رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 25 أغسطس، 2020 0 تعليق

من صفات أهل التقوى الصبر على الأقدار المؤلمة إيمانا بقضاء الله وقدره – الشيخ المنيع: جاءت الشريعة الإسلامية للتعامل مع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وأمرت بالمحافظة على البيئة من انتشار الأمراض والأوبئة حفاظاً على الصحة


ألقى عضو هيئة كبار العلماء والمستشار بالديوان الملكي الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع، خطبة عرفة لعام 1441هـ (يوم الخميس: 9 من ذي الحجة لعام 1441هـ. الموافق30 من يوليو2020)، واستهلها بحمد الله والثناء عليه على ما تفضل به على العباد من النعم الغزار، والخير المدرار، موصيًا بتقوى الله، ومبينا ثمارها في توحيد الله وإفراده بالعبادة؛ حيث تتنزل الخيرات بالإقدام على الطاعات، ثم أكد الشيخ المنيع أن الله قد أكمل الدين، فلا يحتاج إلى أن يُزاد فيه، ثم بين بعض صفات أهل التقوى من الصبر على المصائب وكيفية التعامل معها. ثم تطرق الشيخ المنيع إلى حماية المجتمع من المشكلات الاجتماعية والنفسية, وأهمية الترابط والتآلف والتكافل الاجتماعي، وحفظ الحقوق وصيانة الدماء والأموال وحرمة الاعتداء والإيذاء للآخرين، وبين تأكيد الشريعة على طاعة ولاة الأمور في غير معصية، وأنها أمرت بالعدل وتحقيق المصالح ودرء المفاسد، وأمرت بالصلح والإصلاح، ولحفظ الصحة وسلامة الأبدان أمرت الشريعة بالطهارة والنظافة والمحافظة على البيئة، وإباحة طيب الطعام والنهي عن الخبيث منه، وشرعت الطهارة لحماية المجتمعات من انتشار الأمراض والأوبئة. ثم ختم الشيخ عبدالله المنيع ببيان فضل يوم عرفة، وأن على المسلمين أن يكثروا من الذكر والدعاء فيه.

 

 تقوى الله والتوحيد

     أيها المسلمون، نوصيكم بتقوى الله -تعالى-، التي أوصى بها الأولين والآخرين، قال -سبحانه-: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} (النساء: 131)، وبتقوى الله تتنزل الخيرات، وتبتعد المصائب والمكروهات قال -تعالى-: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (الطلاق: 4)، وتقوى الله تتمثل في الإقدام على الطاعات، والإحجام عن المعاصي والسيئات، وأعظم خصال التقوى توحيد الله وإفراده بالعبادة؛ بحيث لا يُصَلى إلا لله، ولا يُدعى إلا الله، ولا يُعبد أحد سواه، لا بذبح ولا بنذر ولا بغير ذلك من أنواع العبادة، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 21)، وقال -تعالى-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (النساء: 36)، وقال -تعالى-: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (الأنعام: 102). وقال -تعالى-: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} (الزمر: 64/65/66). وهذا هو مقتضى شهادة التوحيد لا إله إلا الله، وقرينتها شهادة أن محمدا رسول الله. قال -تعالى-: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (الأحزاب: 40)؛ وحيث يُطاع أمره ويُصَدَّق خبره ولا يُعبد الله إلا بما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

البدع والإحداث في الدين

     لقد أكمل الله الدين، فلا يحتاج إلى أن يُزاد فيه، وذلك عبر الإحداث والبدع، فهذا مما ينبغي أن يكون للمسلمين مجال فيه وفي إنكاره - أعني البدع والإحداث في الدين -. وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموطن في يوم عرفة قالصلى الله عليه وسلم -: «قال الله -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3) وقد أوضح النبيصلى الله عليه وسلم - أنّ الإسلام بُني على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلوات الخمس في اليوم والليلة، وإيتاء الزكاة بإخراج جزء يسير من المال لمستحقيه، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا. كما ذكرصلى الله عليه وسلم - أركان الإيمان فقال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره»، قال -تعالى-: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 151/152/153) فبعد ان امتن الله -تعالى- ببعثة نبيهصلى الله عليه وسلم - أوصى بالشكر والذكر والصبر على ما يقدره -سبحانه وتعالى.

 

من صفات أهل التقوى

     وإن من صفات أهل التقوى الصبر على الأقدار المؤلمة قال -تعالى-: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة: 177)، فإن الحياة الدنيا لا تسلم من المصائب، ولذا أمرنا الله -سبحانه وتعالى- بالصبر؛ حيث قال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة: 155/156/157). وقال -تعالى-: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل: 96). وكيف لا يصبر العبد وهو مؤمن بالقضاء والقدر؟ مؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وبأنه لو اجتمع من في الأرض فلن يستطيعوا أن يدفعوا عنه قدر الله؛ حيث قال -سبحانه-: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (الحديد: 22).

المصائب تذكر النعم

     وهذه المصائب تجعل العبد يتذكر النِّعم الكثيرة، والخيرات الوفيرة التي وهبها الله للإنسان، قال -تعالى-: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (النحل: 18). وقال -تعالى-: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (لقمان: 20).

المصائب تُعَرِّف بقدرة الله

     وهذه المصائب تُعَرِّف العبد بقدرة ربه، ومن ثَمَّ يعود إلى الله متضرعا طالبا رجاءه ومغفرته. قال -تعالى-: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الأعراف: 168). وقال -تعالى-: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (السجدة: 21). وقال -تعالى-: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} (الأنعام: 42). وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (فاطر: 15).

المصائب تُذكِّر بالآخرة

     وهذه المصائب تُذَكّر الناس بالآخرة وتجعلهم يستعدون للجنة التي لا مصائب فيها ولا أحزان، قال -تعالى-: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة: 17). وقال -تعالى-: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (الزخرف: 71).

المصائب يحصل بها اختبار العباد

     وبهذه المصائب يحصل اختبار العباد، والتمييز بين أهل الصبر وأهل الجزع قال -تعالى-: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأنبياء: 35)، وإن الشدائد مهما عَظُمت فإنها لا تدوم ورحمة الله أوسع، وفرجه أقرب. وقد وعد الله بالفرج والتيسير قال -تعالى-: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح: 5/6). وقال -تعالى-: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (الطلاق: 7). وقال -تعالى-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 185)، وهذه المصائب تفتح أبواب طاعة الله -تعالى-، بالتضرع إليه في دفعها قبل وقوعها، وفي فعل الأسباب المؤدية لرفعها بعد حصولها.

التوجيهات الإلهية للتعامل مع المصائب

     وقد جاءت الشريعة الإسلامية المباركة بعدد من الإجراءات المؤدية إلى ذلك؛ فقد جاءت التوجيهات الإلهية للتعامل مع المصائب والمشكلات المالية والاقتصادية بما يحقق رغد العيش للخلق، فمن ذلك أن الشريعة الإسلامية رغّبت في الإنتاج ومزاولة الأعمال، وحثت على التجارة، وجعلت الأصل في البيوع الحِل والجواز وحرّمت الربا والغش والخداع، وأمَرَت باحترام الأموال العامة، واحترام الأموال الخاصة، وأمرت بالوفاء بالعهود وبالالتزامات، ونظَّمت التعاون والتبادل التجاري، وأمرت بسداد الديون وتوثيق الحقوق، وحذّرت من الإسراف، وفرض دفع الزكاة للفقراء والمساكين، ورغّبت في الصدقات لاسيما أيام الشدة والبلاء قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة: 1). وقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (الفرقان: 67). وقال -تعالى-: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة: 275). وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (النساء: 29). وقال-تعالى-: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (البقرة: 282). وقال -تعالى-: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} (الأنعام: 152). وقال -تعالى- عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} (آل عمران: 133/134).

حماية المجتمع من المشكلات الاجتماعية

     ولحماية المجتمع من المشكلات الاجتماعية والنفسية أمرت الشريعة ببر الوالدين، وصلة الأقارب والأرحام، وحسن تربية الأولاد، ورغّبت في الترابط والتآلف والتكافل الاجتماعي، وأعطت لكل واحد من الزوجين حقوقا على الآخر، وكفلت حقوق الإنسان رجلا وامرأة وطفلا كبيرا وصغيرا سليما ومعاقا. بل جاءت بمراعاة نفسيات الآخرين والوقوف معهم في أيام محنتهم ومصائبهم، كما أمرت بحسن الخلق وطيب المنطق والترغيب في نشر المحبة والوئام والتعاون بين الناس. قال -تعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء: 23/24). وقال -تعالى-: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (الإسراء: 53). وقال - تعالى-: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء: 19). وقال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90). وقال -تعالى-: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (الإسراء: 26). وقال أسامة بن جريج شهدت رسول اللهصلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وهو يخطب ويقول: «أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك».

المجالات السياسية والأمنية

     وفي المجالات السياسية والأمنية جاءت الشريعة بإجراءات توصل إلى سلامة البلاد والعباد، واستقرارهم وتمكنهم من أداء مهامهم وأعمالهم. وجاءت الشريعة لحفظ الحقوق وصيانة الدماء والأموال، وحرمت الاعتداء والإيذاء للآخرين، كما منعت من تأييد الصراعات، ومنعت تغذية الإرهاب، ونهت عن الإفساد في الأرض، وأمرت بالابتعاد عن مسببات الفتن، وحذرت من الاستجابة للأعداء المتربصين، وأمرت بالالتزام بالأنظمة، وبطاعة ولاة الأمور في غير معصية، وأمرت بالعدل وتحقيق المصالح ودرء المفاسد، وأمرت بالصلح والإصلاح، قال -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103). وقال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام: 82)، وقال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (النحل: 90). وقال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 58/59). وقال -تعالى-: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا} (الأعراف: 85/86). وقال -تعالى-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (الحجرات: 9). وقال -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات: 10). وقال النبيصلى الله عليه وسلم - في خطبة الوداع: «واعلموا أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض». ثم أمرهمصلى الله عليه وسلم - بالسمع والطاعة وقال: «أيها الناس إن الله أدّى إلى كل ذي حق حقه». وقال: «اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأطيعوا إذا أُمِرتم تدخلوا جنة ربكم».

حفظ الصحة وسلامة الأبدان

     وأما في الجانب الطبي، فقد جاءت الشريعة الإسلامية بتوجيهات تؤدي إلى حفظ الصحة وسلامة الأبدان، فمن ذلك أن أمرت بالطهارة والنظافة وأمرت بالمحافظة على البيئة نقية طاهرة، وأباحت طيب الطعام ونهت عن الخبيث منه، وشرعت الطهارة لحماية المجتمعات من انتشار الامراض والأوبئة، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (المائدة: 6). وقال -تعالى-: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (المدثر: 4). وقال -تعالى-: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (الشعراء: 80). وقال -تعالى- في وصف نبيه ورسولهصلى الله عليه وسلم -: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (الأعراف: 157)، وقال النبيصلى الله عليه وسلم -: «عباد الله تداووا فإنه ما من داء إلا وله دواء». وقالصلى الله عليه وسلم-: «فر من المجذوم فرارك من الأسد». وقالصلى الله عليه وسلم -: «لا يوردن مصح على ممرض». وقالصلى الله عليه وسلم-: «إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها».

 

يوم عرفة الذكر والدعاء

     وعلى صعيد عرفة في هذا اليوم المبارك قالصلى الله عليه وسلم-: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة»؛ ولذا يستحب للحجاج عدم صوم يوم عرفة؛ ليكثروا من الذكر والدعاء، فقد خطبصلى الله عليه وسلم- في عرفة، ثم أمر بلالا فأذن، ثم أقام الصلاة فصلى الظهر مقصورة ركعتين، ثم أقام فصلى العصر مقصورة ركعتين، ثم وقف بعرفة يذكر الله ويدعوه إلى أن غرب قرص الشمس، ثم ذهب إلى مزدلفة فصلى فيها المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين جمعا وقصرا، وبات بمزدلفة وصلى الفجر بها ثم دعا الله إلى أن أسفرت، ثم ذهب إلى منى فرمى جمرة العقبة بسبع حصيات، وذبح هديه، وحلق رأسه، ثم طاف بالكعبة طواف الإفاضة، وبقي في منى أيام التشريق يذكر الله ويرمي الجمرات الثلاث، فلما فرغ من حجه وأراد السفر طاف بالبيت العتيق.

 

 

الشيخ عبد الله بن سليمان بن محمد المنيع.. نبذة عن سيرته

      ولد في شقراء (عاصمة منطقة الوشم من أقاليم نجد في السعودية) عام (1349هـ/1930)، وهو عضو هيئة كبار العلماء والمستشار بالديوان الملكي السعودي، حصل على الشهادة الجامعية من جامعة الإمام محمد بن سعود سنة 1377 هـ. ومن شيوخه العلماء: محمد بن إبراهيم، محمد الأمين الشنقيطي، عبد الرزاق عفيفي، عبد الله بن حميد، عبد العزيز ابن باز، وعمل في الإفتاء والقضاء منذ عام 1377 هـ، وفي عام 1391 أصبح عضوا في هيئة كبار العلماء ولايزال، وفي عام 1429 هـ أصبح مستشاراً شرعياً في الديوان الملكي السعودي.

     له العديد من المؤلفات منها: (الورق النقدي تاريخه)، (حوار مع المالكي)، (أحاديثي في الإذاعة)، (مجموع بحوث وفتاوى)، (بحوث في الاقتصاد الإسلامي)، (رسالة في زكاة عروض التجارة)، (نافذة على المجتمع)، (حوار مع الاشتراكيين)، (التأمين وحكمه في الشريعة الإسلامية). ولسماحته العديد من المشاركات الإعلامية، ومناقشة الرسائل العلمية لمرحلة الماجستير والدكتوراه.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك