رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 21 فبراير، 2023 0 تعليق

من مؤلفات الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله – كتاب (همسات دعوية)

قراءة في كتاب

إعداد:

د. خالد سلطان السلطان

خالد بكري محمد

 

بعد رحلة طويلة ومشرقة قضاها شيخنا الوالد عبدالله بن خلف السبت -رحمه الله- في مجال العلم والدعوة إلى الله، حتى انتهت هذه الرحلة المباركة -بقدر الله- بوفاة شيخنا في 19شوال 1433 الموافق 7/9/2012؛ فتوجهت الهمة لجمع مؤلفات شيخنا الراحل؛ فأخرج د.خالد جمعة الخراز، و د. خالد سلطان السلطان مجموع مؤلفات الشيخ عبدالله بن خلف السبت، وهو أول عمل جمع علوم الشيخ -رحمه الله- كان ذلك في عام 1438/2017، وكان عمل الباحثيْن هو جمع كتب الشيخ ورسائله وترتيبها بحسب سنة الطبع والتعليق عليها بالتخريج لأحاديثها، وشرح بعض الغريب من كلماتها، وتصويب أخطائها الطباعية، مع إعداد ترجمة مختصرة لمؤلفها -رحمة الله وأسكنه فسيح جناته وجزاه الله خير الجزاء.

     بين أيدينا اليوم قراءة في الإنتاج العلمي السادس عشر للشيخ عبدالله السبت - رحمه الله - وهو كتاب (همسات دعوية) الذي طبع عام 1425 هـ - 2004 م .

سبب التأليف

     معالجة قضية الدعوة وإصلاح النفس البشرية،  التي من أجلها أرسل الرسل؛ فالرسل وظيفتهم في هذه الدنيا: إصلاح البشر وتهيئة النفوس لتكون أهلاً لسكنى الجنة {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}.

الشكر على نعمة الهداية

     نحمد الله -سبحانه وتعالى-أن وفقنا إلى التزام منهج أهل السنة والجماعة وهدانا إليه،  فهذه نعمة عظيمة أن الإنسان يوفق لأن يكون على طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يعرف الإنسان قدر هذه النعمة إلا إذا عرف مآل الذين لا يسيرون على درب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فكم  من الناس مجاهد لنفسه خاشع،  يريد ما عند الله -سبحانه وتعالى-، ولكنه يأتي يوم القيامة  فيطرد عن حوض النبي -صلى الله عليه وسلم-! وجريمته لا عن قلة صلاة ولا عن قلة عبادة، وإنما جريمته أنه ما سار على درب النبي -صلى الله عليه وسلم.

حياتك كلها لله

     الدين معناه: أن تكون حياتك كلها لله رب العالمين،  من مأكل ومشرب وزواج ومعيشة، هذا المفهوم هو مفهوم الشمولية للإسلام،  لابد -يا إخواني- أن نركزه عندنا في عقولنا وعقول الناس،  وذلك أنك تجد أن الكثرة من الذين يصلون في المسجد يرون بأن التدين وفعل النوافل ولبس الحجاب للنساء وإطلاق اللحية وترك الربا هذا للملتزمين فقط ! فكأن المسلمين قُسموا إلى : مسلم ملتزم،  ومسلم غير ملتزم، متدين وغير متدين، وهذا تقسيم فاسد.

مفهوم العبودية الشامل

     {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ( الأنعام : 162)،  هذا هو الدين،  يكون كل ما في حياتنا إنما هو لله،  ولذلك فنحن لسنا أحرارًا في أن نتصرف في هذا الكون كيفما نشاء، فنحن عبيد الله -سبحانه وتعالى-، ومن مقتضى العبودية أننا نفعل ما يريد الله -عز وجل-،  لابد أن نُدخل في قلوبنا معنى العبودية لله --عز وجل- . إن الله حفظ للأمة الكتاب والسنة وفقه  الصحابة

      ومن المعلوم أن الله -عزوجل- قد شرفنا وجعلنا شهداء على الأمم،  ومكن لنا ديننا، وتكفل -سبحانه وتعالى-بأن يحفظ هذا الدين، وما كفل للأمم السابقة بحفظ دينها،  أما هذه الأمة فالله -عز وجل- قال لها : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر : 9) فحفظ الله -عز وجل- الذكر الذي هو: الكتاب والسنة،  وكذلك الفهم الصحيح للكتاب والسنة محفوظ،  وإلا لو حفظ الكتاب وحده لضاعت أمور،  وما  حفظ الكتاب والسنة وما حفظ لنا فهم الصحابة -رضوان الله عليهم- لاختلطت علينا الأمور أيضًا،  ولكن كان من فضل الله -عز وجل-  ومنه  وتوفيقه أنه حفظ لنا الكتاب والسنة وفقه الصحابة -رضوان الله عليهم.

مفهوم التدين

     طريقة التدين،  أن يكون عمله على طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما قال -سبحانه وتعالى-{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } ( الكهف : 110)،  ولا يكون المسلم مسلمًا حقيقيًا إلا إذا كان على طريقة الصحابة والسلف -رضوان الله عليهم-؛ لأن الله -سبحانه وتعالى-أخبر على لسان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الأمة ستفترق،  كما قال: «إن بني إسرائيل افترقت إلى إحدى وسبعين فرقة،  وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة،  وهي: الجماعة «،  وفي رواية (ما أنا عليه وأصحابي).

