رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أحمد حمدي 15 مايو، 2017 0 تعليق

من فقه التمكين(1)

 

التمكين وسيلة لتحقيق الغاية، وهي تحقيق العبودية لله في الأرض، قال -تعالى-: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، وقيل لأحد السلف: خير للمرء أن يُمَكَّن أم يُبتَلى؟ قال: لا يُمَكَّن حتى يبتلى.

     فالطريق إلى الله يحتاج إلى جِدٍّ ومُثابَرة ومُجاهَدة وتضحيات، وهو طريق مليء بالأشواك والعقبات وليس مفروشًا بالورود؛ فالدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، وحُفَّت الجنةُ بالمَكَارِه وحُفَّت النارُ بالشهوات؛ فهذا الطريق ناحَ فيه نُوحٌ، وأُلقِي في النار إبراهيم، وأُلقِي يوسف في الجُبِّ والسجن، ونُشِر بالمنشار زكريا، وذُبِح الحَصُور يحيى، وتعرض فيه الأنبياء والرسل للإيذاء والتكذيب فصبروا حتى نصرهم الله.

- هل سيحاسبك الله إن لم يتحقق التمكين على يديك؟

- قال -تعالى- مخاطبًا النبي صلى الله عليه وسلم: «فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ»؛ فمن الممكن أن تكون لَبِنَةً على الطريق، والقضية أن تموت وأنت على طريق الحق حتى وإن لم تر التمكين بعينيك.

- هل ثوابك وأجرك مترتب على حدوث التمكين؟

- لا؛ فانظر إلى إبراهيم أبي الأنبياء وخير البرية بعد النبي[، قال الله -عزّ وجلّ- في حقه: «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ»، بعد سنين طويلة من الدعوة في العراق والشام ومصر والحجاز وهجرة وتضحيات!، ومكانته وفضله عند الله أعظم من نبي الله موسى مع أن من آمن بسيدنا موسى أكثر ممن آمن بسيدنا إبراهيم؛ فالثواب والأجر والمكانه عند الله ليست بكثرة الأتباع.

وكذلك مكانة سيدنا موسى أعظم من يوشع بن نون، مع أن سيدنا موسى مات في فترة التيه في سيناء على بعد رتوة من بيت المقدس ولم يَرَ فتحَه بعينيه، ويوشع بن نون هو الذى فتح الله على يديه بيت المقدس.

- هل نحن ننتظر (المَهدِيّ)؟

- (المَهدِيّ) حقيقة ليس خرافة،؛ فنحن نؤمن بما صَحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث في حقه، ولكن نحن لا نجلس وننتظر خروج (المَهدِيّ) دون عمل؛ بل إن (المَهدِيّ) لن يحرث الأرض من جديد، ولكن يُصلِحه الله في ليلة، عندما تكون هناك أُمّة تستحق التمكين وبذلت في طريقه خطوات؛ فيبعث الله القائد الرَبّانِيّ الذي يجني الثمرة؛ فمَهدِينا ليس مُنتَظَرًا كما عند الشيعة.

- متى يحدث التمكين؟

- نحن لا نَتَعَجّل التمكين والخِلَافة، فمن تَعَجَّلَ شيئًا قبل أوانه عُوقِب بحرمانه، قال -تعالى-: {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا}، وقال: {وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}، وقال[: «ولكنكم قوم تستعجلون».

فنحن لا نَتَعَجَّلُ التمكين كالجماعات الصدامية التكفيرية الذين عندهم اندفاع وتسرع وتهور؛ لأن التمكين عندهم غاية إن لم يتحقق يشعر بالإحباط واليأس؛ لأنه فشل في تحقيق غايته.

     فمُصعب بن عُمَير وياسر وسمية وخَبّاب -رضي الله عنهم- ماتوا جميعًا ولم يروا التمكين بأعينهم، ولا يشترط أن ترى هلاك الظالمين بعينيك أو تشفى غيظك وغليلك؛ فهناك يوم آخر وحساب وجَنّة ونار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صبراً آلَ ياسر، فإنَّ مَوْعِدكم الجنة؛ « فلا يشترط أن تصفى الحسابات كاملة في الدنيا، وللحديث بقية بإذن الله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك