رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد محمود محمد 23 يوليو، 2017 0 تعليق

من شبهات الملحدين حول الملائكة – نفيهم لوجودهم والتشكيكفي أسمائهم واعتراضهم على خلق آدم

 

 

للملاحدة على عقيدة الإيمان بالملائكة شبهات، منها نفيهم لوجود الملائكة أصلاً، ومنها قولهم بأنه لما كانت الملائكة كائنات خرافية، فقد استعار الإسلام أسماءهم من كتب اليهود، بدليل أن أسماء الملائكة الواردة في القرآن والسنة أسماء عبرية، ومنها قولهم بأن الملائكة التي لا تعصي الله، كما قال القرآن اعترضت على الله حين خلق آدم. وللجواب عن الشبهة الأولى نقول:

الإيمان بالملائكة إيمان بغيب جميل

      يقول الله -تعالى-: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}(غافر: 7). حتى الكرام الكاتبين، بل ملائكة العذاب في نار الجحيم، هي جميعاً نِعم عظيمة مِنْ نِعم الله علينا؛ لأنها وسائل لتحقيق رحمة الله، وكرم الله، وعدل الله في خلقه، ولذلك بدأت سورة فاطر بالحمد على نعم عدَّ منها خلقه -سبحانه- للملائكة فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(فاطر:1).

الملائكة كائنات نورانية حقيقية

     فليست الملائكة كائنات خيالية تراها أعين الحالمين، والمولعين بالخرافات، بل هي كائنات حقيقية يراها الأنبياء، وبعض الصالحين ممن شاء الله لهم ذلك، يرونهم، لكن ليس على صورتهم الحقيقية التي خلقوا عليها، وقد تواترت الأخبار الصحيحة بذلك، ففي الصحيحين أن أُسيد ابن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده إذ جَالَتْ فرسه، فقرأ ثم جَالَتْ أخرى فقرأ، ثم جَالَتْ أيضا. قال أُسيد: فخشيت أن تطأ يحيى فقمت إليها فإذا مثل الظُّلَّة فوق رأسي فيها أمثال السُّرُج عَرجت في الجو حتى ما أراها. قال: فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله بينما أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي إذ جَالَتْ فرسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ ابن حضير. قال: فقرأت ثم جَالَتْ أيضا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير. قال: فقرأت ثم جَالَتْ أيضا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ ابن حضير. قال: فانْصَرَفَتْ، وكان يحيى قريبا منها خشيت أن تطأه، فرأيت مثل الظُّلّة فيها أمثال السُّرُج عَرجت في الجو حتى ما أراها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم.

      وثبت في صحيح مسلم كذلك أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله -عز وجل- قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه. وفي حديث الأبرص والأقرع والأعمى أن الله بعث لهم ملكا ابتلاء لهم، وهو في صحيح مسلم. وقد رأى الصحابة الملائكة في صورة رجال في مواطن عديدة وردت بها كتب السنة والسيرة، فهي إذاً كائنات حقيقية لكن لا تُرى على صورتها الحقيقية؛ لأنها كائنات نورانية لطيفة، ولم يرهم أحد على صورتهم الحقيقية من هذه الأمة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم أن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هاتين الآيتين: {ولقد رآه بالأفق المبين} (التكوير: 23)، {ولقد رآه نزلة أخرى} (النجم: 13) فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خُلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض». فإذاً الملائكة حقيقة، وإنكار الملحدين لوجودهم لن يفيدهم.

الملائكة أول ما سيتحقق منه الملحدون

     وذلك عند الاحتضار وخروج أرواحهم من أجسادهم، فسيعاينون الملائكة، فيعرفون بطلان عقيدتهم في الغيب، ويندمون حين لا ينفع الندم، قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله -تعالى-: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} (الفرقان:22)، وذلك يَصْدُق على وقت الاحتضار حين تبشرهم الملائكة بالنار، وغضب الجبار، فتقول الملائكة للكافر عند خروج روحه: اخرجي أيتها النفس الخبيثة في الجسد الخبيث، اخرجي إلى سَموم وحَميم، وظلِّ من يحموم. فتأبى الخروج وتتفرق في البدن، فيضربونه، كما قال الله -تعالى-: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} الأنفال:50. وقال: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أي: بالضرب، أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} الأنعام: 93.

وأما للجواب عن الشبهة الثانية فنقول:

أسماء الملائكة ليست عبرية

فإن الملاحدة حين يثيرون على الملائكة هذه الشبهة فإنهم يتغافلون عن حقائق ثلاثة وهي:

(1) إن أسماء الملائكة ليست عبرية، لكنها وردت في العبرية، كما وردت في العربية، فهي أسماء اشترك في استعمالها العرب مع غيرهم، وأقرب دليل على عدم اختصاص العبرية بالأسماء التي تنتهي بإيل هو تسمية أبي العرب إسماعيل بذلك.

(2) وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية أسماءٌ للملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل، وجاءت بهما أيضاً أسماء: مالك خازن النار، وفي بعض الآثار رضوان خازن الجنة، بينما أسماء الملائكة في الكتاب المقدس لليهود والنصارى هي: ميخائيل، جبرائيل، رافائيل، سورئيل، سداكيئيل، سراثيئيل، أنانيئيل. فهل مجرد تسمية القرآن لجبريل باسمه الذي كان معروفاً به، يعد دليلاً على أنه مأخوذ عنهم، إنه لم يقرهم على تسمياتهم للملائكة السبعة، إلا في واحد فقط؟!، فهل هذا يدل على أنه تأثر بما ورد في كتب أهل الكتاب ولو بأدنى تأثير، حتى يقال إنه أخذ اسم (جبريل عليه السلام) عنهم؟!.

(3) المَلَكُ المذكور في القرآن والكتاب المقدس لليهود والنصارى هو ملك واحد فقط، وقد سمي في القرآن بأسماء عدة، فأطلق عليه اسم (جبريل) في موضع، للدلالة على ذاته التي يعرفه بها أهل الكتاب؛ لأن الاسم علامة يعرف بها من وضع له، فذلك الملك يعرف بذلك الاسم عند اليهود كما عند غيرهم، ولكنه ذكر في القرآن الكريم في مواضع أخرى بمسميات أخرى، فسماه في موضع (الروح الأمين)، وسماه في موضع آخر (شديد القوى) و (ذو مرة)، وهي مسميات تدل على حقيقة ذلك الملك، ولا مصدر لها فيما بأيدي أهل الكتاب من توراة أو إنجيل، فلا يكون لها مصدر إلا الوحي الإلهي المعصوم، لا ما ناله التحريف والتزييف.

وأما الجواب عن الشبهة الثالثة فنقول:

الملائكة لم تعترض

     فقول الملاحدة ومن على شاكلتهم، بأن الملائكة اعترضت حين سألت عن الحكمة من خلق آدم عليه السلام، يُعد تعسفاً في الفهم، مرده سوء النية، وإلا فإن ما بَدَرَ من الملائكة عليهم السلام لم يكن إلا مجرد استفهام، وأغراض الاستفهام في اللغة لا تنحصر في الاستنكار، كما يتوهم الحمقى، بل منها ما يكون للاستعلام والاستكشاف، بل هذا هو أصل الاستفهام أنه سؤال عن شيء مجهول لدى السائل، وهكذا هو شأن الملائكة حين سألوا عن الحكمة من خلق الله لآدم بينما سيكون في ذريته من يفسد في الأرض ويسفك الدماء.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك