق عليه).

ومنها ومن أهمها: قراءة آية الكرسي عند النوم: فمن قرأها عند النوم فلن يقربَهُ شيطانٌ بإذن الله -تعالى-، كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث البخاري.

8- الاستعانة بالوسائل المساعدة

كالساعة المنبهة، وإذا استيقظت فاذكر الله، واستعن به، وقل: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، أي: لا تَـحَوُّلَ مِنْ حَالٍ إلى حال، ولا قوةَ على ذلك إلا بعونٍ من الله -عز وجل.

9- صحبة الأخيار

الذين يعينونك على طاعة الله، ويشجعونك، ويذكرونك. ومن كان أصحابه ممن يشهدون صلاة الفجر فإنه يكون منهم بإذن الله -تعالى-، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل». (رواه أبو داود والترمذي).

10- ذكر نفسك دائما بفضله

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فضل نافلتها، أي الركعتان قبلها، قال: «ركعتا الفجرِ خيرٌ من الدنيا وما فيها». وقال: «لَـهُمَا أَحَبُّ إليَّ من الدنيا جميعًا». (رواه مسلم). وهذه نافلتُها، فكيف بها هي؟!

فجاهد نفسك لشهود صلاة الفجر، وتذكر قول ربك -تبارك وتعالى-: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت 69). والحمد لله رب العالمين.

فتلكم فضائل صلاة الفجر، وبعضُ أسباب المحافظة عليها؛ فاحذر أن تبيع شيئا من دينك بلهو ولذات في هذه الدنيا الفانية:

ولو تُبْصِرُ الدنيا وراء ستورها

                                  رأيتَ خيالا في منام سَيُصرمُ

فجُزْها مَمَرًّا لا مَقَرًّا وكن بها

                                  غريبا تَعِشْ فيها حميدا وَتَسْلَمُ

أخا سفرٍ لا يستقرُّ قرارُه

                                  إلى أن يرى أوطانَه ويُسَلَّمُ

فاللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خيرُ من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، واجعل الجنة هي دارنا.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك