رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 23 مايو، 2016 0 تعليق

{من عمل صالحا فلنفسه} (1)

ورد لفظ العمل الصالح في القرآن الكريم في أكثر من تسعين موضعا طلبا له، وذكرا لفضله، ومدحا لأهله، وبيانا لجزائهم في الدنيا والآخرة

العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، فيكون رفع الكلم الطيب بحسب أعمال العبد الصالحة، فإذا لم يكن له عمل صالح، لم يرفع له قول إلى الله -تعالى-.

 

مطلوب من المسلم أن يتدبر القرآن الكريم كما قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}(ص: 29)، ومن تدبر القرآن الكريم معرفة معاني المصطلحات القرآنية وضوابطها ليتحقق الامتثال الصحيح لكتاب الله -تعالى-.

قال ابن القيم: «ومعلوم أن الله -سبحانه- حدّ لعباده حدود الحلال والحرام بكلامه؛ وذمّ من لم يعلم حدود ما أنزل الله على رسوله، والذي أنزله هو كلامه، فحدود ما أنزل الله هو الوقوف عند حدّ الاسم الذي علق عليه الحلّ والحرمة».

ولهذا العلم فضيلة ومزية، كما قال ابن القيم : «فإن أعلم الخلق بالدين أعلمهم بحدود الأسماء التي علق بها الحلّ والحرمة».

     ومن الألفاظ التي كثر ورودها في القرآن الكريم لفظ (العمل الصالح)؛ ففي أكثر من تسعين موضعا في القرآن الكريم يذكر العمل الصالح؛ طلبا له، وحثا عليه، وذكرا لفضله، ومدحا لأهله، وبيانا لجزائهم في الدنيا والآخرة؛ مما يدفع المسلم لمعرفة حقيقة العمل الصالح وفضله وضوابطه، وهو مجال شاسع، لايتسع المقام لتفصيله، ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، وأهمية ذلك ترجع لأمور منها:

العمل الصالح سبب النجاة من الخسران

     قال تعالى:{وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ.إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر1-3)، قال الشيخ ابن سعدي: «عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات: الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فلا يتم إلا به.

والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحقوق الله وحقوق عباده، الواجبة والمستحبة.

والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضا بذلك، ويحثون عليه، ويرغبون فيه».

العمل الصالح جزاؤه الجنة

      قال تعالى:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (البقرة:25). قال ابن سعدي: «ففي هذه الآية الكريمة، ذكرُ الُمبَشِّر والمُبَشَّر والُمبشَّر به؛ والسبب الموصل لهذه البشارة، فالمبشِّر: هو الرسول[ ومن قام مقامه من أمته، والمبشَّر:  هم المؤمنون العاملون الصالحات، والمبشر به: هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات؛ والسبب الموصل لذلك هو الإيمان والعمل الصالح؛ فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة، إلا بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة، على يد أفضل الخلق، بأفضل الأسباب».

العمل الصالح سبب لتكفير العمل السيء

 قال سبحانه:{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}(المائدة:9)، وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}(العنكبوت:7).

قال ابن سعدي:» يعني أن الذين مَنَّ الله عليهم بالإيمان والعمل الصالح سيكفر الله عنهم سيئاتهم؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات».

يؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم : «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتـنبت الكبائر» متفق عليه .

العمل الصالح يهدي في الدنيا والآخرة

قال سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (يونس: 9).

     قال ابن سعدي:» أي: بسبب ما معهم من الإيمان، يثيبهم الله أعظم الثواب، وهو الهداية، فيعلمهم ما ينفعهم، ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية، ويهديهم للنظر في آياته، ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم وفي الصراط المستقيم، وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم».

العمل الصالح سبب لرفع الأذكار

قال تعالى:{إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}(فاطر: 10)، قال ابن عباس: الكلم الطيب: ذكر الله، يصعد به إلى الله -عز وجل- والعمل الصالح: أداء فرائضه، ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه، رد كلامه على عمله، فكان أولى به .

 وقال إياس بن معاوية القاضي : لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام .

وقال الحسن ، وقتادة : لا يقبل قول إلا بعمل .

وقال ابن سعدي: والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، فيكون رفع الكلم الطيب بحسب أعمال العبد الصالحة؛ فهي التي ترفع كلمه الطيب، فإذا لم يكن له عمل صالح، لم يرفع له قول إلى الله -تعالى-؛ فالأعمال التي ترفع إلى الله -تعالى- ويرفع الله صاحبها».

العمل الصالح سبب الحياة الطيبة

      قال تبارك وتعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(النحل: 97). قال ابن كثير:» هذا وعد من الله -تعالى- لمن عمل صالحا - وهو العمل المتابع لكتاب الله -تعالى- وسنة نبيه من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله - بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة».

العمل الصالح سبب حصول المحبة للعبد

 قال سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا} (مريم: 96)، قال ابن عباس: «محبة في الناس في الدنيا». وقال مجاهد: «يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين».

وفي الحديث الصحيح: «إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل: إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» قال ابن سعدي: «وإنما جعل الله لهم ودا؛ لأنهم ودوه، فوددهم إلى أوليائه وأحبابه»، وقال تعالى: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» رواه البخاري.

العمل الصالح سبب استمرار الأجر إذا تركه العبد لعذر

     قال النبي صلى الله عليه: «إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعملُ مقيماً صحيحاً» رواهُ البخاري قال ابن حجر: «وهو في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها» يؤيده رواية أحمد عن أنس مرفوعا:» إذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله: اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله، فإن شفاه غسله وطهره ، وإن قبضه غفر له ورحمه» وحسنه الألباني.

العمل الصالح سبب حفظ العامل وذريته

     قال تعالى:{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ}(الكهف: 82). قال القرطبي: «فيه ما يدلُ على أنَّ اللهَ -تعالى- يحفظُ الصالح في نفسهِ وفي ولدهِ وإن بعدوا عنه».

العمل الصالح سبب الاستخلاف في الأرض

 قال عزوجل:{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (النور:55).

الكافرون يتحسرون بعد الموت على العمل الصالح

قال تعالى:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}(المؤمنون: 99-100)

قال الشوكاني مبينا أن الكافر يخاطب الملائكة:» أي: أعمل عملا صالحا في الدنيا إذا رجعت إليها من الإيمان وما يتبعه من أعمال الخير، ولما تمنى أن يرجع ليعمل رد الله عليه ذلك بقوله: كلا إنها كلمة هو قائلها فجاء بكلمة الردع والزجر.

وليس الأمر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا، أو المعنى: أنه لو أجيب إلى ذلك لما حصل منه الوفاء كما في قوله: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه}.

وقال سبحانه عن أهل النار:{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} (فاطر:36-37).

قال ابن عاشور: «وقولهم نعمل صالحا وعد بالتدارك لما فاتهم من الأعمال الصالحة،وهذا ندامة على ما كانوا يعملونه؛ لأنهم أيقنوا بفساد عملهم وضره، فإن ذلك العالم عالم الحقائق».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك