رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 26 ديسمبر، 2021 0 تعليق

من محاضرات كبار العلماء (3) سماحة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – منهج السلف الصالح وحاجة الأمة إليه

 

في محاضرة نفيسة لسماحة الإمام الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله- تحدث فيها عن: (منهج السلف الصالح وحاجة الأمة إليه)؛ حيث بين أنَّ المراد بالسلف الصالح: القرن الأول من هذه الأمة، وهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار قال الله -جل وعلا-: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وقال في الذين يأتون من بعدهم: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

     ثم من جاء بعدهم وتتلمذ عليهم من التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم من القرون المفضلة التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ « قال الراوي: «لا أدري ذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة»، وعصرهم يسمى ويمتاز على من بعدهم بـ: (عصر القرون المفضلة)، هؤلاء هم سلف هذه الأمة الذين أثنى عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»، فهم القدوة لهذه الأمة، ومنهجهم هو الطريق الذين يسيرون عليه في عقيدتهم، وفي معاملاتهم، وفي أخلاقهم، وفي شؤونهم جميعها، وهذا المنهج مأخوذ من الكتاب والسنة؛ لقربهم من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولقربهم من عصر التنزيل، وأخذهم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهم خير القرون ومنهجهم خير المنهاج.

 معرفة منهج السلف وتعلمه والعمل به

     ثم بين الشيخ الفوزان أنه لا يمكن السير على منهج السلف إلا بمعرفته وتعلمه والعمل به، ولهذا قال -جل وعلا-: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} يعني: بإتقان، ولا يمكن اتباعهم بإحسان إلا بتعلم مذهبهم ومنهجهم، وأما مجرد الانتساب إلى السلفية من غير معرفة بها وبمنهجها فهذا لا يدري شيئا، بل قد يضر، فلابد من معرفة منهج السلف الصالح، ولهذا كانت هذه الأمة تتدارس منهج السلف الصالح وتتناقله جيلا بعد جيل، فكان يدرس في المساجد، ويدرس في المدارس وفي المعاهد والكليات والجامعات، فهذا هو منهج السلف الصالح، وهذه الطريقة لمعرفة منهج السلف الصالح الصافي.

طريق النجاة إذا اختلف الناس

     وأضاف الشيخ الفوزان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه سيكثر الاختلاف في هذه الأمة وذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافَترَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَستَفْتَرِقُ هذه الأمة عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي»، هذا منهج السلف الصالح ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما كان عليه أصحابه، فهذا الطريق هو طريق النجاة، فإذا اختلف الناس وكثرت المذاهب وكثرت الطرائق والفرق والأحزاب، فمسلك النجاة يكون بالتمسك بمنهج السلف الصالح، تتمسك به وتصبر عليه حتى تلقى الله -سبحانه وتعالى.

موعظة بليغة

     وجاء أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعظ أصحابه موعظة بليغة آثرت فيهم وبكت منها العيون فقالوا يا رسول الله: كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا مجدعا، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة «هذه وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته أن تسير على منهج السلف الصالح؛ لأنه طريق النجاة، وهذا كما في قوله -جل وعلا-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، تتقون النار، وتتقون الضلال، وتخالفون الفرق الضالة، وتسيرون على المنهج السليم حتى تلحقوا بنبيكم - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه وأتباعه، ومن يتمسك بهذا ولا سيما في آخر الزمان، فسيلقى تعبا من الناس والمخالفين، وسيلقى تأنيبا وتهديدا فيحتاج إلى صبر، كما أنه سيلقى من المغريات الصارفة، وكذلك تهديدات من الفرق الضالة والمناهج المنحرفة، فكل ذلك يحتاج إلى صبر، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: « بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاس وفي رواية: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاس»، وأيضا جاء أن المتمسك بدينه في آخر الزمان كالقابض على الجمر « لأنه يلقى أذى، فليس هذا الطريق مفروشًا بالورود فلابد من الصبر والثبات حتى تلقى ربك -عز وجل- وأنت عليه لتنجو من الضلال في الدنيا، ولتنجو من النار في الآخرة، فلا طريق إلا هذا، ولا نجاة إلا بسلوك هذا.

دعاء عظيم

     ولهذا فرض الله علينا أن نقرأ سورة الفاتحة في كل ركعة من صلواتنا فريضة أو نافلة، وفي آخرها هذا الدعاء العظيم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}؛ لأن هناك طرقا منحرفة خادعة؛ فأنت تسأل الله أن يجنبك هذه الطرق، وأن يدلك على الصراط المستقيم ويثبتك عليه في كل ركعة لأهمية هذا الدعاء، ومن هم الذين يسيرون على الصراط المستقيم؟ هم الذين أنعم الله عليهم: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ومن هم الذين أنعم الله عليهم؟ هم من قال الله فيهم: {مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً}، وإذا سألت الله أن يهديك هذا الصراط تسأل الله أن يجنبك الطرق الضالة، والطرق المنحرفة:

أ - {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وهم اليهود الذين علموا الحق ولكنهم لم يعملوا به، وكل من سار على نهج اليهود من هذه الأمة، ممن عرف الحق ولم يعمل به فهو على طريق المغضوب عليهم؛ لأنه عرف الحق ولم يعمل به، أخذ العلم وترك العمل، وكل عالم لا يعمل بعلمه فهو من المغضوب عليهم.

ب -{وَلا الضَّالِّينَ} وهم: الذين يعبدون الله على جهل وضلال، لكنهم على غير طريق صحيح، وعلى غير دليل من الكتاب والسنة. فهذا دعاء جامع نردده في كل ركعة من صلواتنا، فلنتأمل معناه وندعو به مع حضور قلب وفهم لمعناه؛ حتى يستجاب لنا، يقال بعد الفاتحة آمين، وآمين معناها: اللهم استجب، فهو دعاء عظيم لمن تأمله.

لايجوز التخذيل عن منهج السلف

     ثم عرج الشيخ -حفظه الله- إلى قضية مهمة فقال: الآن يخذلون عن منهج السلف في الصحف والمجلات والمؤلفات، ويتنقصون أهل السنة والجماعة السلفيين الحقيقيين قائلين: «إنهم متشددون، إنهم تكفيريون»، لكن هذا لا يضر، لكن يؤثر على الإنسان الذي ليس عنده صبر وقوة عزيمة.

- ومنهم من يقول: من السلف؟ السلف إنما هم طائفة مثل سائر الطوائف، فرقة مثل سائر الفرق، حزب مثل سائر الأحزاب، ما لهم ميزة! هكذا يقول بعضهم.

- ومنهم من يقول: لسنا مكلفين بفقه السلف، ونحن من نشق طريقنا، ونحن نستنبط الأحكام من جديد، وأن فقه السلف فقه قديم، ومن ثم لا يصلح في هذا الزمان، بل هو صالح لزمانهم؛ فيزهدون في فقه السلف، ويدعون إلى فقه جديد، كثر هذا في الجرائد والمجلات من الكُتاب وأهل الضلال، يريدون أن نترك مذهب السلف وفقه السلف وعلم السلف، ونحدث فقهاً جديدا كما يقولون وهذا كذب، وشريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة، فمنهج السلف صالح لكل زمان ومكان، فهو نور من الله -عز وجل-، فلا يزهدك فيه كلام هؤلاء المخذلين الضالين، قال الإمام مالك -رحمه الله- يقول: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح به أولها» والذي أصلح أولها هو الكتاب والسنة واتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهذا هو الذي أصلح أول الأمة ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.

دعاة على أبواب جنهم

     وأضاف الشيخ -حفظه الله- قائلا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - تخوف من دعاة الضلال الذين يريدون أن يصرفوا الناس عن منهج السلف، وأخبر أنهم دعاة على أبواب جنهم، من أطاعهم قذفوه فيها، واليوم كثرت الوسائل التي تنشر الشر بين الناس، وهي وسائل شر دقيقة تصل إلى الناس في بيوتهم، وعلى فرشهم تدعو إلى الضلال، وكثر من يتعالم ويدعي العلم والمعرفة وهو لم يتلق العلم عن مصادره وعن أصوله، بل يتلقاه عن أمثاله أو من الكتب أو من الثقافة كما يقولون، وهذا ليس موصلا إلى الخير ولا إلى الطريق الصحيح، فيلزم الحذر الشديد من هؤلاء، وكلما يتأخر الزمان، تشدد الغربة، وتكثر الفتن؛ فيحتاج المسلمون إلى عناية أكثر بمنهج السلف، وذلك لا يمكن إلا بالعلم النافع والعناية بالدراسة، وأن يتلقى عن العلماء المعروفين به، المستقيمين على الطريق الصحيح، تجنبوا هذه الطرق المنحرفة التي حذرنا الله منها: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك