من كبار علماء أهل الحديث بباكستان – وفاة الشيخ ثناء الله ابن عيسى المدني مفتي لاهور
توفي يوم الأحد 25 جمادى الآخرة سنة 1442 الإمام العلّامة المحدّث الكبير الحافظ ثناء الله المدني (مفتي أهل الحديث في باكستان)، وكان -رحمه الله- من كبار علماء أهل الحديث بالباكستان إن لم يكن أكبرهم وأجلهم حاليًا.
ترجمته
هو أبو النصر، ثناء الله بن عيسى خان بن إسماعيل خان الكَلَسوي ثم اللاهَوْري. ويلقب بالحافظ، على طريقة أهل بلده فيمن يحفظ القرآن، ويُنسب المدني على طريقتهم أيضًا في النسبة لمكان التخرج، فقد تخرج في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
مولده
وُلد في قرية (كَلَس) قرب مدينة لاهَوْر في (البنْجاب) سنة 1360 الموافق 1940م.
دراسته
حصّل -رحمه الله- دراسته الابتدائية في قريته، وحفظ القرآن في سن مبكرة، ورحل بعد ذلك إلى لاهَوْر، ودرس في جامعة أهل الحديث بها، وقرأ أيضًا بعض الفنون في الجامعة المحمدية بأوكاره، ولازم شيخه العلامة الكبير الحافظ عبد الله الرُّوْبْري ملازمة تامة ثماني سنوات، وتفوق ونبغ مبكرًا، وحصّل شهادة التخرج (ويسمونها الفراغة) سنة 1381 (توافقها 1961م).
دراسته في الجامعة الإسلامية
ولما أسست الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية، ودرّس فيها كبار علماء المسلمين: التحق مع أفواجها الأولى في كلية الشريعة سنة 1383، وذلك بتزكية شيخه (الروبري) ومساعيه، وتخرج بامتياز سنة 1388، واستفاد كثيرًا من مشايخها، ومن مشايخ الحرمين، ثم رجع بعدها إلى بلده مدرّسًا وداعية، وواصل الدراسة العليا منتسبًا في جامعة البنجاب، وحصل الشهادة العالية (الماجستير) سنة 1393، وفي السنة التالية نال شهادة التخصص في اللغة العربية.
شيوخه
أخذ -رحمه الله- عن عدد من كبار أهل العلم في باكستان والحرمين ومن ورد لها، ففي باكستان لازم شيخه الأكبر الحافظ عبد الله الروبري شيخ السنّة في باكستان، وممن درس عليهم فيها المشايخ: محمد عبده الفَلَاح، ومحمد حسن الأَمْرَتْسَري، وقادر بخش البهاوَلْبُوري -وقال لنا إنه من كبار العلماء-، ومحمد كنكنفوري، والدكتور مجيب الرحمن المقيم في أمريكا، وأصله من بنغلاديش.
وأخذ في المدينة على المشايخ: عبد العزيز ابن باز، ومحمد ناصر الدين الألباني -وقال عنه إنه محدّث هذا العصر-، ومحمد الأمين الشّنقيطي، وعبد المحسن العَبّاد، وعبد الله الغُنيمان، وعبد الغفار حسن الرحماني، وحماد الأنصاري، ومحمد الغُونْدَلوي، وتقي الدين الهلالي، والمختار الشنقيطي، وأبو بكر الجزائري، ومحمد أمان الجامي، ومحمد علي اللكهوي، وعطية محمد سالم، وغيرهم، وكان يتردد على الرياض، ويحضر دروس سماحة المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وأخذ في مكة على الشيخ عبد الحق الهاشمي، والشيخ الحافظ فتحي الباكستاني، وغيرهما.
أعماله
تولى -رحمه الله- التدريس في قريته عند عودته من المدينة سنة 1389، ودرّس في عدد من الجامعات والمدارس، من ذلك تعينه مديرًا للتعليم في الجامعة السلفية في فيصل آباد، ثم انتقل الى جامعة لاهَوْر الإسلامية ولا يزال مدرّسا فيها، وهو شيخ الحديث فيها، وقال لنا شيخنا أوائل سنة 1429 إنه أراد التقاعد من الجامعة والتفرغ للتأليف لكنهم تمسكوا به، وسبق أن عمل سنوات عدة في التوعية الإسلامية بالحج، كما كان مبعوثًا من وزارة الشؤون الإسلامية السعودية، لكنه تقاعد، وكان مشتهراً بلقب مفتي لاهَوْر، وفي سنة 1428 تم اختياره من قبل العلماء مفتيًا لعموم أهل الحديث في باكستان، وهذه الرتبة كانت متعطلة زمنًا.
التدريس والدعوة
وكان له نشاط كبير في التدريس والدعوة، وأقام منذ أكثر من عشر سنوات مدرسة للتحفيظ في جامع خالد بن الوليد، استفاد منها عشرات الآلاف، وبنى مركزاً كبيراً أسماه مركز أنصار السنّة سنة 1415، وجمع له كبار المدرسين ذوي العلم والخبرة، ويحوي مكتبة جيدة، ويكفل الطلاب المتميزين للتخصص والدراسات العليا فيه.
وسافر لعدد من المؤتمرات العلمية والدعوية داخل باكستان وخارجها، وله جهود كبيرة في نشر التوحيد والسنة في الجاليات الباكستانية والهندية بأمريكا وأوروبا، وهو عضو في مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وجريدة الاعتصام الأسبوعية بلاهور، ومجلس التحقيق الإسلامي بها.
شهادة الشيخ المباركفوري عنه
قال عنه الشيخ عبيد الله المباركفوري (صاحب مرعاة المفاتيح المتوفى 1414هـ):
- الشيخ من كبار علماء أهل الحديث بالباكستان إن لم يكن أكبرهم وأجلهم حاليا، وهو سلفي المعتقد والمنهج، وله دروس في شرح كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب، وقال لي: إنه لا يعلم حتى الآن جامعة تسمى جامعة الإمام محمد بن عبد الوهاب؛ ولذا شرع في إنشاء جامعة سلفية باسم جامعة الإمام محمد بن عبد الوهاب بلاهور بباكستان وهي تحت الإنشاء حاليا.
- كان أهل باكستان يلقبونه بـ (الحافظ)، واشتهر هذا اللقب حتى صار كأنه علم عليه.
- عمل مدير دار الإفتاء بجامعة لاهور، ويلقب بـمفتي لاهور، وفتاويه المكتوبة تقع في مجلدات عدة، وقد طبع بلاهور المجلد الأول من فتاويه وهو في التوحيد والعقيدة.
- وكان رئيسًا لمركز أنصار السنة بلاهور، وهذا المركز مركز إسلامي ضخم شارك في بنائه بعض أهل الفضل من المملكة العربية السعودية، وهو مركز تعليمي دعوي تربوي يدرس فيه مئات الطلاب، ويكفل مئات الأيتام، وفيه مقر لسكنى الطلاب الفقراء الذين يفدون للدراسة فيه، وتقام فيه الصلوات الخمس، ويلقي فيه الشيخ دروسه، ومن المؤسف أن هذا المركز -على جهوده الكبيرة- به أجزاء كبيرة بلا سقف ولا طلاء، وأبنيته غير مكتملة لقصور النفقة بهم.
-كان -رحمه الله- في أثناء السنوات التي قضاها بالمدينة كان يتردد على الرياض كثيرا لحضور دروس سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة الأسبق.
- كما لازم سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز (مفتي المملكة السابق) سنوات عدة بالمدينة وبالرياض.
- كذلك لازم الشيخ حمادًا الأنصاري ملازمة تامة عشر سنوات كاملة، كان يقرأ عليه فيها في بيته كتب السنة وشروحها، وقال لي إنه أكثر العلماء الذين استفاد منهم في أثناء مكثه بالمدينة.
- شرح صحيح البخاري كاملا في دروسه اليومية المستمرة في لاهور منذ ثلاثين سنة عشر مرات حتى الآن؛ حيث إنه من عادته أن يتم شرح صحيح البخاري كل ثلاث سنوات تقريبا في دروسه اليومية.
- له شرح مكتوب على سنن الترمذي يقع في 6000 ورقة، سماه جائزة الأحوذي على سنن الترمذي، وقد دفعه إلى دار إحياء التراث بالكويت وهو تحت الطبع حاليا.
وفاته
أصيب الشيخ -رحمه الله -بأمراض كثيرة، وابتلي في أوقات عديدة بأمراض عصيبة، وقدر الله معافاته منها، وعودته للبذل والإفادة، وقبل يومين من وفاته سقط في بيته سقطة قوية، وأصيب بكسر وشلل، وانقطع عن الكلام، وضاق نفَسُه، ونُقل للمستشفى، وتردت حالته الصحية، ثم انتقل إلى رحمة الله ضحى الأحد 25 جمادى الآخرة سنة 1442، عن اثنتين وثمانين سنة.
لاتوجد تعليقات