رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عصر محمد الناصر 10 يوليو، 2018 0 تعليق

من مقاصد العلم

 

العلم من جملة الصنائع التي يحتاجها الناس, به تصلح حياتهم، ويطيب عيشهم، وينتظم أمرهم, إلا أنه يجري عليه ما يجري على غيره, حيث يذهب الزمان بمقاصده وغاياته, فيذهب أثره من القلوب، وتجف زهرته وتذبل, فيؤول حال الأعمال إلى ظاهر دون باطن, ولاسيما في أيامنا هذه؛ حيث ارتبط العلم بمجالات الحياة المختلفة، وارتبط بالمال والعمل، واختلف مقياس النبوغ والنجاح, وفي هذه العجالة سنقف مع أهم مقاصد العلم الشرعي, تذكيرا بها وحثا عليها.

     من أعظم مقاصد العلم الشرعي: معرفة الله -سبحانه-, وهو أعظم مقصد خلق لأجله الإنسان في هذه الدنيا, وهو مفتاح العلاقة بين العبد وخالقه -سبحانه-, وهي الركن الأعظم في الشهادة؛ فشهادة المسلم لله -سبحانه- بالوحدانية يقف على معرفته -سبحانه وتعالى-؛ فإنما الشهادة تكون عن علم, وبهذا العلم يدرك الإنسان فقره ويقف على حاجته إلى الله, كما يدرك عظم الله -سبحانه- وغناه وتفرده؛ فهو الغني عن كل شيء, الفقير إليه كل شيء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (فاطر: 15). وأعظم ما يعين على تحقيق هذا العلم والوقوف عليه تدبر آيات الله؛ فقراءة القرآن وفهم معانيه, والوقوف على آيات الله الكونية وعظيم مخلوقاته -سبحانه-, فلا يرد على القلب من العلوم والمعارف أعظم ولا أجلّ مما يتعلق بأسماء الله وصفاته وأفعاله.

     والعلم بالله إذا صح مسلكه أورث القلب خشية وخوفا وحبا وتعظيما, وهو عظيم النفع يحث الإنسان على العمل والسعي إلى الآخرة وسلوك طريقها, فإذا تحقق هذا العلم في القلب أثمر فائدة عظيم وهي معرفة مراد الله -سبحانه- وهو مقصد مهم, فيه معنى العبودية وحقيقتها, وحاجة الإنسان إلى الوحي, وركن ذلك: تصديق الوحي والعمل به, ومعرفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من عند الله -سبحانه-, وقد تقرر أن لله في كل فعل حكما يكون في معرفته والعمل به تحقيق للعبودية, قال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56).

     وقد تقرر أن قيمة الإنسان في هذه الدنيا تكون بمقدار تحقيقه لأمر الله وعمله به على وفق مراده -سبحانه-, وقد سمى الله وحيه روحا؛ لما فيه من معنى الحياة الحقيقية, وسماه نورا؛ لما فيه من معنى الوضوح والبيان، حتى كان من سار بهديه كأنما سار في نور وأمان, قال -تعالى-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الشورى: 52), ولما كان الإنسان ذا حركة لا تتوقف, وكانت ظروفه كثيرة ومتعددة كان من مقاصد العلم النبيلة تلبية حاجة الواقع, ومعرفته تفاصيله كلها: فكلما استطاع العلم الإجابة عن أسئلة الواقع ومشكلاته, عظم أمره وشأنه وشأن حامله؛ ومن هنا عظم شأن العلماء وارتفعت مكانتهم ومنزلتهم.

     وتلبية حاجة الواقع والإجابة عن أسئلته يتطلب حسن تصور كما يتطلب قدرا من الاطلاع على العلوم المختلفة, ولاسيما مع ما يكتنف الحضارة المعاصرة اليوم من إشكالات متعددة, والقصور في تقديم هذه الإجابة هو قصور في فهم الإسلام والدعوة إليه, وذهاب بخصوصية الإسلام وقدرته على مواكبة الزمان ومجرياته.

     ووسيلة ذلك كله بعد معرفة الإسلام: الدعوة إليه والقيام بحقه, وهو مقصد عظيم من مقاصد العلم, فأول مراتب العلم رفع الجهل عن النفس, وهو من واجبات الدين, وتقرير ذلك أن أصل العلم الشرعي هو تلقيه عن واضعه, وهو الله -سبحانه-, وطريقة ذلك معرفة ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -, ومن هنا كان طلب العلم فريضة من الفرائض, وهو أجل وأعظم متطوع به, ونافلة العلم أفضل من سائر النوافل, والتقصير في تعلم العلم مما يلام -عليه المسلم.

     وثاني مراتب العلم نشره بين الناس, وهو من أداء الأمانة والنصيحة للناس والميثاق الذي أخذه الله -سبحانه- على أهل العلم, وهي وظيفة عظيمة جليلة؛ فهي وظيفة الأنبياء –عليهم السلام- وأتباعهم على مرّ الأيام, قال -تعالى-: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} ( آل عمران: 187).

وفي الختام؛ فإن بداية هذه الأمة كانت بالعلم والرسالة, وإنما تبقى هذه الأمة ما بقيت فيها آثار هذه الرسالة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك