رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. يونس الأسطل 8 أبريل، 2014 0 تعليق

من وحي آية- خيبة اليهود في التصعيد الجديد وعد من الله ذي البطش الشديد


 

فشل الصهاينة في إبطال تقرير (غولدستون) بالضغط عليه، وحمله على التراجع عنه بعبارة تحتمل وجهين من التأويل

 

{إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنفال: 19)

أَوْسَعَنا الاحتلال في الآونة الأخيرة تهديدًا باستئناف الحرب على قطاع غزة؛ بدعوى انطلاق الصواريخ منه تلقاء المستوطنات والمدن القريبة نسبيًا من قطاع غزة، وتحاشيًا للغدر الصهيوني؛ فقد اتفقت الفصائل على الْتزام التهدئة ما دام العدو محترمًا لها، فإذا أقدم - كعادته - على أية خروقات تشاوروا في توقيت الرد وحجمه.

     لكن الذي حدث أن بعض الأفراد غير المنصاعين لسياسة قادتهم لدى بعض الفِرَقِ ظلوا يتفلتون بقذيفة من هنا، وصاروخٍ من هناك؛ بدوافع شتى، قد يكون بعضها نكايةً في قيادتهم؛ لحاجة في أنفسهم، أو حسدًا للفصائل المستحوذة على التأييد الشعبي الكبير، فهم راغبون في اجتذاب بعض الأنصار، ولاسيما بعض حدثاء الأسنان الذين يسهل على أولئك المنفلتين خداعهم ببعض الطلقات باسم التمسك بالمقاومة، بعد أن هجرها أنصار التهدئة - على حَدِّ زعمهم -.

     إنني لا أستهجن أن يكون بعض أولئك المُتَمَحِّكين بالمقاومة من المرتبطين بالاحتلال، وهم يقومون بذلك بالتنسيق معه؛ لإرباك المقاومة، وإعطاء الذريعة للاحتلال في رغبته في استهداف بعض المواقع أو الأشخاص، وربما لصناعة أزلام الشجاعة، تمهيدًا لارتقائهم في سُلَّم القيادة، ليكون الاختراق حتى النخاع.

غير أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله؛ جريًا على سنة الله في الأولين، ولن تجد لسنة الله تبديلًا ولا تحويلًا، وقد تجلى ذلك في جملة أمور، ومن أبرزها ما يلي:

1- ثبت لدينا أن تهديد الصهاينة بالاجتياح الشامل مجرد جعجعة إعلامية، وأن غاية التصعيد ضربات جوية مركزة، لاغتيال بعض المجاهدين، أو لتدمير بعض الأماكن، وبعضها ضربات في العراء.

2- تمخض التصعيد عن تسديد بعض الكلمات للعدو التي أدرك معها أن العدوان له ثمن؛ فإنه إن يمسسكم قَرْحٌ فقد مَسَّ القوم قرح مثله، وإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون؛ ذلك أن معظم الضربات لم تكن عشوائية، ولا أدلَّ على ذلك من استهداف حافلة بقذيفة مضادة للدبابات بإصابة مباشرة.

3- إن الضغوط التي نزلت بساحة الصهاينة، لاسيما من النظام المصري الجديد، قد أسهمت في لَجْمِ العدوان، فضلا عن قمة طارئة للجامعة العربية، كان من أبرز قراراتها المطالبةُ بفرض حظرٍ للطيران فوق قطاع غزة، وهذا كائن لا محالة، ولو بعد حين، ولكنْ بتصعيد المقاومة لا بقراراتٍ دولية.

4- فشل الصهاينة في إبطال تقرير (غولدستون) بالضغط عليه، وحمله على التراجع عنه بعبارة تحتمل وجهين من التأويل، إذْ قال: لو كنت أعلم ما أعرفه اليوم؛ لكان التقرير مختلفًا، فربما كان أشدَّ فضحًا لجرائم الاحتلال.

5- اضطرار العدو إلى تعطيل الدوام؛ بإغلاق المدارس، وعَدِّ الدوائر في إجازة؛ لأن جُبْنَ المستوطنين جعلهم يلزمون الملاجئ.

     أما هذه الآية من الأنفال فقد نزلت بعد معركة الفرقان، تلك التي غلبت فيها الفئة القليلة فئةً كثيرةً بإذن الله، وكان المشركون قبل الالتحام يَدْعُونَ بالهزيمة على أضلِّ الطائفتين، وأقطع الفريقين للرحم، بل كانوا قد خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس، ويصدون عن سبيل الله متوعدين المؤمنين بالاستئصال، وقد نصح بعضهم أبا جهل بأن يوقف الزحف إلى بدر، بعد أن أفلتت قافلة أبي سفيان، فأبى واستكبر، وقال: لا والله لا نرجع حتى نَرِدَ بدرًا، فنشرب الخمر، ونذبح الجُزُر، وتعزف علينا القِيان (المغنيات)، ويتسامع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا، لكنهم قد بَدَّلوا نعمة الله كفرًا، وأَحَلُّوا قومهم دار البوار، فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.

     إن هذه الآية تقول لقريش: إن تستنصروا ربكم على الضالين القاطعين للرحم، فقد عرفتم بهزيمتكم أنكم أنتم الظالمون، فلا تنتكسوا على رؤوسكم، وتعاودوا الكرة، فَتُهْزَموا ثانيَ مرة، فإنكم إن تنتهوا عن العدوان، وتلتزموا التهدئة أو الهدنة والتعايش السلمي، فهو خير لكم، لكنكم إذا ركبتم رؤوسكم، وجربتم حظكم، وعدتم للعدوان؛ فإننا سنعود عليكم بالهزيمة، ولا يغرنكم كثرة فئتكم، فلن تغني عنكم شيئًا ولو كثرت، لا لشيءٍ إلا لأن الله مع المؤمنين، فإنكم حالتئذٍ إنما تقاتلون من لا قِبَلَ لكم به، وهو الله الواحد القهار، وقد أخبر مولانا -عز وجل- في الآيات الفائتة قبل هذه الآية مباشرة أنه هو القاتل، وهو الرامي والمقاتل؛ حين يقاتل عبادُه المؤمنون، وأولياؤه الصالحون، وإذا كان الأمر كذلك؛ فَأَنَّى للكفرة من العرب، أو من أهل الكتاب، ولاسيما إذا كانوا غزاة معتدين، أو كانوا محتلين مستوطنين، أنَّى لهم أن يقاتلوا ربهم، وإنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، وقد يقع هذا في لمح البصر أو هو أقرب؟!!.

     إن كفرة قريش قد تماروا بالنُّذُر، وارتابوا، وتربصوا، وغرتهم الأماني، وفتنوا أنفسهم، حين أوقفوا عِيرَ أبي سفيان التي نَجَتْ على تجهيز جيش للثأر لمن قُتِلوا يوم بدر، فعادوا يوم أُحُدٍ، فصدقكم الله وعده إذْ تَحُسُّونهم بإذنه، لولا خللٌ في الإخلاص والانضباط قد وقع من بعض المؤمنين، فأراد ربك أن يُلَقِّننا دروسًا عظيمة؛ بأن صرفكم عنهم ليبتليكم، ولئلا تحزنوا على ما فاتكم من النصر والغنائم، ولا ما أصابكم من القتل والقرح.

ثم إنهم قد استجابوا للإغراء اليهودي بمعركة الأحزاب، وعادوا يقودون المشركين واليهود والمنافقين في يوم الخندق، فَرَدَّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا، وكفى الله المؤمنين القتال، وصدقهم الله وعده بأنهم لن تغني عنهم فئتهم شيئًا ولو كثرت؛ وإن الله مع المؤمنين.

     ولعله من عجائب القدر أن يلهمنا ربنا -تبارك وتعالى- أن نسمي الرصاص المصبوب بمعركة الفرقان؛ لتكون هذه الآية تصدح في وجه اليهود بالهزيمة, وتزف إلينا البشرى، وقد مضى على الصهاينة أكثر من عامين وهم يتحينون الفرصة للانقضاض علينا، وقد جرت مناوشات عديدة، لكنها لم تَرْقَ إلى مستوى العدوان الأخير، فقد ناهز الشهداء العشرين، وكان الجرحى ثلاثة أضعافهم، ومع ذلك فقد رَدَّ الله الغزاة بغيظهم لم ينالوا خيرًا، وأُكْرِهوا على القبول بالعودة للتهدئة صاغرين.

غير أن الحزم يقضي ضبط الميدان، وتضييق الخناق على الشاذين، والتحفظ على من ضُبِطَ منهم حتى حين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك