رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 6 فبراير، 2023 0 تعليق

من مؤلفات الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله – كتاب: الهوية الإسلامية بين الأصالة والتقليد

قراءة في كتاب

إعداد:

د. خالد سلطان السلطان

د. محمد عثمان الدبيخي

 

 

بعد رحلة طويلة ومشرقة قضاها شيخنا الوالد عبدالله بن خلف السبت -رحمه الله- في مجال العلم والدعوة إلى الله، حتى انتهت هذه الرحلة المباركة -بقدر الله- بوفاة شيخنا في 19شوال 1433 الموافق 7/9/2012؛ فتوجهت الهمة لجمع مؤلفات شيخنا الراحل؛ فأخرج د.خالد جمعة الخراز، و د. خالد سلطان السلطان مجموع مؤلفات الشيخ عبدالله بن خلف السبت، وهو أول عمل جمع علوم الشيخ -رحمه الله- كان ذلك في عام 1438/2017، وكان عمل الباحثيْن هو جمع كتب الشيخ ورسائله وترتيبها بحسب سنة الطبع والتعليق عليها بالتخريج لأحاديثها، وشرح بعض الغريب من كلماتها، وتصويب أخطائها الطباعية، مع إعداد ترجمة مختصرة لمؤلفها -رحمة الله هليخ وأسكنه فسيح جناته وجزاه الله خير الجزاء.

     بين أيدينا اليوم قراءة في الإنتاج العلمي الخامس عشر للشيخ عبدالله السبت - رحمه الله - وهو كتاب (الهوية الإسلامية بين الأصالة والتقليد) الذي طبع عام 1423 هـ - 2003 م.

سبب التأليف

     ذكر الشيح -رحمه الله- أن أصل هذه الرسالة كلمة ألقاها، ونسخها أحد الأخوة مشكوراً، فجزاه الله خيراً، ثم أجرى الشيخ بعض التعديل عليها، وكان الدافع لها ما تشاهدونه في عالمنا، من انتشار أهل البدع وسكوت الكثير عن صدهم.

التفكير بالأمة سنة نبوية

     من نعم الله على العبد أن يوفقه لطاعته، ولا شك أن هذه المجالس، مجالس طاعة، بل هي مجالس عبادة عظيمة؛ لأننا في هذه المجالس نتفكر: كيف نحيي هذه الأمة؟ وهذا من عمل الأنبياء والرسل وأهل الفضل في هذه الأمة، أنهم لا يفكرون في أنفسهم، وإنما يفكرون في الأمة وفي الناس عموما، سواء كان هذا عاملا، أم فلاحا، أم وزيرا، أم مديرا؛ فالتفكير في عامة الناس، وهم في الميزان الشرعي متساوون، قال -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات:10)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه» (متفق عليه). وقال -صلى الله عليه وسلم أيضًا-: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» (متفق عليه) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه .

     فقد كان - صلى الله عليه وسلم - كثير التفكير بهذه الأمة، حتى شغلته جميع وقته وجميع أحواله، فها هو ذا يقوم الليل كله بآية، يدعو لهذه الأمة بالنجاة، والغفران، وهذه الآية هي: {إن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (المائدة: ١١٨).

هل نحن نفكر في هذه الأمة حقيقة؟

     إذا سرنا في الطرقات فرأينا من يسمع غناء، أو رأينا امرأة متبرجة، هل فكرنا كيف آل حالهم لهذا الأمر؟ وكيف وصل الناس لهذه المرتبة وهذه الحال التي وصلوا إليها؟ وماذا فعلنا نحن لهم؟ إذا جاءنا هذا التفكير فقد حملنا همَّ هذه الأمة، ولكن هذا لا يكفي، فلا بد أن يتحول هذا إلى عمل، والعمل هو: إصلاح الناس.

     هذه يا إخواني، مسألة لا بد أن تعلقَ بأذهاننا، أننا لا بد أن نتألم كما كان يتألم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن شدة تألمه كاد يزهق نفسه على الأمة - صلى الله عليه وسلم .

     لأنه كان يتألم سواء على يهود أم نصارى أم مجوس أم على عامة الناس، فكان يتألم - صلوات الله وسلامه عليه - كما وصف ذلك -سُبْحَانَهُ وَتعالى- بقوله: {فَلَعَلَّكَ بَخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى أَثَرِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (الكهف:٣).

المغلوب دائم التأثر بأخلاق الغالب وأفعاله

     ذكر ابن خلدون -رَحمَهُ اللهُ في مقدّمته- القاعدة المشهورة التي لا يزال الناس يعدونها أصلا من أصول علم الاجتماع، وهي أن المغلوب دائم التأثر بأخلاق الغالب وأفعاله، وذكر بأن الأمم المغلوبة تسعى لا شعوريا بتقليد واتباع الأمم الغالبة، ولذلك تنبأ قبل مئتي سنة بسقوط الأندلس، قال: إن هذا هو الاستيلاء، لما رأى من أحوال قومه من تقليد للكفار.

     فهذه قاعدة نشاهدها في أول الإسلام لما فتح المسلمون بلاد قيصر، وفتحوا بلاد فارس في أطرافها، وفتحوا بلاد الهند والسند، وجدنا أن أمة المجوس وأمة الرومان وأمم بني الأصفر وما حولهم، وجدناهم بسرعة تأثروا بالأمة الغالبة، فسادت أخلاق العرب المسلمين الذين فتحوا تلك البلاد؛ ولذلك ترى أن هذه الأمم بسرعة تعلمت العربية في فترة زمنية قصيرة، فإن هذه الأمم تتلكم العربية وتدرس العربية، وتؤلف بالعربية.

     الإسلاميون -لا شعوريا - قد وقعوا أيضًا في التأثر بأخلاق الغالب وأفكاره، كيف ذلك؟ نلاحظ أنه الآن قد شاع عندنا عقيدة وهي: (أن الحق يمكن أن يتعدد)، وهذه في الحقيقة قادمة إلينا من دول الكفر، أن الناس أحرار فيما يعتقدون وفيما يرون؛ لذلك الآن أصبحت ترى في المجتمع الإسلامي وبين الدعاة وبين جماعات الدعوة من يرى أن ذلك خير، وهذا خُلق ما جاءنا من الإسلام، وإنما جاءنا من الذين تأثروا بالكفار من دعاة الوافدين باسم الإسلام.

     المستشرقون زرعوا في الأمة حرية الرأي، وحرية الفكر، وحرية التعبير، والإسلام كبير ويسع فضاع الأمر؛ لذلك: الغربيون زينوا لنا التبرج، وزينوا لنا الخمر، وزينوا لنا الأخطر من هذا: زينوا لنا الكفر! لا بد أن ترجع الأمور إلى أصولها، وقد تأثر مجتمعنا بهذه الآثار الفاسدة، فحصوننا مهددة من الداخل، وقد غُزينا من الكفار من حيث لا ندري، ودخل علينا الفكر الغربي وتبناه الإسلاميون، ويعجب بالحرية حتى الآن كثير من الإسلاميين؛ إذ يقولون: ما شاء الله الحرية في بلاد الغرب! عندنا حرية ولكن لها حد، الحرية في الإسلام مقيدة بمقدار التزامك بحقوق الآخرين.

مسلك الأئمة في الجرح والتعديل

     ما كانت عندهم هذه الميوعة، كالإمام أحمد وغيره من أئمة الدين، عندهم هجر المبتدعة وكشف أحوالهم، أما الآن إذا تكلمنا عن مبتدع، يقال لك يا أخي، هذه وجهة نظر، ينبغي ألا نجرح أهل الإسلام، طيب: هل صاحب كتاب (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي) جرح أم لا؟ وعندما سمع الإمام أحمد كلام الحارث المحاسبي وسئل عنه وأصحابه قال للسائل: لا أرى لك صحبتهم.

     تجد في كتب الجرح والتعديل وضوح رؤية وبيان للحق الذي يرونه، تصوّروا أن الآن لو سألنا الدعاة والوعاظ قلنا: هذا كذاب. تقوم الدنيا علينا! ولكن هذا الرازي يُسأل عن فلان، فيقول: هذا كذاب، ويُسأل عن فلان فيقول: هذا مبتدع، ويُسأل عن هذا فيقول: هذا وضاع، والآخر: «يُردُّ حديثه»، وهذا لا تقبل شهادته وكلهم وعاظ ورواة.

      إذًا كان هناك جرح وتعديل، والأمة كانت حية، فإذا أخذنا بمنطق هذا العصر: أن كل هؤلاء دعاة ومصلحون وينبغي ألا نبين خطأ أحد، إذًا نلغي كتب الجرح والتعديل من الوجود؛ لأن كتب الجرح والتعديل قامت على أساس بيان الضلال من الصواب وبیان السنة من البدعة.

     خلط الكثير بين المداهنة والركون لأهل الاهواء، وبين الحكمة والرفق؛ فالإسلام أمر بالتمايز وهجر أهل البدع، وأمر كذلك بالرفق مع الناس في دعوتهم دون تضييع شيء من الحق والدين، راجع لذلك كتاب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله.

     ونحتاج لتدبر قوله - صلى الله عليه وسلم -: «محمد فرق بين الناس» فرق بين الحق والباطل، لابد من هذا وإلا تضيع الأمة، هذه الميوعة الموجودة الآن تضيع الأمة، لا بد أن تكون للأمة هوية، وأن يتعصب الإنسان لهذه الهوية، وأن يحيا عليها وأن يموت عليها.

     وأما الميوعة المشاهدة فهي ضياع لهوية الأمة، إننا نريد أمة لا تقلد، بل تقول للحق حقا، والباطل باطلا، فالعوام في نجد يعرفون الشرك ويعرفون البدعة، ما تفرقوا، يعرفون هذا شرك وهذا بدعة، وكان ذلك من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- فلماذا لا تعلم العوام السنة من البدعة؟ إلى متى نجاملهم؟ علِّمهم -بالحكمة والود والمحبة- سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى يتمايز المعسكران، لا بد أن يكون معسكر أهل الحق بين وهويته واضحة، كما كان في كل العصور الفاضلة، وهذا هو الظهور، والظهور هو التميز، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم كذلك» (متفق عليه) من حديث معاوية - رضي الله عنه .

     واليوم إذا تكلمت عن التصوف قالوا: الأمة معظمها من المتصوفة، وهذا والله كذب، فالأمة على خير، وإذا تكلمت على أهل البدعة قالوا مثل ذلك، وهذا تضليل للأمة، وإذا كانت الأمة على خطأ تُنبه إذًا: الأمة بحاجة إلى التمايز حتى تظهر الهوية، وتتبوأ الأمة مكانتها التي أنزلها إياها ربنا - سبحانه.

تجارب الجماعات

     جرب الناس الطرق كلها، ولم تزدهم إلا افتراقا، فلنجرب طريقتنا، طريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي يجتمع عليه الناس، فهو صراط الله المستقيم الواجب الاتباع، الذي نسأل الله إياه في كل ركعة من الصلاة، قال الله -عَز وجَلَ-: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُستقيم} (الفاتحه 6)، والسائرون على الدرب الصحيح قد يكونون قلة ولكنها مجتمعة، لذلك خذ سؤالا في العقيدة واسأل السلفيين في كل مكان تجد جوابًا واحدًا؛ لأن الدرب الذي يسيرون عليه سلسلة واحدة، تبدأ من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتنتهي به يوم نلقاه - إن شاء الله.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك