رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 22 يناير، 2023 0 تعليق

من مؤلفات الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله – كتاب: (الشخصية المسلمة بين التميز والتحيز)

قراءة في كتاب

إعداد:

د. خالد سلطان السلطان

خالد بكري محمد

 

 

بعد رحلة طويلة ومشرقة قضاها شيخنا الوالد عبدالله بن خلف السبت -رحمه الله- في مجال العلم والدعوة إلى الله، حتى انتهت هذه الرحلة المباركة -بقدر الله- بوفاة شيخنا في 19شوال 1433 الموافق 7/9/2012؛ فتوجهت الهمة لجمع مؤلفات شيخنا الراحل؛ فأخرج د.خالد جمعة الخراز، و د. خالد سلطان السلطان مجموع مؤلفات الشيخ عبدالله بن خلف السبت، وهو أول عمل جمع علوم الشيخ -رحمه الله- كان ذلك في عام 1438/2017، وكان عمل الباحثيْن هو جمع كتب الشيخ ورسائله وترتيبها بحسب سنة الطبع والتعليق عليها بالتخريج لأحاديثها، وشرح بعض الغريب من كلماتها، وتصويب أخطائها الطباعية، مع إعداد ترجمة مختصرة لمؤلفها -رحمة الله هليخ وأسكنه فسيح جناته وجزاه الله خير الجزاء.

     بين أيدينا اليوم قراءة في الإنتاج العلمي الثاني عشر للشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- وهو كتاب (الشخصية المسلمة بين التميز والتحيز) الذي طبع عام 1418 هـ - 1998م.

سبب التأليف

     إظهار الهوية التي نسير عليها، وهي: منهج الصحابة - رضوان الله عليهم - قال -تعالى-: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء:115)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الفرقة الناجية: من هي يا رسول الله؟ قال: «الجماعة»، وفي رواية: «ما أنا عليه وأصحابي».

     وهي دعوة صادقة لبيان منهج الشخصية المسلمة المنشودة، لتدل القارئ على موضوع مهم ينبغي أن نشارك جميعاً في الدعوة إليه لبناء الأفراد والأمة وفق منهج السلف الصالح.

شخصية هذه الأمة

     إن الله -سبحانه وتعالى- لما أرسل رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أراد -جل وعلا- أن تكون هذه الأمة أمة مميزة ظاهرة بارزة، وتخالف جميع الأمم في كل شيء، أراد -سبحانه- أن تكون لهذه الأمة شخصية واضحة، ولذلك كان من حرصه - صلى الله عليه وسلم - مخالفة اليهود والنصارى والمشركين في كل شيء، حتى قالت اليهود: «ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه».

     والصحابة -رضوان الله عليهم- تربوا على التميز، فوجدت في الأمة شخصية مميزة يُعرف بها المسلم في كل شيء في حياته (في أكله، وفي شربه، وفي لباسه، وفي بيته، فهو مميز).

     هذه الشخصية السنية السلفية حافظ عليها الصحابة -رضوان الله عليهم-، وحافظ عليها من تبعهم من أئمة الدين، هذه الشخصية البارزة المميزة برزت جلية في الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين.

من صفات الصحابة -رضوان الله عليهم

1 - الانقياد المطلق لله ورسوله:

     الصفة الأولى لهم هي: الالتزام التعبدي بما أمر الله -عز وجل-، وإن لم يعقلوا المعنى، فإذا قال الله، قالوا: سمعنا وأطعنا، وإذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم - قالوا كذلك، ومن النصوص في ذلك ما جاء عن أنس - رضي الله عنه - قال: «كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم - مناديًا ينادي: ألا إنَّ الخمرَ قد حُرِّمَتْ، قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة...»، هذه صفة كانت عند الصحابة -رضوان الله عليهم- وعند التابعين كذلك، فلا يدخلون عقولهم في تأويل أو فلسفة إذا ما سمعوا عن الله ورسوله أمرًا، وشعارهم دائمًا سمعنا وأطعنا.

     هكذا كان هديهم -رضوان الله عليهم-؛ لذلك لم يكن لعلم الكلام، أو الفلسفة مكان عندهم، وكلامهم موجز يُشبه كلام النبوة، ومن تتبع آثار الصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم- في أقوالهم، ولاسيما في كتب العقائد القديمة والفقه، يرى كلامًا موجزًا خاليًا من التعقيد.

2- الإيمان الجازم بأن الله يعلم الغيب ويريد لهم الخير

     الصحابة -رضوان الله عليهم- يعلمون يقينًا بأن الله -سبحانه وتعالى- يعلم الغيب، وأنه -تعالى- يعلم كل شيء، وأنه -سبحانه- لو كان هناك شيء في خدمة الدين لأخبرنا به، قال -تعالى-: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الحجرات: 16)، فالصحابة لم يكثروا المسائل، ولكنهم أكثروا العمل، أما واقع المسلمين اليوم: فقد كثرت المجلدات والكتب والقضايا وكثر الوعاظ، وقل العمل.

3- محاربة البدعة والانحراف في الدين:

     كان بينهم وبين أي انحراف في الدين عداوة بارزة؛ ولذلك ترى عندهم حساسية عجيبة مما يسمى: بالبدعة، حتى وإن كان ظاهر العمل ليس فيه شيء، والتابعون لمنهجهم ساروا على ذلك.

4- المحافظة على التوحيد ومحاربة الشرك:

     لقد حرص الصحابة -رضوان الله عليهم- على حماية العقيدة بوسائل شتى ومتعددة، ومن ذلك: دقة اللفظ للمتكلم، والإنكار على من صدر منه لفظ مخالف للشرع دون النظر لنية المتكلم، لذا لزم على من سلك درب الدعوة إلى الله -سبحانه- أن يحرص على سلامة لفظه، وأن يحرص على إصلاح مناكر الألفاظ وأخطائها عند الآخرين، وأعمالهم أيضًا، كما جاء في الحديث: «أن رجلا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله عدلاً ؟ قل ما شاء الله وحده».

تصحيح العقيدة لا يحتمل التأجيل

      انظر إلى القوة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتصحيح المسار وعدم تأخير الإنكار لوقت آخر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن تصحيح العقيدة لا يحتمل التأجيل، كما في حديث الترمذي عن أبي واقد الليثي: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى خيبر مرَّ بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط، يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: {اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ}، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم».

     إخواني: هذه العبارة ما قيلت عبثًا، وإنما لتصحيح المسار؛ فهذا الدين إذا سمح بواحدة، يمكن أن يسمح بأخرى؛ لذلك فإن السلف الصالح تأدبوا بأدب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أدبوا من بعدهم، ولذلك لا ترى في أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم ألفاظًا شركية ولا ترى حتى في ألفاظ السلفيين في هذا العصر ألفاظًا شركية، في دروسهم، أو مؤلفاتهم أو خطبهم، وأنت يمكن أن تعرف هذا من غيرهم؛ حيث ترى ألفاظًا شركية، أو بدعًا، أو أحاديث ضعيفة أو مكذوبة، وهذا يدل على تمايز السلف -رضوان الله عليهم-، وتمايز من سار على دربهم من بقية الناس.

لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها

      البدء بإيجاد هوية للأمة من جديد أمر مطلوب، ونحن لا نبتكر هوية جديدة ومفاهيم جديدة، ولا نوجد قضايا جديدة، وإنما أمر بمعروف ونهي عن منكر، قال -تعالى-: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ» (آل عمران:110)، وكما قال الإمام مالك -رحمه الله-: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها»، هذا واجبنا في هذا العصر، فمن كانت عنده سنة فليظهرها، فإن من واجب الدعاة أن يحيوا ما أماته الناس من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم .

كيف نظهر منهج السلف

إظهار هذا المنهج لا يكون إلا بأمرين:

الأول: العلم

     فلا يدعو لمنهج السلف جاهل، وليس بلازم أن يكون جميع الناس علماء، وإنما على كل مسلم أن يتعلم الضروريات من دينه، وأن يعرف الحق من الباطل، وأن يعرف التوحيد من الشرك، وهو غير معذور إذا لم يتعلم الدين، والناس اليوم من أجل الدنيا يتعلمون الطب والهندسة، ويرحلون ويسافرون ويتركون أولادهم والأهل، ويعملون طويلاً من أجل الشهادة، من أجل أن يحصل على دنيا.

الثاني: العمل

     فإن هذه الأمة ليست أمة نظرية، وهي ليست أمة كتب ومحاضرات، كما عند بعض الناس إذا تكلم في الإسلام أعجب، ولكنه بعيد عن العمل!، فديننا علم وعمل وليس دين نظريات فقط.

     قال -تعالى-: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر:1-3 )، وما ضاع الدين إلا عندما تحول إلى فلسفة ونظريات وكلام وقضايا خالية من العمل.

خاتمة الكلام

     ثم ختم شيخنا -رحمه الله- رسالته بقوله: الخلاصة أن الله -عز وجل- أراد لهذه الأمة أن تكون أمة بارزة مميزة عن غيرها في كل شيء، فمنعنا أن نتشبه بغير المسلمين، سواء في طعام، أم في شراب، أم في لباس، أم في تحية، أم في كل شيء، فلابد من إظهار الهوية التي نسير عليها، وهي: منهج الصحابة -رضوان الله عليهم- قال -تعالى-: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 115).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك