من عوامل رقي الأمة الإسلامية وتقدمها- الحرص على التعلم وإصلاح النفس بالوسـائل الممكنة
إن أولى خطوات الرقيِّ بالأمة، بعد توضيح مفهوم عقيدة التوحيد وترسيخها، هي تربية الفرد، ووصوله إلى كماله البشري، من القيم والأخلاق الفاضلة، وهذه التربية منطلق ونواة أساسية في تغيير الأمة، والرقي بها؛ فالفرد نواة المجتمع، وبذرة تكوينها، وإن أي تقصير وخلل في تربية الفرد، وإعداده من مراحله الأولى، سيكون له نتائج عكسية لا حصر لها، سواء على الفرد نفسه، أم على المجتمع، أم على الأمة بأسرها.
ومن هذه الجوانب: ما يتعلق بالإنسان نفسه؛ من حيث تعليمه، وتثقيفه.
سوف ألقي الضوء بشيء من الاختصار على هذا الجانب الثاني المتعلق بالإنسان نفسه؛ من حيث تعليمه وتثقيفه.
من المؤسف حقاً أنه يشاع بل يرسخ في الأذهان (أن أمة اقرأ لا تقرأ )، ولعل هذه المقولة، كما قيل: إنها أُخذت من العبارة التي نُسبت إلى (موشي دايان) رئيس وزراء إسرائيل السابق: (أن العرب أمة لا تقرأ).
ولكن مع الأسف أيضاً أن هذه المقولة يؤكدها الواقع، كما تؤكدها الدراسات التي تصدر من الجهات المختصة بالعلوم والثقافة. وفي تقرير نُسب لليونسكو عن القراءة في الوطن العربي جاء فيه: إن المواطن العربي يقرأ (6) دقائق في السنة، وفي الوطن العربي يصدر كتاب لكل (350) ألف مواطن؛ بينما يصدر كتاب لكل (15) ألف مواطن في أوروبا، كما أن كل دور النشر العربية تستوعب من الورق ما تستهلكه دار نشر فرنسية واحدة، كما كشفت إحصائيات أن الإنسان الأوربي يقرأ بمعدل (35) كتاباً في السنة, والإسرائيلي يقرأ بمعدل (40) كتاباً في السنة، وأما العربي فإنّ (80) شخصاً يقرؤون كتاباً واحداً في السنة.
تباين واضح
إن المقارنة بين وضع القراءة في العالم الإسلامي، وبين الدول الأوربية المتقدمة، وبين أعداد الكتب المطبوعة، والمترجمة من اللغات الأجنبية الأخرى تشير إلى نسب توضح بوناً شاسعاً، يؤكد ضرورة معالجة هذا الوضع.
إن ما نشاهده اليوم أن الكثير بل الغالبية لا يهتم بالقراءة، وتعليم نفسه، أو تثقيفها، بل تشاهد وتسمع العجب العجاب من أناس لا يعرفون أبسط المعلومات الشرعية، أو المعلومات العامة التي تخص مجتمعه، أو أمته.
وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى العزوف عن القراءة، وعدم الرغبة في الاطلاع، والاستزادة من العلم، وكأني بأناس لهم سنوات طويلة، وهو لم يشتر كتاباً واحداً، أو يقرأ مجلة نافعة مفيدة، وإذا قرأ فإنه يقرأ كُتباً في مجالات علمها لا ينفع، وجهلها لا يضر.
وهناك دراسات تؤكد أن نحو 70% مما يتعلمه المرء يأتي عن طريق القراءة، والعقل البشري إذا لم يتغذ بالعلم، وبالمعرفة باستمرار، فإنه يتوقف عند حد معين، فكلما تعلم، وقرأ الإنسان نما، وتوسع عقله، وكلما ابتعد، وحجب نفسه عن التعليم، والقراءة بقي العقل متوقفاً، وربما جامداً في مكانه.
وقد تلاحظ ذلك بوضوح في الكثير من الناس الذين توقفوا عن طلب العلم، والتزود المعرفي، فإنهم بقوا على معرفتهم السابقة لا تطوير، ولا تجديد على عكس الإنسان الذي يسعى إلى الاطلاع، والمعرفة يومياً، وفي علوم، ومعارف شتى، تجده منفتحاً، وذا رأي، وحكمة، وطرح جميل، ومفيد. ومما ورد عن سعيد بن جبير - يرحمه الله - قوله: «مايزال الرجل عالمًا ما تعلم، فإذا ترك التعلم، وظن أنه قد استغنى، واكتفى بما عنده، فهو أجهل ما يكون».
فالعلم بحر لا ساحل له، والاستمرار في طلب العلم لا حدَّ له، وروى ابن عبد البر - يرحمه الله - أنه قِيل لابن المبارك - يرحمه الله -: إلى متى تطلب العلم؟ قال: حتى الممات إن شاء الله تعالى، وقال: لعل الكلمة التي تنفعني لم أكتبها بعد.
القراء دليل تحضر الأمم
إن القراءة دليل على تحضر الأمم، وتطورها الفكري، والثقافي، والاجتماعي، والفردي، ومما يميز الدول المتقدمة اليوم أن الفرد يحرص على الاستزادة من العلم، والمعرفة باستمرار من خلال الالتحاق بصروح العلم، والثقافة المنتشرة في شتى مناحي البلاد، فضلاً عن حرصه الكبير على القراءة النافعة باستمرار، وهذا ملاحظ، فتشاهد الكثير منهم لا تخلوا يديه من كتاب، أو مجلة نافعة، في الطائرة، أو في القطار، أو في الحافلات، أو في أماكن الانتظار.
إن الفرد المسلم العاقل عليه مسؤولية كبيرة تفرضها عليه النصوص الشرعية الكثيرة جداً التي تُعلي من شأن العلم، وطلابه، ومن حق مجتمعه، وأمته، أن يسعى في تهذيب نفسه وإصلاحها بالوسائل الممكنة كلها من العناية باستقامته، وبتعليمه، وتثقيفه، وزيادة فعاليته، وإيجابيته، وحسن علاقاته بالآخرين.
منطلقات وأسس مهمة
هناك جملة من المنطلقات التي يمكن أن تساعد على تطوير الفرد، وزيادة فاعليته، ومن أهمها:
1- استشعار النصوص الشرعية التي تؤكد على أهمية العلم، وطالب العلم، والأجور العظيمة، والفضائل العميمة، التي سيحصل عليها من اهتمامه بأي علم يفيد به الإسلام، والمسلمين.
2- الحرص على القراءة النافعة المفيدة، والسعي المستمر على ذلك، والاجتهاد في قراءة كتاب كل شهر على الأقل.
3- الحرص على الالتحاق بالدورات العلمية، وبمجالس العلم، ودروس العلماء في العلوم الشرعية، وغيرها، والعناية بسماع المحاضرات، والدروس في مختلف العلوم عن طريق وسائل التقنية الحديثة، وهي كثيرة، ومتنوعة، وسهلة الوصول إليها، ولا عذر لأحد في ذلك.
4- الحرص على الالتحاق بالدورات التي تُعنى بالتنمية البشرية، وتطوير القدرات، وزيادة التفاعل الإيجابي مع الآخرين.
5- العناية التامة بإنشاء المكتبات العامة في الأحياء كافة، والأماكن العامة، وتسهيل السبل المعينة كلها للتشجيع على القراءة.
6- على الأسرة مسؤولية كبيرة في تحبيب النشء منذ نعومة أظفارهم في القراءة النافعة على أن يكون الوالدان قدوة حسنة في ذلك.
7- ابتكار وسائل جديدة للترغيب في القراءة، ومن ذلك: عمل ملخصات لبعض الكتب المفيدة، التوزيع المجاني، إعداد مسابقات في بعض الكتب المفيدة، عقد ندوات شهرية، أو أسبوعية لعرض ملخصات لبعض الكتب النافعة... إلخ.
لاتوجد تعليقات