الهم من أجل الدين

     بعد أن من الله -سبحانه وتعالى-علينا بالهداية ووفقنا لمنهج السلف الصالح والسير على دربهم،  أقول : لينظر كل منا في نفسه : هل قدم لهذا الدين ما أمر الله -سبحانه وتعالى-به ؟ أم أننا اكتفينا بأننا قد هُدينا،  ثم بعد ذلك شغلتنا هذه الحياة بأحوالها واضطراباتها ؟ لابد -يا إخواني- أن يأتينا ما يسمى بـ (الهم من أجل الدين)،  هذه العبادة العظيمة لابد أن تأتي للإنسان،  تجد أن عندنا هما من أجل المال،  ومن أجل الولد،  ومن أجل الدنيا،  ومن أجل المرض،  لكن لابد أن يأتينا هم من أجل الدين.

بالصبر واليقين تُنال إمامة الدين

     وهذه الأمة -يا إخواني- قد جعل الله -سبحانه وتعالى-الإمامة الحقيقية فيها لأهل اليقين : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا -وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } (السجدة:24)، هذا الدرب الصحيح للذي يريد أن يكون إمامًا، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : «بالصبر واليقين تنال إمامة الدين»،  وهذه الآية عجيبة تحتاج إلى بسط،  ولكن يكفينا قول ربنا {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً }، إذًا : الذي يجعلك من الأئمة ليس هو اجتهادك وإنما هو الله -عز وجل.

المجتهد المخلص يُهدى السبيل

     ومن عجائب تيسير الله -سبحانه وتعالى-وفضله : أن الله قد تكفل لمن نوى سلوك هذا الدرب أن يسهله له بقوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا - وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } (العنكبوت : 69) .

كيف يربي المسلم نفسه

     إن غاية ما يقصده العبد المسلم في هذه الحياة الدنيا: أن يؤمن لنفسه دخول الجنة، ويجب ألا تغيب عن بالنا هذه الغاية ولا لحظة؛ فإنها إذا غابت، أو ما وضحت عندنا، فقد نتعب بعد ذلك،  فنحن نعبد الله -سبحانه وتعالى-رغبًا ورهبًا ـ  لا كما تقول بعض الفرق : إننا نعبده لذاته لا خوفًا ولا طمعًا، وهذا كذب،  فعبادتنا لربنا -عزوجل- تدور بين الحب والرجاء والخوف،  كما وصف الله -سبحانه- خير عباده { وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا - وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء: 90).

 التجارة الرابحة

     انشغال النفس بالطاعة والعبادة : صلاة وصيام وقراءة قرآن وأذكار وأوراد بعد الصلوات،  وهذا كثير من إخواني ما ينشغلون عنه، وأنا سئلت كثيرًا ممن قابلت من الشباب فكان الجواب: أنهم ما يختمون القرآن إلا في رمضان،  وأحيانًا طول السنة مرة،  ذلك لأننا ما جعلنا لأنفسنا ورد صفحة أو صفحتين أو ثلاث صفحات أو نصف صفحة، المهم: لابد أن يكون لنا ورد يومي نقرأ فيه القرآن.

موعظة بليغة فتأملها

     إن الطريق إلى الجنة لابد أن يمر عبر تربية النفس،  ولن يربي أحد نفس أحد أبدًا،  كل إنسان على نفسه بصيرة،  وكل إنسان سيأخذ كتابه بنفسه،  وكل نفس ستسأل عن نفسها،  وإننا مطالبون -إن كنا نريد الجنة- بصقل النفس؛ فإن الجنة  لا تدخلها نفس خبيثة،  لذلك أقول : إن الأولين -رضوان الله عليهم- جمعوا بين الدعوة والعقيدة والسلوك،  فما علمنا في الأولين إلا زهدًا وعلمًا وتضحيةً وجهادًا؛ من حيث جئتهم فهم أئمة،  فلذلك لابد من عودة للأخلاق .

احرص على تجديد النية

     احرص على تجديد النية،  فإن الله -سبحانه وتعالى-قد ربط الأعمال بالنيات،  وحتى تبقى عند العابد -سواءً كان مصليًا أم صائمًا أم متصدقًا أم قارئًا أم  داعيًا إلى الله- النفس التي تدفعه للعمل،  فلابد له من استحضار النية،  وهذا الجانب نحن فيه مقصرون؛ ولذلك تجد أن الأعمال تنقلب عند كثير من المسلمين من عبادات إلى عادات،  يمارسها الجسد من غير روح،  وتعلمون حديث النبي -صلوات الله وسلامه عليه- : «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه،  ونحن بشر،  يعترينا العُجب والرياء ورغبة الظهور،  تعترينا نوازع شتى؛ فلابد إذًا من تجديد النية باستمرار.

الخاتمة 

     ثم ختم شيخنا -رحمه الله- رسالته بقوله :«واعلم أن الجائع إذا قُدم له الطعام بإناء قذر ما يقبل،  والشبعان إذا قُدم له الطعام بإناء جميل مزوق أكل منه ولو ذاق فقط، فالذين ابتلوا بالشبهات وبالأهواء وبمخالفة السنة يمكن أن يقبلوا؛ لأنهم يرون أنك لا تملك شيئا من العلم -وقد يكون صحيح- ولكن لنتلطف في تقديمنا السنة للناس،  والناس في هذا الباب -كما هو مشاهد- بين طرفين ووسط : بعضهم لا ينهي أهل البدع والأهواء وأهل المعاصي حتى كاد أن يكون منهم، والآخر شدَّ حتى كاد أن يقطع حبله ! وإنما نحن جعلنا الله -سبحانه وتعالى-أمة وسطًا في كل شيء،  فمن وفق لهذا وصبر على ما يلقاه من الأذى،  محتسبًا بذلك ما عند الله -سبحانه وتعالى-، فله الثواب الجميل .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك