رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر التربوي 30 يناير، 2023 0 تعليق

من مؤلفات الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله – كتاب: (ضرورة التناصح بين الدعاة)

قراءة في كتاب

إعداد:

د. خالد سلطان السلطان

بهاء سعد على

 

 

بعد رحلة طويلة ومشرقة قضاها شيخنا الوالد عبدالله بن خلف السبت -رحمه الله- في مجال العلم والدعوة إلى الله، حتى انتهت هذه الرحلة المباركة -بقدر الله- بوفاة شيخنا في 19شوال 1433 الموافق 7/9/2012؛ فتوجهت الهمة لجمع مؤلفات شيخنا الراحل؛ فأخرج د.خالد جمعة الخراز، و د. خالد سلطان السلطان مجموع مؤلفات الشيخ عبدالله بن خلف السبت، وهو أول عمل جمع علوم الشيخ -رحمه الله- كان ذلك في عام 1438/2017، وكان عمل الباحثيْن هو جمع كتب الشيخ ورسائله وترتيبها بحسب سنة الطبع والتعليق عليها بالتخريج لأحاديثها، وشرح بعض الغريب من كلماتها، وتصويب أخطائها الطباعية، مع إعداد ترجمة مختصرة لمؤلفها -رحمة الله هليخ وأسكنه فسيح جناته وجزاه الله خير الجزاء.

     بين أيدينا اليوم قراءة في الإنتاج العلمي الثالث عشر للشيخ عبد الله السبت -رحمه الله-، وهو كتاب: (ضرورة التناصح بين الدعاة)، الذي طبع عام 1418هـ - 1998م.

سبب التأليف

     ذكر الشيخ -رحمه الله- أنه كتب هذه الرسالة؛ وذلك لأن الأمة الإسلامية في أيامها هذه تعيش بين أمل فيها أن تكون أمة لها كيان، وبين واقع تزداد فيه تخلفا وضعفاً عما كانت عليه من قبل، وهي إلى ذلك تتنازعها الأهواء والمذاهب، كل يدلي بدلوه؛ رغبة في رقيها وتطويرها، ولكن الحال كما هو.

التناصح والردود العلمية

     إن التناصح والردود العلمية تثري الحركة الإسلامية، ولا تفسد الأخوة الإيمانية؛ ذلكم أن النقد الذاتي للعاملين في مجال الدعوة ضروري، ولا سيما في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها الحركة الإسلامية، وعندما يقوم أهل الشأن بمناصحة بعضهم بعضا، فإنهم يقطعون الطريق على أصحاب الأهواء والعابثين ومثيري الفتنة.

النصح من لوازم المحبة في الله

     إن النصح من لوازم المحبة في الله، وإن النقد والرد على المخالف من صفات أصحاب هذا المنهاج، وهو ألصق بهم من غيرهم، أعني الردود العلمية من صفات أهل السنة، وإن النقد الذاتي من أبناء الجماعة الواحدة يقومها ويصحح مسارها، ويزيل من أفرداها صفة القدسية، وكلما كانت الحركة العلمية داخل الجماعة قوية، كان ذلك دليل صحة وقوة، ويدفعها ذلك للأمام والتقدم، وهذه الخاصية ميزت السلفيين؛ حيث ترى النقاش والردود العلمية، ومع هذا نراهم بعد الرد والنقاش العلمي إخوة متحابين، ومن أدلة هذا المسلك: مراجعة الصحابة -رضي الله عنهم- بعضهم بعضًا، وكذلك السلف الصالح جميعهم.

      وإن من تمام النصح للأمة عامةً، وللدين خاصة ألا يُقرَّ أحد مهما علا وسمت منزلته على خطأ أو انحراف. والجماعة التي لا تمارس فريضة النصيحة تنتشر فيها أخلاق الأمم الفاسدة، بل من تمام حراسة الدين التي أُوكِلت بالأمة المسلمة القيام بالنصح والحرص على إشاعته بين أهل الإيمان في السر والعلن حال الرد العلمي.

     الأخطاء التي تصدر من الإنسان، إما أن تكون أخطاء خاصة وضعفا في الجانب التعبدي لدى الإنسان، أو يكون الخطأ ناتجا عن اجتهاد ويظنه صاحبه هو الصواب، فيعلنه متقربا به لله -سبحانه وتعالى-، فما كان من الصنف الأول الضعف الذي يعتري النفس البشرية فالأولى في النصح فيه السر والكتمان وعدم التشهير.

الخطأ في الاجتهادات العلمية والآراء

وأما ما كان من الصنف الآخر، وهو الاجتهادات العلمية والآراء التي يطرحها طالب العلم محتسبا ذلك، مريدا إظهار حق بان له، فإنه ينظر إلى هذا المخالف من زاويتين:

- الأولى: إن كان سنيا في أصله ووقع منه الخطأ.

- الثانية: مبتدع جاهر ببدعته وأيدها ونصرها.

والجواب عن ذلك يتضح بالآتي:

أولاً: الرد على المخالف سنة ماضية

     إن الرد على المخالف وبيان خطئه سنة ماضية درج عليها أهل الفضل من الصحابة وتلقوها من المصطفى -  صلى الله عليه وسلم - وشرعها لهم رب السموات والأرض، وأدلة ذلك متضافرة، وقد بسطها العلامة بكر عبد الله أبوزيد في كتابه (الرد على المخالف) قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: «وَلِهَذَا يَتَغَيَّرُ الدِّينُ بِالتَّبْدِيلِ تَارَةً وَبِالنَّسْخِ أُخْرَى، وَهَذَا الدِّينُ لَا يُنْسَخُ أَبَدًا لَكِنْ يَكُونُ فِيهِ مَنْ يَدْخُلُ مِنْ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَالْكَذِبِ وَالْكِتْمَانِ مَا يُلَبَّسُ بِهِ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُقِيمَ اللهُ فِيهِ مَنْ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ خَلَفًا عَنْ الرُّسُلِ، فَيَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ فَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ وَيُبْطِلُ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»، فالرد على المخالف إذا من سنن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهديه، وسار على أثره الأعلام الكرام.

ثانيا: الرد العلمي على المخالف

     إن كان هذا المخالف من النوع الأول الذي ذكرناه وهو سني وقع في بدعة، أو اجتهد فخالف السنة وأهلها، فإنه يرد عليه ردا علميا يبين فيه خطأه ويقومه، ويرد عليه اجتهاده حتى لا يخدع به متبعوه، ولا بد من التفريق بين من يقع في خطأ المسألة، ومن كان منهجه فاسدًا، وعلى هذا سار الأئمة وتبعهم في ذلك الناس إلى يومنا هذا يرد بعضهم على بعض، ويؤلف بعضهم كتبا يخطئ فيها أخاه ويبين انحرافه عن الجادة، وكل ذلك وفق القواعد الشرعية والأخوة الإيمانية.

السلفية ليست إساءة الأدب للمخالف

     إلا أني رأيت في عصرنا هذا بعض من تنكبوا الصراط السلفي ولا سيما الأحداث منهم - وخالفوا منهج أهله، ذلكم أنهم إذا رأوا الخطأ من أخ لهم في العقيدة والمنهج أغلظوا له القول، وأساؤوا الأدب، وحملوا الألفاظ ما لا تحتمل، وأساؤوا النية.

مضار السكوت عن المخالف

     وفي عصرنا هذا ابتليت الأمة بأقوام يريدون المجاملة والمداهنة، وقد أمرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أن نصدع بالحق مظهرين الدين كله، والدعوات التي تنادي الآن للتجانس بين السلفيين وغيرهم يجب أن تتلاشي وتحل محلها الدعوة للتمايز.

التناصح بين الأصحاب وأبناء المنهج الواحد

     من تتبع المسار السلفي ولا سيما المعاصر منه يشاهد كيف أن هذه الجماعة -على اختلاف طبقاتها وأماكن وجودها- لا تحابي في الحق أبدًا، بل إن صفة التناصح في الداخل موجودة مصداقًا لحديث النبي  صلى الله عليه وسلم - : «الدين النصيحة»، وإنا لنحترم الردود العلمية ونمقت الكذب والغش والخداع، فالمسلم ناصح لا فاضح. فاعقل هذا تفز.

شبهة والرد عليها

     إن التربية القائمة على التناصح والرد العلمي والغيرة على الدين خير من تربيه التي تدفع إلى النفاق والخديعة واجتماع وثناء في المحافل العامة وهمز ولمز في اللقاءات الخاصة؛ فهذا الخلق يجب أن يكون الدعاة أبعد الناس عنه فهذا وصف اهل الفساد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، أما أهل الإيمان فإنهم يشدون عليك، ولكن يدافعون عنك في غيبتك فاحفظ هذا تسلم بإذن الله -تعالى.

الخلاف العلمي والرد عليه

     إن الأعداء يفرحون بهذا الصراع الخفي بين الأجنحة المتصارعة، اما الخلاف العلمي والردود العلمية فهذا يزعجهم لأنه دليل صحوة ورقي حضاري، لا يريدون لأمة السير فيه؛ حيث إنه يدفعها إلى القمة والتقدم، وإنا لنحترم الردود العلمية ونمقت الكذب والغش والخداع.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك