رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أيمن الشعبان 8 أكتوبر، 2013 0 تعليق

من للفلسطينيين في السجون العراقية؟الأســـرى الفلسطينيـون بين المناصـــرة والمتاجـــــرة! (3)

استكمالا لما بدأناه في الحقة السابقة في الحديث عن قضية الأسرى الفلسطينيين وتعرضنا لموقف الإسلام من مسألة الأسرى، نستكمل الحديث عن كيفية نصرة الأسرى والمرتهنين.

متاجرة مفضوحة

     من أكثر القضايا حساسية وتعقيد بل متاجرة وانتهازية؛ قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الصهاينة، لتشعبها وكثرة متعلقاتها وأهميتها وملامستها للعاطفة الدينية والأحاسيس الإنسانية، وتعاطف الجميع معها ولو من قبيل التصريحات والشعارات والجعجعات الإعلامية، فهي تشكل هاجساً كبير وقلقاً عميقاً لكل مسلم أو حر في هذا العالم.

     منذ عام 1967 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة 187 قرارا بشأن الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الصهاينة، دعت الكيان الصهيوني إلى ضرورة إطلاق سراحهم والتعامل معهم وفق الأعراف الدولية وقوانين حقوق الإنسان!

     لكن هذه القوانين إذا لم يكن فيها إلزام – وهذا هو الحاصل – لا تعدو أن تكون كالحبر على الورق، أو الضحك على الذقون وذر الرماد في العيون، وبالنتيجة يصبح وجودها أكثر ضررا من عدمها، لما يحصل جرّائها من آمال فارغة وتنفيس وإفراغ للشحنات وتضييع للأوقات، وفي نهاية المطاف يكون هنالك يقين بالمتاجرة بقصد أو بغير قصد.

     عندما تُعقد مؤتمرات دولية أو عربية، لنصرة الأسرى والتضامن معهم والخروج بتوصيات وتشكيل لجان عمل وفرق مختلفة بتخصصات عدة؛ ظاهريا شيء جميل وأمر طيب، بشرط أن يكون على قدر المسؤولية وعِظم القضية، من غير تسلق أو متاجرة، وأن تتوافق الأطروحات النظرية والتوصيات المثالية، مع الحقائق العملية على أرض الواقع، دون إهمال أو إغفال لحالات قريبة للناظر، إلا من أعمى الله بصيرته حتى ينطبق عليه المثل: «من لا يرى من الغربال أعمى»!

     المواقف السياسية والمؤتمرات البروتوكولية والمجاملات الآنية، إذا لم تتطابق مع إرادات حقيقية ونوايا صادقة وعزيمة فعلية، ستكون نفاق محض ومتاجرة مفضوحة وتسلق سياسي سافر، على حساب جراحات الأسرى وقضيتهم العادلة.

     إن مشكلة المؤتمرات تكمن في أنها لا تبني على ما وقفت عنده المؤتمرات التي سبقتها، فضلاً عن أن جل ما تخرج به من توصيات لم ير النور وبقي حبرًا على ورق، ونتائجها معدومة (27)، وفي هذا دليل على عدم تكامل هذه الملتقيات كما أنها لا تحقق الثمار والنتائج المرجوة!

     من أغرب العجائب والمتاجرة المفضوحة بقضية الأسرى؛ المؤتمر المنعقد في بغداد بتاريخ (11-12) ديسمبر 2012 للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الصهاينة! برعاية الجامعة العربية ولأول مرة وبحضور شخصيات من سبعين دولة، وقيل قديما: الدعاوى إذا لم تقم عليها البينات فأصحابها أدعياء! فكيف إذا كانت البراهين والوقائع والأدلة على العكس تماما؟!

     يقال في المثل: «عش رجبا ترى عجبا»، وفاقد الشيء لا يعطيه، فأنّى لمن تلطخت يداه بدماء الفلسطينيين في العراق ينصر أسراهم في فلسطين؟! وما زالت الدماء لم تجف؛ إذ إن أكثر من 300 شهيد- بإذن الله - سقطوا في العراق منذ عام 2003 على يد ميليشيا جيش المهدي وقوات بدر وحزب الدعوة، ناهيك عن حالات الاختطاف والتعذيب الهمجي بأبشع وسائل عرفها التاريخ، وقصف مجمع البلديات بما فيه جامع القدس لأكثر من مرة، أضف إلى ذلك أننا قمنا بتوثيق أكثر من 500 حالة اعتقال تعسفي طائفي بحق فلسطينيين من قبل القوات الأمنية الحكومية العنصرية الطائفية، فكيف يقومون بنصرة أسرانا؟!

     مع نهاية عام 2012 كان لدينا 40 معتقلاً فلسطينياً موزعين في سجون ومعتقلات عدة، تم اعتقالهم عن طريق ما بات يعرف (المخبر السري) والدوافع طائفية محضة وهم أبرياء، وتحت التعذيب والإكراه يدلون باعترافات وأشياء لم يرتكبوها، وبعضهم عُرض بطريقة مهينة على قنوات عراقية رسمية والاعتراف المفبرك أمام الكاميرا ما يزيد الحقد العام على الفلسطينيين ونحن على يقين أن هؤلاء أبرياء.

     لدينا شاب محكوم بالإعدام وآخر مؤبد، فعن أي أسرى يتحدث المالكي وحكومته؟! هل تعلمون أن أكثر من 80% من فلسطينيي العراق تم تهجيرهم إلى خارج العراق موزعين على أكثر من خمسين دولة غالبيتها أجنبية؟! فهل الفلسطيني داخل الأرض المحتلة يختلف عمن هو في العراق؟!

     إن المتاجرة بقضية الأسرى وصلت مرحلة من النفاق والكذب والخداع، ما لا تخفى على أحد؛ لأن من أبرز أهداف هذا المؤتمر ليس الأسرى لأنهم على يقين وعلم مسبق بما سيحصل من مجاملات وفنادق ودبلوماسية أكثر ما هو نصرة فعلية، لكن أهدافه تلميع صورة الحكومة الطائفية وتبييض تاريخهم الأسود الملطخ بالدماء والحقد والكراهية والانتقام، فهو نفاق سياسي وتسلق واضح ودعاية إعلامية مجانية!

     كان الأولى عقد مؤتمر والحديث عن الاضطهاد الذي تعرض له سنة العراق من قبل هذه الحكومة الطائفية، والسجون والمعتقلات السرية تشهد بذلك واغتصاب النساء أصبحت من الشهرة بمكان بعد أن تناقلتها العديد من وسائل الإعلام، بل لا يكاد يمر شهر إلا وتقارير المنظمات الحقوقية تشير إلى سجون سرية وحالات تعذيب تابعة للمالكي مباشرة؟! فعن أي أسرى يتحدث القوم؟! أم ينطبق عليهم «إذا لم تستح فاصنع ما شئت».

     العراق من أكثر الدول انتهاكا لحقوق الإنسان إذ جاءت بالمرتبة الثانية بعد إيران للدول الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان في الشرق الإسلامي «الشرق الأوسط» كما صرحت بذلك وزيرة حقوق الإنسان العراقية وجدان ميخائيل بحسب صحيفة الاتحاد العراقية!

     المؤتمر الأخير في بغداد يعد وصمة عار في جبين الجامعة العربية؛ لأنها الغطاء الرسمي والقانوني له وجميع المشاركين، فهم لا للأسرى بسجون الصهاينة نصروا ولا بحقوق فلسطينيي العراق وأهل السنة طالبوا.

     كان من المفترض على السلطة الفلسطينية قبل المشاركة بمثل هذا المؤتمر، وضع مطالب وشروط مسبقة من أبرزها إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين، وفي الوقت  نفسهيكون مطلب الجامعة العربية بإطلاق سراح المعتقلين العرب قرابة 462 معتقل، لكن إهمال هذه المطالب العادية يدل دلالة قاطعة على المتاجرة بقضية الأسرى.

     ثم أين المشاركون عن الأسرى والمعتقلين السوريين والفلسطينيين في سجون النظام السوري؟! وقد تجاوز عددهم 100 ألف؟! لماذا لا يُعقد مؤتمر خاص بهم ويطلق سراحهم ويتضامن معهم أم لأنهم لا بواكي لهم؟! والنبي [ يقول: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» (28)، أم أن المتاجرة باتت مكشوفة وازدواجية المعايير أضحت بازغة!

     ألا يعلم المشاركون من الجامعة العربية والسلطة الفلسطينية وبقية الشخصيات ما الذي حصل لفلسطينيي العراق في ظل هذه الحكومات الطائفية؟! أما سمعوا النداءات المتكررة والاستغاثات المستمرة إلى يومنا هذا؟!

     وحتى نؤكد أن متاجرة سافرة بقضية الأسرى ومن خلال رصدنا بعض المحاور التي نوقشت في المؤتمر، يتبين لنا مدى التناقض الحاصل بمعزل عن أي أحداث وانتهاكات أخرى وكأن الحكومة العراقية بُعيد هذا المؤتمر ستطلق سراح الأسرى مباشرة، ولا توجد أي انتهاكات لحقوق الإنسان فضلا عن الفلسطيني في سجونهم السرية والعلنية!

     ناقش المؤتمر وضع الأسرى الفلسطينيين في القانون الدولي! وهذا بالظاهر جيد لكن ألم يكن الأجدر مناقشة قضية اللاجئين الفلسطينيين في العراق في القانون الدولي والعراقي؟! ولماذا لم يُتطرق لقضية المعتقلين الفلسطينيين وكلنا يعلم كيف تتم حالات الاعتقال والتعذيب والتهديد بالعرض وجلب النساء ما يضطر المعتقل التصريح بأشياء لم يقم بها، ثم يعرض بعضهم على القنوات ثم يستمر التعذيب ثم يحال للقضاء ومن أنكر عند القاضي يعاد التحقيق معه ويعاد التعذيب، حتى توفي بتاريخ 31/12/2012 معتقلين عراقيين اثنين في سجن التاجي وجرائم إرهاب ديالى لهذا السبب!

     من خلال تواصلي مع بعض المعتقلين داخل السجون العراقية فهم يخشون من أحكام قادمة كبيرة وهم أبرياء، فأين تدخل السلطة؟ وأين وعود المالكي للرئيس الفلسطيني محمود عباس بالقمة العربية الماضية في بغداد بإطلاق سراح الأسرى؟!

     كما ناقش المؤتمر ممارسات سلطات الاحتلال تجاه الأسرى وهذا أيضا شيء طيب ومهم، لكن من سيناقش ما تعرض له معتقلونا في لواء الذيب سيء الصيت؟! وبقية المعتقلات والسجون الطائفية التي أذاقت الفلسطينيين وغيرهم من العراقيين الأبرياء سوء العذاب، حتى وثّقنا بلقاءات مع مفرج عنهم تحدثوا عن فظائع وانتهاكات فاقت التصورات! فمن سينصفهم ويقف مع قضيتهم أم أن المتاجرين ليس لديهم وقت يضيع بعيدا عن المنطقة الخضراء؟!

     ومن الأشياء التي ناقشها المؤتمر أيضا دور المؤسسات الحقوقية والمجتمع المدني إزاء الأسرى المحررين! وأنا أتمنى منهم فقط أخذ عينة واحدة من معتقلين مفرج عنهم موجودون الآن في السويد وبلجيكا وقبرص وغيرها من دول المهجر الجديد، وأن يسمعوا شهاداتهم ويطالبوا بحقوقهم إذا كانت معاييرهم واحدة دون ازدواجية؟! أم أن فتح هذا الملف سيمنعهم من حضور أي مؤتمر لاحق في العراق؛ لأن رعاة المؤتمر هم المجرمون والجناة والمتسترون! معادلة غريبة أليس كذلك؟!

     يقول صلى الله عليه وسلم: «من أعان ظالما ليدحض بباطله حقا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله» (29)، والله وبالله وتالله يُخشى على المشاركين بهذا المؤتمر وتزكيتهم للقتلة ومنتهكي حقوق الأسرى والمساجين والمعتقلين، وإعطاء غطاء قانوني لمزيد من تلك الجرائم؛ لأنه بسبب هذه المشاركة ظن هذا النظام بأنه على حق وما فعله ليس ظلما ودليله مشاركة واسعة – بحسب زعمهم – في هذا المؤتمر!

     عَرَض المؤتمر أيضا شهادات حية لأسرى وأسيرات من المحررين، فهلا عرضوا شهادات موثقة لمعتقلين فلسطينيين أو عراقيين مفرج عنهم من سجون المالكي ولدينا كل هذه الوثائق مصورة؟! أم أن أسرانا ومعتقلينا في العراق غير مشمولين بحقوق الإنسان أو طرح قضيتهم في المؤتمرات أو حتى الاستماع لشهاداتهم! لأنها شهادات تدين منظمي المؤتمر وطالما نحن في زمن النفاق والتملق وتضييع الحقوق فلا داعي لطرحها الآن؛ لأنها ستعكر صفو المؤتمر وتنغص نعيم الفنادق التي يقيمون بها!

الخلاصة

     قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بالسجون الصهيونية أو غيرها من المعتقلات كالعراق وسوريا؛ قضية عادلة ومهمة للغاية، بالمقاييس الشرعية والوطنية والإنسانية بل أدنى حقوق الإنسان التي يتبجح بها العالم المعاصر! بل هي من أعظم مقاصد الجهاد في سبيل الله، ولابد من الجميع بذل قصارى جهدهم والعمل على فكاك أسرهم والتخفيف من المظالم التي وقعت عليهم؛ دول وهيئات ومنظمات وأفراد وفصائل وأحزاب.

     الحضارات والديانات والإمبراطوريات السابقة عبر التاريخ، كانت تعامل الأسرى معاملة وحشية قاسية بعيدة عن أي إنسانية، وما يحصل الآن في سجون الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية للأسف، ما هو إلا ثقافة سادية بربرية قدوتها تلك الحضارات، أما الإسلام فقد أعطى للأسير حقه في العيش والطعام والشراب والكرامة.

     لا يمكن القيام بنصرة حقيقية للأسرى في ظل الضعف والهوان والتشرذم الذي تعيشه الأمة الإسلامية، فكم نحن بحاجة لقائد يقول للأعداء الجواب: «ما ترى لا ما تسمع»! لكن أضعف الإيمان أن تبذل الأمة كل ما بوسعها ماديا وسياسيا وإعلاميا وحقوقيا وقانونيا لإطلاق الأسرى أو تقليل الضرر الواقع عليهم كأضعف الإيمان، وإلا أثمت الأمة جمعاء وكلٌ بحسبه.

     جميع الجهود من مؤتمرات وتجمعات وبيانات ظاهرها نصرة الأسرى؛ تعد مفرغة من محتواها إذا كانت مجرد لقاءات دبلوماسية بروتوكولية إعلامية بعيدة عن حقيقة المعاناة، وتحركها أجندات سياسية لتلميع صورة نظام ما أو التسلق على ظهر القضية الفلسطينية، دون النظر لأحوال معتقلين فلسطينيين – في العراق وسوريا مثلا- يتعرضون لوسائل انتقام فظيعة قد تفوق وسائل الكيان الصهيوني من حيث التعذيب والإهانة والإذلال!

     لا ينبغي التعاطي والتعامل مع تلك القضية باندفاع زائد عن الحد وعاطفة وقتية، لابد أن نكون واقعيين وأن لا نجزئ الأمور ولا أن نقبل بالمتاجرة بجراحاتنا من خلال نظرة ضيقة وحسابات بمنظور قريب، وإغفال النتائج السلبية المترتبة على تلك النظرة، وإهدار حقوق عدد من اللاجئين كفلسطينيي العراق إنموذج شاخص وقريب!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك