رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 14 فبراير، 2022 0 تعليق

من محاضرات كبار العلماء (6) سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حقيقة دعوة … الإمام محمد بن عبد الوهاب

 

نضع بين يدي القراء الكرام هذه المحاضرة، وهي من درر العلامة الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-، وهي في موضوع مهم فيه تجلية لحقيقة دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، في زمن تكاثرت الدعوات المغرضة في الصد والرد عن دعوته السلفية الصافية من البدع والضلالات، وفي ذلك يقول الشيخ: «أخبر النَبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- أن اللهُ - سُبْحَانَهُ - يبعث في هذ الأمة في كل قرنٍ من يجددَّ لها دينها، وكان من المجددين أو أكبر المجددين في القرن الثاني عشر فيما نحسبه كذلك واقعًا من سيرته ومن آثاره العلمية.

     والشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي، من أكبر علماء نجد وهو من بيت علم؛ فآباؤه وأجدادُه وأعمُامه علماء، تلقى عنهم العلم، ثم سافر إلى العراق لطلب العلم، والتقى بعلمائها المحققين، وأخذ العلم عنهم، منهم الشيخ المجموعي، وأراد أن يسافر إلى الشام ولكنه لم يتيسر له ذلك.

 أخبار من رحلته العلمية

     نظر الشيخ -رحمه الله- في مجتمعه بعدما عاد إلى بلاد نجد وتأمل أحوال البادية والحاضرة، فرأى في معتقداتها دخلًا من الشُّبه والعادات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان، تراكمت في عقائد أهل هذه البلاد كغيرها من البلاد الأخرى؛ لأنه كلما تقدم الزمان فشا الجهل وكثرت البدع والمحدثات، إلا أنَّ اللهُ يُقيَّضَ لها من يُبيَّن ضررها على الناس ويدافعها عنهم، ومن أولئكم هذا الإمام الجليل -رحمه الله- بعدما تضلَّعَ بالعلم من خلال الرحلات العلمية التي رحلها وعكف على كتب الشيخين الإمامين: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم، فنهل منها علمًا غزيرًا، زاد ما كان عنده من العلم الذي تلقاه عن علماء وقته، فلم ير بُدا بأن يُبيَّن للناس وأن يدعوهم إلى الله، وهذه مهمة العالم، قال اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}.

 عكوفه على كتب العقيدة

     ثم تابع الشيخ -حفظه الله- قائلا: قام الشيخ -رحمه الله- بعد ذلك بالدعوة إلى الله، والدعوة إلى التوحيد؛ لأن علماء وقته كانوا يهتمون بالفقه، بينما هو انتبه إلى العقيدة، فجدَّ واجتهد، في إماطة ما علق بها من الضلالات والشُّبهات، وجددَّ هذا الدين ووفقه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بما قيَّضَ له من ولاة الأمر الذين بايع إمامهم وجَدهم الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- بايعه على نُصرةِ دين الله والدعوة إلى الله فاتفقا على ذلك، هذا بسلطته وهذا بعلمه.

 الآثار الطيبة من دعوته

     أضاف الشيخ -حفظه الله- فقال: وجعل اللهُ من أثر ذلك خيرًا كثيرًا على هذه البلاد وما حولها، فامتدت دعوة الشيخ إلى خارج بلاد نجد، فامتدت إلى الهند إلى علماء الحديث هناك، وامتدت إلى مصر، ومن آثارها أنصار السُّنة المحمدية، وامتدت إلى السودان، ونفع اللهُ بها نفعًا عظيمًا، وأيقظ الله بها أجيالًا متتابعة لا تزال - وللهِ الحَمَدْ- على هذه الطريقة المحمدية التي جددَّها هذا الإمام، ودعا إليها وبَصَّرَ بها وذلك من فضل الله عليه وعلى الناس.

 الدعوة إلى إصلاح العقيدة

     ثم نبه الشيخ صالح -حفظه الله- إلى أمر مهم فقال: كثيرٌ هم العلماء ولكن قليلٌ من يتجه هذا الاتجاه، وهو الدعوة إلى إصلاح العقيدة، قليلون ولكن هم ثمرةُ العلماء في كل زمانٍ ومكان، فهم مجددَّون هذا الدين ويميطون عن العقيدة ما عَلِق بها من الشُّبهات والعوائد المخالفة وهذا من فضل الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -مصداقًا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ»، فهذا الإمام قام بالدعوة إلى الله وتصحيح العقيدة، وألفَّ الكتب والرسائل، وجلس لطلبة العلم، وهاجر إليه طلبة العلم من مختلف البلاد؛ فأورث ذلك نهضة علمية في هذه البلاد، توارثها من جاء من بعد الإمام وجيله توارثوها، وكان من نتاجها هذه الثروة العلمية الخالصة المفيدة التي بأيدي الناس اليوم.

 ثمار دعوة الشيخ -رحمه الله

     ثم أردف الشيخ صالح -حفظه الله- إلى ما سبق قائلا: وهذه الدعوة ثمارها ظاهرةً نتيجة للإخلاص والعلم الذي نشأت عليه، فالإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- ما باشر الدعوة إلا بعد ما تضَّلع بالعلم على علماء وقته، فقام بالدعوة إلى الله عن صدق وإخلاص وعلم.

 الدعوة والسلطة

     ولما كانت الدعوة تحتاج من يساندها ويعينها من السلطة، ولهذا كان رَسُّول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يعْرِض نفسه على القبائل في موسم الحج فيقول: «مَنْ يُؤْوِينِي مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي». حتى قيَّض اللهُ له الأنصار من المدينة وبايعوه على النُصرة والإعانة، وانضموا إلى إخوانهم من المهاجرين والأنصار حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فانتشرت دعوة الرَّسُّول وتأيدت وانتصرت باللهِ، ثم بالمهاجرين والأنصار من حول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلذلك نحا الشيخ -رحمه الله- هذا المنحى مقتديًا برسول - صلى الله عليه وسلم - فعَرضَ هذه الدعوة على الإمام محمد بن سعود أمير الدرعية في وقته، وكانت بلاد نجد وقتها متفرقة، كل بلد لها أمير تحكم نفسها ولا تخضع للبلدة الأخرى، ولا يهتمون بالعقيدة إلا من شاء الله؛ فلمَّا قامت هذه الدعوة توحدت البلاد كلها من أقصاها إلى أقصاها تحت قيادة واحدة وإمامة واحدة، ببركة هذه الدعوة، ولا تزال -ولله الحمد-، ونرجو الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أن تستمر وأن تقوى وأن تزيد بإذن الله؛ لأنها دعوة نشأت على العلم النافع وعلى العقيدة الصحيحة، وعلى الإيمان الراسخ وعلى الجهاد في سبيل الله لنصرة دين الله فكان لها النجاح ولله الحمد.

 حاجة الناس إلى الدعوة

     ثم قال الشيخ -حفظه الله-: «والناسُ بحاجةٍ إلى الدعوة إلى الله في كُلِّ وقتٍ؛ ولو كان الناس مسلمين ومؤمنين يحتاجون إلى الدعوة إلى الله لتصحيح العقيدة والسير على المِنهاج السليم والعمل الصالِح، فالدعوةُ يحتاجها المسلمون أولًا ثُمَّ أيضًا الكُفَّار لدخولهم في الإسلام، فالإسلام يقوم على أمرين: الدعوة إلى الله والجهاد في سبيل الله-عزَّ وجلَّ-، ولا يَصْلُح الناس دون دعوة، ولو قالوا: الناس مسلمون الناس يعرِفون، لا، يحتاجون إلى دعوةٍ ويحتاجون إلى تبصيرٍ وتعليمٍ وتفقيهٍ في دين الله-عزَّ وجلَّ.

واجب كل مسلم

     وأضاف الشيخ -حفظه الله- فقال: كُلُّ مُسْلِمٍ فإنَّه يجب أنْ يدعو إلى الله-عزَّ وجلَّ- حسبما يُمْكِنه من ذلك، ولو فعل المسلمون هذا لانتشرَّ الإسلامُ في مشارِقِ الأرضِ ومغارِبِها، فهذا أمرٌ عظيمٌ يجب التنَبُّه له، فدعوةُ الشيخ محمد بن عبدالوهاب سارَتْ على هذا المِنوال، يُقَال: إنَّه لمَّا بدأ الدعوة في بلدٍ وضُيِّق فيها وأُخْرِجَ منها خرج إلى البلدة الأخرى وفي يده مروحة يدوية يتروح بها ويقول: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، ويُرَدِّد هذه الآية حتى قَيَّض اللهُ له مَنْ نَصَرَهُ وأعانهُ وقام معه، فبارك اللهُ هذه الدعوة وجعل لها أثرًا عظيمًا في الأُمَّةِ، وانتشرت حتى في خارج هذه البلاد كما هو معلومٌ، والمسلم يكون داعيةً إلى الله في أي بلدٍ يذهب إليها، يكون داعية أولًا بعمله وأخلاقه وتعامُلِهِ، ويكون داعية بعِلْمه وفِقْهه وما آتاهُ اللهُ من البصيرة، يكون داعيًا إلى الله-عزَّ وجلَّ.

 العقيدة أولاً

      ثم قال الشيخ -حفظه الله-: «الدعوةُ لابُدَّ أنْ تبدأ بالعقيدة، قال-  صلى الله عليه وسلم - لِمُعاذِ بن جَبَلٍ لمَّا بَعَثَهُ إلى اليمن، قال له: «إنَّكَ تأني قومًا مِنْ أهلِ الكتاب، فليَكُن أوَّل ما تدعوهم إليه شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، فإنْ هم أجابوك لذلك فأعلِمْهُم أنَّ اللهَ افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإنْ هم أجاوبك لذلك فأعلِمهُم أنَّ اللهَ افترض عليهم صدقةً تُؤخَذ مِنْ أغنيائهم وتُرَدُّ في فقرائهم»، فهذا فيه التدرُّج في الدعوة وأنَّه يُبدأ فيها بالعقيدة، فأي دعوة لا تبدأ بالعقيدة فهي دعوةٌ فاشِلة ولا فائدة منها، فالدعوات التي تُنَحِّي العقيدةَ وتُبْعِدُها وتدعو إلى الأخلاق الفاضلة وإلى التعامل الطيب وهكذا هذه دعوة لا فائدة منها، لأنها أهْمَلَت الأساس والرأس، إذا فُقِدَ الرأسُ فبماذا ينفع بقية الجسد؟ فيُبدأ بالعقيدة أولًا، يُبْدَأ بتبصير الناس في عقيدتهم، ثُمَّ بعد ذلك بأمور دينهم؛ بالصلاة والزكاة وبقيَّة أمور الدِّين، التدرُّج في الدعوة شيئًا فشيئًا هذا أمرٌ مطلوبٌ، فدعوةُ الشيخ محمد بن عبدالوهاب هي على هذا المنهج السليم النبويّ الذي أرشد إليه النبيُّ-  صلى الله عليه وسلم .

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك