رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 29 يناير، 2022 0 تعليق

من محاضرات كبار العلماء (4) سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – السلفية حقيقتها وسماتها

 

 

من عيون محاضرات العلامة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله- هذه المحاضرة النافعة (السلفية حقيقتها وسماتها)؛ حيث بين فيها الشيخ ضرورة التمسك بالسنة الغراء، وأشار إلى أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه سيَحْصُل افتراق في هذه الأمة كما حصل في الأمم السابقة، وأوصانا -صلى الله عليه وسلم - عند ذلك أن نتمسك بما كان عليه -صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه، قال -صلى الله عليه وسلم -: «افترَقَتِ اليهود على إحدى وسبعين فِرقة، افترقتِ النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فِرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».

     وقال -عليه الصلاة والسلام-: «فإنه من يعِش منكم فسيرى اختلافا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وفي رواية: وكل ضلالة في النار»، هكذا أوصانا رسول الله -[- أن نَلزم ما كان عليه هو وأصحابه عند حصول الاختلاف والافتراق؛ لأنه لابد أن يقع وقد وقع كما أخبر به - صلى الله عليه وسلم -، فطريق النجاة هو التزام ما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، هذه الفِرقة هي الناجية من النار، وسائر الفرق كلها في النار.

كيف يتحقق اتباع السلف الصالح؟

     ثم تابع الشيخ حديثه قائلا: من صار على منهج القرون المفضلة ولو كان في آخر يوم من الدنيا فإنه ينجو ويسلم من النار، والله -عز وجل- قال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، فالله -جل وعلا- ضَمن لمن اتبع المهاجرين والأنصار بهذا الشرط (بِإِحْسَانٍ) يعني بإتقان لا دعوى أو انتساب من غير تحقيق إما عن جهل أو عن هوى، فليس كل من انتسب إلى السلف يكون محقا حتى يكون اتباعه بإحسان، هذا شرط شرطه الله -عز وجل-، والإحسان يعني الإتقان والإتمام، وهذا يتطلب من الأتْباع أن يدرسوا منهج السلف وأن يعرفوه ويتمسكوا به، فكم ممن يدعي السلفية وأنه على منهج السلف وهو على خلاف ذلك!

أمران لابد منهما في اتباع منهج السلف

ثم أضاف الشيخ الفوزان قائلاً: من صار على منهج السلف يحتاج إلى أمرين: الأمر الأول: هو معرفة منهج السلف، والأمر الثاني: هو التمسك بهذا المنهج مهما كلفه ذلك؛ لأنه سيلقى من المخالفين أذى وتعنُّتا، ويلقى اتهامات، ويلقى ألقابًا سيئة، لكن عليه أن يصبر على ذلك، فلا تهزه الأعاصير ولا تغيره الفتن فيصبر على ذلك إلى أن يلقى ربه.

الاهتمام بدراسة منهج السلف

     وهذا يستدعي منا الاهتمام بمعرفة منهج السلف ودراسته في العقيدة والأخلاق، فهو المنهج الذي عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعليه من اقتدى بهم وسار على منهجهم إلى أن تقوم الساعة، قال -صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي» -هؤلاء هم السلف وهم السلفيون- «على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى» فقوله: «لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم» يدل على أنه سيكون من يخالفهم، ويكون من يخذلهم، ولكن لا يهمهم ذلك بل يأخذون طريقهم إلى الله -عز وجل- ويصبرون على ما أصابهم، كما قال لقمان لابنه وهو يعظه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.

هذا منهج السلف

     هذا منهج السلف وهذا سَمْتهم وهذه صفتهم، والله -جل وعلا- قال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والله -جل وعلا- فرض علينا في كل ركعة من صلواتنا أن نقرأ سورة الفاتحة وفي آخرها {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} الصراط المستقيم الذي هو صراط الله -عز وجل-، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً}، (اهْدِنَا الصِّرَاطَ) أي دلنا وأرشدنا وثبتنا على الصراط المستقيم {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، من هم الذين يسيرون عليه {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً}، هؤلاء هم رفقاؤك على هذا الصراط الذي تسير عليه {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً}، فلا تستوحش وأنت على هذا الصراط؛ لأن صحبك ورفقاءك هم خيار الخلق فلا تستوحش ولو كثرت الفرق وكثر المخالفون لا تلتفت إليهم؛ لأنك مقتنع بما أنت عليه وهو صراط الله -عز وجل-: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، أي غير صراط المغضوب عليهم ولا الضالين، المغضوب عليهم هم الذين عندهم علم ولم يعملوا به مثل اليهود عندهم علم ولكنهم لم يعملوا به، والعلم إذا لم يُعمل به صار حجة على صاحبه يوم القيامة.

شروط نيل العلم

     وبين الشيخ الفوزان شروط نيل العلم فقال: العلم بالتعلم ولا يمكن الحصول على العلم دون التعلم عن العلماء، والعلم قبل القول والعمل، قال الإمام البخاري -رحمه الله في صحيح البخاري-: بابٌ: (العلم قبل القول والعمل) ثم ذكر هذه الآية: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، اعلم أنه لا إله إلا الله، تعلم أولا ثم استغفر واعمل بعد ذلك، فلابد من العلم، العلم هو الدليل إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ فالله أنزل الكتاب وأرسل الرسول ليدلنا على الطريق الصحيح الذي نسير عليه وهو العلم النافع والعمل الصالح، والله -جل وعلا- قال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ}، الهدى هو: العلم الحق، ودين الحق هو العمل الصالح، فلابد من جمع الأمرين العلم النافع والعمل الصالح، هذا الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالعلم والعمل قرينان متلازمان، فلابد أن يكون العمل مؤسسًا على علمٍ وعلى بصيرة، ولابد للعالم أن يعمل بعلمه وإلا فالعالم الذي لا يعمل بعلمه والعامل الذي لا يسير على علم كلا منهما هالك، وهذا هو الذي بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهذه هي السلفية الصحيحة، وهذه سمات السلف الصالح: العلم النافع والعمل الصالح.

شروط قبول العمل

     وبين الشيخ الفوزان شروط قبول العمل فقال: إنما يقبل العمل بشرطين: أن يكون خالصا لوجه الله، وأن يكون صوابا على سنة رسول الله، قال -تعالى-: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ}، أسلم وجهه هذا هو الإخلاص البراءة من الشرك وأهله، وهو محسن أي متبع للرسول - صلى الله عليه وسلم - تاركا للبدع والمحدثات، وإنما يعمل بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم - {فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}، فهذا هو منهج السلف وهو مأخوذ من الكتاب والسنة.

الكتاب والسنة مصدر منهج السلف

     ثم أرشد الشيخ -حفظه الله- إلى أمر مهم؛ فقال: لا تقل من أين آخذ منهج السلف؟ يا أخي الكتاب والسنة هما اللذان يعرفانك منهج السلف، وأيضا لا تأخذ من الكتاب والسنة إلا بواسطة العلماء الراسخين في العلم لابد من هذا، فالذي يريد أن يسير على منهج السلف لا بد أن يلتزم بهذه الضوابط الشرعية، وإلا كثير اليوم من يدعون أنهم على منهج السلف وهم على ضلالة وعلى أخطاء كبيرة وينسبونها لمنهج السلف، فلذلك صار الكفار والمنافقون والذين في قلوبهم مرض يسبون السلفيين، وكل جريمة وكل تخريب وكل بلاء يقولون هؤلاء هم السلفيون، بينما السلفية بريئة منه كل البراءة، والسلف برآء منه وليس هو على منهج السلف، إنما هو على منهج الضلال وإن تسمَّى بمنهج السلف، فيجب أن أفرق بين التسمي والحقيقة؛ فهناك من يتسمى من غير حقيقة فهذا ليس سلفيا والسلف برآء منه.

منهج السلف منجاة من الفتن

     منهج السلف علم نافع، وعمل صالح، وأخوة في دين الله -تعالى-، وتعاون على البر والتقوى، هذا منهج السلف الصالح الذي من تمسك به نجا من الفتن والشرور، وانحاز إلى رضى الله -سبحانه وتعالى- {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ}، قال الإمام مالك -رحمه الله-: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها»، ما الذي أصلح أولها؟ هو الكتاب والسنة، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بالكتاب والسنة، والكتاب والسنة -ولله الحمد- موجودان لدينا، ومحفوظان بحفظ الله -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.

حقيقة الانتساب إلى منهج السلف

ثم قال الشيخ -حفظه الله-: وأما من يدعي الانتساب إلى السلف من غير حقيقة أو يقلد من يدعي السلفية وهو ليس على منهج السلف فهذا يضر منهج السلف، والمشكلة أن هذا ينسب إلى السلف وينسب إلى السلفية، وهذا كذب وافتراء على السلف، وكذب وافتراء على السلفية سواء تعمد هذا أم لم يتعمده؛ فهو إما صاحب هوى وإما جاهل.

والدعاوى إذا لم يقيموا

                            عليها بينات أهلها أدعياء

     فلابد لمن يدعي أو ينتسب إلى السلف أن يحقق هذا التسمي والانتساب بأن يتمثل منهج السلف في الاعتقاد وفي القول والعمل والتعامل؛ حتى يكون سلفيا حقا ويكون قدوة صالحة، يمثل مذهب السلف الصالح، فمن أراد هذا المنهج فعليه أن يتعلمه، وأن يعمل به في نفسه أولا، وأن يبينه للناس، هذا هو طريق النجاة وهذا هو طريق الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة من كان على مثل ما كان عليه الرسول  -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وصبر على ذلك وثبت على ذلك ولم ينجرف مع الفتن ولا مع الدعايات المضللة، ولم تهزه الأعاصير، بل يثبت على ما هو عليه حتى يلقى الله ربه -سبحانه وتعالى.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك