من مُسْتَجدَّاتِ العصرِ التي أحدثت تغييرات في مختلف جوانب الحياة – وسائل التواصل الاجتماعي
لا ينكر أحد أن شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة غيرت وجه الحياة المعاصرة، وفتحت آفاقاً جديدة وأحدثت تغييرات عميقة فى مختلف جوانب الحياة، وسمحت بالتواصل مع العالم الخارجي حتى أضحت من الحاجات الملحة التي لا يمكن إنكارها أو الهروب منها، فكل ما يدور حولنا من أخبار وعلوم وتجارة وتعارف وترفيه له علاقة وثيقة بالإنترنت؛ لذلك أصبح هذا العالم الافتراضي جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان اليومية، إن لم يكن عند بعضهم كل حياته اليومية، فمنذ اللحظات الأولى التي يفتح الإنسان عينيه فيها من النوم، وقبل أن ينهض من سريره يستلم الهاتف ويتصفح تلك المواقع، وينتقل للمتابعة في دورة المياه وفي أثناء الجلوس على سفرة الطعام وفي السيارة وفي العمل وفي الديوانية وإلى أن يستسلم إلى النوم مرة أخرى، فهذه حياة الكثير من الناس.
وليس هناك أدنى شك أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت من سمات العصر واخترقت جميع البيوت دون استئذان ودون رقابة، وتستخدمها جميع الفئات والأعمار، فهي أداة فتاكة وسلاح ذو حدين، فكما أنها وسيلة لتعزيز السلوك الإيجابي داخل المجتمع عن طريق تشجيع الفرد على تكوين صداقات والتواصل مع الآخرين والتعرف على كل ما هو جديد في مجال العلوم، وتبادل الخبرات العلمية في جميع المجالات وعلى الأصعدة كافة، إلا أنها أيضا وسيلة فتاكة تفتك بجميع القيم الإيجابية التى ينبغى أن يتمسك بها الفرد ويتمثلها في أخلاقه وسلوكه وعلاقاته.
طفرة هائلة
إن هذه الطفرة الهائلة في عالم التواصل والاتصال صاحبتها مظاهر سلبية كثيرة، تمثلت بزيادة معدلات الطلاق وقطيعة الرحم، وانتشار الشائعات والبذخ والتفاخر والابتزاز، والاستغلال الجنسي وغيرها من المشكلات الاجتماعية المعقدة، كما أنها أصبحت بيئة خصبة لجرائم المعلومات والجريمة المنظمة والإرهاب والجرائم المتعلقة بالأخلاق والآداب العامة، والاستغلال الجنسي للأطفال والاتجار في المواد المخدرة وغيرها من الجرائم والأنشطة غير المشروعة على هذه الشبكات الاجتماعية، وتكمن الخطورة الحقيقية أو التحدي الأكبر الذي يواجه الأسرة والمجتمع في هذا العصر، والمتمثل بتساهل بعض الأسر بتوفير الهواتف الذكية والأيباد وتقديمها للأطفال دون توعية أو رقابة أسرية، مما قد يوقع الطفل بكثير من المشكلات التي قد تؤثر على نموه العقلي والنفسي والاجتماعي.
تأثير مواقع التواصل الاجتماعي
وتعد مواقع التواصل الاجتماعي سلاحا ذا حدين، يمكن استخدامها بنشر الثقافة والقيم الأخلاقية والعلم والتعرف والدعوة إلى الله، كما أنها مدمرة وسلبية إذا استخدمت في نشر الكراهية والشائعات وقطيعة الرحم وضرب الوحدة الوطنية والدعوة إلى الفاحشة والكفر والإلحاد.
التأثيرات الإيجابية والسلبية
وفيما يلي توضيح لبعض التأثيرات الإيجابية والسلبية لهذه المواقع:
أولا: الآثار الإيجابية لوسائل التواصل الاجتماعي
(1) قربت المسافات وسهلت التواصل بين الناس
من خلال وسائل الاتصال الحديثة أصبح بمقدور الناس التواصل فيما بينهم بسهولة، حتى وإن كانوا في بلدان مُختلفة، بسبب تكنولوجيا الاتصال الصوتي والمرئي أيضاً، فقد سهلت التواصل مع الأهل ومشاهدة الأقارب أينما كانوا، فأصبح بإمكان المُغتربين والمبتعثين الاطمئنان على أهلهم في بلد آخر، مما جعل الحياة أسهل للجميع.
(2) سُرعة الحصول على المعلومات
فوسائل الاتصال جعلت عملية الحصول على أية معلومة أسهل وأسرع مما كان في السابق، مما جعلها الوسيلة الأولى للصحافة والإعلام، فلقد أصبح الحصول على المعلومات من بلدان أخرى أمراً سهلاً وسريعاً.
(3) اكتساب الخبرات وتكوين الصداقات
استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي تقديم كل ما يحتاجه المرء من إمكانيات وأدوات لاكتساب الخبرات من جميع أنحاء العالم، كما مكنت الأفراد من تكوين صداقات على مستوى العالم.
(4) التعلم عن بعد
لقد أصبح بإمكان أي شخص الالتحاق بالجامعات والمعاهد والتعلم والتدريب عن بعد بسبب وسائل الاتصال المرئية والصوتية في يومنا هذا، فما على الشخص إلا أن يجلس خلف الشاشة ويستمع لشرح الأستاذ ويتفاعل معه.
ثانيًا: الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي
(1) التفكك الأسري وارتفاع نسبة الطلاق وقطيعة الأرحام
لقد ساهم الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي في ضعف العلاقات والروابط الأسرية، وأضعف التفاعل بين أفراد الأسرة حتى أصبح الطابع الفردي هو السائد، كما ساهمت في ارتفاع نسب الطلاق، وزيادة حدة الخلافات بين الأزواج، وبرود العلاقات العاطفية، واشتعال نار الغيرة والشك، بسبب الانشغال بالأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية بالتواصل مع الآخرين، ناهيك عن الخيانات الإلكترونية والعيش في ظل علاقات رومانسية واهمة أو خيالية، أو حتى علاقات وخيانات حقيقية مما ساهم فى تفكيك أواصر المحبة والمودة بين الزوجين، وقد أظهرت دراسة في دولة الإمارات العربية نقلاً عن قناة العربية أن 50% من حالات الطلاق كانت بسبب وسائل التواصل الاجتماعي.
(2) التباعد العاطفي
نقص الحب والاهتمام أصبح السمة السائدة فى العلاقة بين الآباء والأبناء؛ فكل منهم مشغول بجهازه الخاص؛ ما أدى إلى الحرمان العاطفي، الأمر الذي قد يدفع الأبناء للبحث عن علاقات وهمية كاذبة لإشباع حاجاتهم النفسية لدى الآخرين، أو التوجه نحو المؤثرات العقلية والارتماء في أحضان المجرمين والمروجين والمنحرفين لغياب الرعاية والاهتمام من الوالدين.
(4) نشر الشائعات وإثارة الفتن
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منبرا لنشر الشائعات دون تثبت أو تدقيق بما يتناقله الأفراد فيما بينهم، أو ما قد يترتب عليه من آثار سلبية كبيرة.
(5) تهديد الوحدة الوطنية
من الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعى أنها أصبحت نافذة مفتوحة لبث السموم والفرقة بين أفراد المجتمع على حساب الوطن.
(6) شيوع ثقافة الاستهلاك والبذخ والتفاخر
من الآثار السلبية المترتبة على انتشار استخدام وسائل الاتصال الحديثة أنها أصبحت ساحة للبذخ والتفاخر والتباهي بالملابس والأطعمة والسيارات والمجوهرات، فلا يجلس أفراد الأسرة على طاولة الطعام إلا بعد تصويرها ونشرها، وكأنها أسلوب من أساليب شكر الله على نعمه.
(7) ساحة للفاحشة والانحرافات السلوكية
من الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي أنها ساحة ومتنفس للمنحرفين والباحثين عن اللذة، سواء بنشر ثقافة الشذوذ والانحلال، أم بتكوين الجماعات والقربات وتبادل الأفكار المنحرفة والتعارف، أم بنشر الصور ومقاطع الفيديو، بل أصبحت مصدرا لتهديد بعض الأسر وابتزازها ماديا.
ثالثًا: وسائل التواصل الاجتماعي والجريمة
برزت أشكال جديدة من الجرائم المرتبطة بشبكات التواصل الاجتماعي، منها: الابتزاز الإلكتروني والتهديد والتشهير بالآخرين والتحرش الجنسي، وانتحال صفة الأشخاص ونشر الشائعات وترويج المخدرات والعقاقير الطبية والنصب والاحتيال وغيرها من الجرائم الإلكترونية التي أصبحت خطراً يهدد أمن المجتمع واستقراره، ويساهم في تأصيل السلوك الإجرامي لدى الصغار اعتقاداً من بعضهم أنها من حرية التعبير أو الحرية الشخصية.
رابعًا: وسائل التواصل الاجتماعي والمخدرات
لم يعد ترويج المخدرات مقتصرًا على الوسائل التقليدية، بل أصبحت المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي أحد أهم قنوات ترويج هذه الآفة، ولا سيما بين أوساط المراهقين والشباب لتصبح التحدي الأكبر للمجتمعات الإنسانية دون استثناء، وقد بلغ حجم تجارة المخدرات في العالم إلى 800 مليار دولار سنويا، أو 8% من حجم التجارة العالمية وفقا لما أورده تقرير الأمم المتحدة 2016. تعد وسائل التواصل الاجتماعي البيئة المناسبة لتحرك العصابات الإجرامية لتحقيق الأرباح الطائلة غير المشروعة بسهولة وحرية وعلى نطاق واسع، ولكن الأجهزة الأمنية تتبعها لتحقيق الحماية المجتمعية والأسرية.
شريحة الشباب والمراهقين
وتعد شريحة الشباب والمراهقين من أكثر الشرائح العمرية استهدافاً من المروجين وتجار المخدرات؛ وذلك لسهولة استدراج هذه الفئة وحملهم على تجريب المخدرات، إما بدعوى الحصول على المتعة واللذة أو لمقاومة السهر وعلاج الأرق، أو للحصول على جسم مثالي أو غيرها من الدعايات التي يطلقها المروجون بين أوساط الشباب والمراهقين.
وقوع الشباب في دائرة الإدمان
كما أن هذه الوسائل الحديثة ساهمت بطريقة سلبية في وقوع الشباب في دائرة الإدمان من خلال الرسائل والدعايات السلبية التي تبثها دون قيود، أو رقابة في فضاء مفتوح لكل أطياف المجتمع، الذى يتطلب من أولياء الأمور والأسر بذل المزيد من الجهود ومراقبة أبنائهم وتحصينهم بالقيم والمعرفة والأخلاق الحميدة لتكون حصناً لهم ضد السلوكيات السلبية الكثيرة، ومن بينها استخدام المواد المخدرة لتحرص على تشجيعهم وتوجيههم على الاستخدام الإيجابي والأمثل لهذه الوسائل الحديثة التي باتت موجودة في حياة كل شاب وشابة.
التحدي الأكبر
إنّ التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمع في العصر الحالي انتشار هذه السموم القاتلة بين الشباب والمراهقين من الجنسين، وما يترتب عليها من آثار خطيرة ساهمت بانتشار جرائم السرقة والسلب والعنف وقتل الأقارب فضلاً عن ارتفاع نسب الحوادث المرورية وغيرها من الجرائم المرتبطة بتعاطي المخدرات، الأمر الذي يتطلب ثورة مجتمعية شاملة للوقوف صفا واحد أمام هذه العصابات الإجرامية التي تسعى لنشر هذه السموم بالوسائل المتاحة دون رادع من دين أو خلق.
خامساً: استغلال هذه الوسائلَ في الدعوة إلى الله
والموفق من استغل هذه الوسائلَ في الدعوة إلى الله، ونشر الخير والعلم النافع، والأخلاق العالية، والقيم السامية، والفوائد المتنوعة، والرد على أهل التوجهات الفاسدة، والمذاهب المنحرفة، والبدع الغالية، بعلم وحكمة، والتواصل الجيد النافع مع الأهل والأصحاب، وقضاء الحوائج، ونفع الناس.
وقد وَرَدَ الفضل الكبير لمن دعا إلى الله وبَلَّغَ دينه بأي وسيلة مشروعة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَعَا إلى هُدى كان له من الأجر مثلُ أُجورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذلك من أُجورهِم شيئًا، ومن دَعَا إلى ضَلَالَةٍ كان عليه من الْإِثْمِ مِثْلُ آثام مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذلك من آثامهم شيئا». أخرجه مسلم، وقد نفع الله بهذه الوسائل نفعاً عظيما؛ حيث كانت سبباً للدعوة إلى الإسلام ونشر العقيدة السليمة، والسُنَّةِ الصحية، وكشف الشبهات والبدع والانحرافات، دون عوائق، أو تكاليف ماديَّة، فجزى الله كلَّ من استغلها في نشر الخير، والتحذير من الشر، خير الجزاء.
لكن لابُدَّ من التثبت من صحة المعلومة، وحسن الاختيار، وعدم الإكثار على الناس وإملالهم بكثرة المواعظ والوصايا؛ فإن هذا خلاف السُّنة، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يَتَخَوَّلُنَا بالموعظة في الأيام، مخافةَ السآمة علينا» متفق عليه.
نشر الباطل
والخاسر من وظَّفَ هذه الوسائلَ في نشر الباطل، وترويج المنكر، ولم يكتفِ برؤية الحرام أو سماعه ، بل ينشره من خلال هذه الوسائل، ليراه الآلاف أو الملايين فيتحمّل آثامَهم، وربما بقي بعد موته يجري عليه وِزْرُه، نسأل الله العافية، قال الله -تعالى-: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} (النحل: 25).
النهيُ عن تَتَبُعِ ما لا يعني من أخبار الناس
وقد ورد النهيُ عن تَتَبُعِ ما لا يعني من أخبار الناس، قال - صلى الله عليه وسلم - «إن الله -عزَّ وجلَّ- حرَّم عليكم: عقوقَ الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات، وكَرِهَ لكم ثلاثا: قِيْلَ وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال « متفق عليه، قال النَّووي: «وأما قِيْلَ وقال، فهو الخوض في أخبار الناس وحكايات مالا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم».
مراقبة الله -تعالى
والواجب على من دخل هذا الفضاءَ الواسع وهذه الوسائل المتعددة التي تزيد وتتطور يومًا بعد يوم، أن يراقب الله -تعالى- فيها، ويحذر من غوائلها، قال -سبحانه وتعالى-: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ} (الانفطار: 10، 11).
إذا ما خَلَوْتَ الدّهرَ يوْماً فلا تَقُلْ
خَلَوْتُ، ولكنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
كذلك ينبغي أن يبحث عن الحسابات والمواقع الهادفة المفيدة، التي تزيد معارفه، وتنمي مهاراته، وترفع همته، وتصلح سلوكه، وهي كثيرة جداً ولله الحمد، وليحذر الإنسان من نشر أسرار بيته وتفاصيل حياته؛ لما يترتب على ذلك من آثار سيئة.
أفضل عشرة مواقع إسلامية موثوقة
• موقع الشيخ صالح الفوزان.
•موقع الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله-
•موقع الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله-
•موقع الشيخ عبدالله بن جبرين - رحمه الله-
•موقع الشيخ عبدالكريم الخضير
موقع الشيخ عبدالرزاق عبد المحسن البدر
•موقع ملتقى أهل الحديث.
• موقع الدرر السنية للموسوعة الحديثة والفقهية.
• الموسوعة الفقهية الكويتية.
• المكتبة الإسلامية الشاملة.
وسائل الحماية والوقاية
- الحد من الآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي مسؤولية مشتركة بين الدولة والأسرة، ويتطلب تفعيل الشراكة المجتمعية بين الأجهزة الأمنية وباقي مؤسسات المجتمع.
- تشديد الرقابة على الأبناء ومتابعة حساباتهم الشخصية وطبيعة المواقع التي يتصفحونها.
- عدم التساهل بتوفير الأجهزة الذكية للأطفال دون مراقبة ومتابعة من قبل الوالدين.
- تعزيز دور الأسرة والمدرسة في غرس القيم الوطنية والأخلاقية في نفوس الناشئة.
- إشغال وقت الفراغ الخاص بالشباب والمراهقين ببرامج علمية وتنمية مواهبهم وتفجير طاقاتهم بما يعود بالنفع عليهم وعلى مجتمعهم.
- ضرورة تكوين فريق متخصص لرصد ما ينشر على وسائل التواصل الإجتماعي وتوصيفه وإخضاعه للتحليل والدراسة للكشف عن الحسابات التي تدعو لنشر الفاحشة والرذيلة والمخدرات.
لاتوجد تعليقات