رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر 23 أكتوبر، 2017 0 تعليق

من سمات صدق محبـة النبـيصلى الله عليه وسلم

إنّ محبّة النبيّ صلى الله عليه وسلم من أعظم الطّاعات، وأجلّ القربات؛ فهو سيّد ولد آدم وإمام الورى وقدوة عباد الله والداعي إلى صراطه المستقيم، المبعوث رحمة للعالمين، ومحجّة للسالكين، وحجّة على الخلائق أجمعين، افترض الله على العباد طاعته ومحبته وتعزيره وتوقيره والقيام بأداء حقوقه صلوات الله وسلامه عليه، ولما كان لابد لكلِّ دعوى من برهان يدلُّ على صدقها، فإنّ لدعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم سمات وعلامات تدلّ على صدقها، كلّما عظم نصيب العبد وحظُّه منها عظم نصيبه وحظُّه من المحبّة، ولعلّ جماع هذه السِّمات ما يأتي:

اتباع سنته والتّمسك بهديه صلى الله عليه وسلم 

     قال الله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} آل عمران31. قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: «هذه الآية الكريمة حاكمة على من ادّعى محبّة الله، وليس هو على الطّريقة المحمديّة فإنه كاذب في دعواه في الأمر نفسه حتى يتبع الشّرع المحمديّ والدّين النبويّ في أقواله وأفعاله وأحواله جميعها كما ثبت في الصّحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ»؛ ولهذا قال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبّتكم إياه، وهو محبته إيّاكم، وهو أعظم من الأوّل» انتهى ملخصاً من تفسيره.

الإكثار من ذكره ومحبة رؤيته صلى الله عليه وسلم 

     قال ابن القيم رحمه الله: «العبد كلّما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبّه تضاعف حبُّه له، وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه. وإذا أعرض عن ذكره وإخطاره وإخطار محاسنه بقلبه نقص حبُّه من قلبه، ولا شيءٌ أقرّ لعين المحِب من رؤية محبوبه، ولا أقرّ لقلبه من ذكره وإخطار محاسنه، إذا قوي هذا في قلبه جرى لسانُه بمدحه والثّناء عليه وذكر محاسنه وتكون زيادةُ ذلك ونقصانُه بحسب زيادة الحبِّ ونقصانه في قلبه». اهـ من (جلاء الأفهام). ومن شواهد ذلك ما رواه مسلم في (صحيحه) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أشدّ أمتي لي حبّاً ناسٌ يكونون بعدي يودّ أحدهم لو رآني بأهله وماله». وذكرُه -عليه الصّلاة والسلام- يكون بذكر مناقبه وشمائله الكريمة وبيان سننه وآثاره العظيمة وبالإكثار من الصّلاة والسّلام عليه.ومحبّة رؤيته صلى الله عليه وسلم ثمرتها عزم صادق وجدّ واجتهاد وتأس واقتداء بهديه القويم، يكسب العبد رؤيته ومرافقته في الجنان.

تعلم القرآن الكريم والعمل به

     روى البيهقي في كتابه الآداب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «لا يَسأل أحد عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله». وحبُّ القرآن وتلاوته وتدبّره هو أعظم أبواب الهداية، فإنّ الله -تبارك وتعالى- قد أنزل كتابه المبين على عباده هدى ورحمة وضياءً ونوراً وبشرى وذكرى للذاكرين، وجعله مباركاً وهدى للعالمين، يهدي للتي هي أقوم، وصرّف فيه من الآيات والوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرى، وجعل فيه شفاءً من الأسقام ولا سيما أسقام القلوب وأمراضها من شبهات وشهوات.وحريٌّ بكلِّ مسلم أراد لنفسه بلوغ أعلى درجات المحبِّين الصّادقين أن يعظم حظه من القرآن الكريم بأن يتلوه حقّ تلاوته بتدبر آياته والتفكر والتعقّل لمعانيه، وبالعمل بما يقتضيه، وكما يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: «فلا شيءٌ أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبّر والتفكّر؛ فإنه جامعٌ لجميع منازل السّائرين وأحوال العاملين ومقامات العارفين، وهو الذي يورث المحبّة والشوق والخوف والرّجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشّكر والصبر وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجر عن جميع الصّفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه.

محبّةُ مَنْ أحبّ وبُغض مَنْ أبغض

     وهذا أوثق عرى الإيمان كما صحّ عنه الحديث بذلك عليه الصّلاة والسلام، وذلك بمحبّة ما أحبّ من الأعمال والخصال والآداب ومحبّة مَنْ أحبّ من الأشخاص، وبغض ما أبغض من الأعمال والخصال والآداب، وبغض مَنْ أبغض من الأشخاص، ولا يكون صادقاً في حبِّه مَنْ يحبّ ما يبغض ويبغض ما يحبّ، وشواهد هذا ودلائله كثيرة: قال - صلى الله عليه وسلم -: «من أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني» رواه الحاكم عن سلمان.وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من أحبّهما فقد أحبّني ومن أبغضهما فقد أبغضني» يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما. رواه أحمد عن أبي هريرة.وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من أحبّني فليحب أسامة» رواه مسلم عن فاطمة بنت قيس.وقال -صلى الله عليه وسلم -: «آية الإيمان حبّ الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار» رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك.فحبّ الصّحابة وآل بيت النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ومن اتبعهم بإحسان من أهل العلم والفضل وأهل العبادة والزّهد وأهل البذل والجود وأهل المعروف والإحسان كلّ ذلك من حبّ من أحبّ، وكذلك حبّ الأعمال الفاضلة والآداب الكاملة والمعاملة الحسنة كلّ ذلك من حبّ ما أحبّ، وهكذا القول في أضداد ذلك من أهل السّوء وأعمال السّوء، فبغضهم مِن بغض ما أبغض، على أن رتب الناس في هذا الباب ثلاثة:

1- من لهم حبّ لا بغض معه وهم أهل الإيمان والصّلاح والاستقامة.

2- من لهم بغض لا حبّ معه وهم أهل الكفر والشِّرك والنّفاق.

3- من لهم حبّ وبغض وهم عصاة أهل الإيمان؛ فلهم حبّ لما عندهم من الصّلاح والإيمان وبغض لما عندهم من الفسوق والعصيان. ومن عظيم الدّعوات المأثورة عنه -صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أسألك حبّك وحبّ من يحبُّك والعمل الذي يقرّبني إلى حبِّك».

الحذر من الغلو فيه - صلى الله عليه وسلم -

     ومن خفي عليه هذا الأصل زلّت قدمُه بالغلو في شخصه -عليه الصلاة والسلام- بدعوى إظهار محبّته وقد حذّر النبيّ صلى الله عليه وسلم من ذلك أشدّ التحذير في أحاديث كثيرة.فعن يحيى بن سعيد قال: كنا عند علي بن الحسين فجاء قوم من الكوفيين، فقال علي: يا أهل العراق أحبّونا حبّ الإسلام، سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أيها الناس لا ترفعوني فوق قدري؛ فإن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً». وليتأمل قوله «أحبونا حبَّ الإسلام»؛ إذ هو الحبُّ النافع المقبول، وأما حبّ الغلاة فليس هو حبّ الإسلام الذي أمرنا به في القرآن والسنة.وعن أنس رضي الله عنه أن ناساً قالوا: يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، فقال: «يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينّكم الشيطان، أنا محمّد عبد الله ورسوله، ما أحبّ أن ترفعوني فوق منـزلتي التي أنزلني الله عزّ وجل» رواه النسائي بسند جيد.وعن عمر أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تطروني كما أطرت النّصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله» رواه البخاري ومسلم.

الحذر من البدع والبعد عن الأهواء

     والأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم في التحذير من البدع كثيرة معروفة، ولربما ظنّ بعضُ الناس أنّ الطّريقة المثلى لإظهار محبّته ركوب البدع واتباع الأهواء وإحالة الدِّين إلى طقوس ورسوم وأعمال لا أثارة عليها من علم ولا شاهد عليه من الكتاب والسنة، يمارسونها زعماً منهم أن هذا علمُ المحبة وشاهدُ المودّة ودليل الوفاء، وفي خضم غربة الدِّين وقلّة المعرفة والدِّراية بهدي سيّد الأنبياء والمرسلين، نشأ في أوساط بعض المسلمين أمور غريبة ومحدثات عجيبة، أراد بعضهم التعبير من خلالها عن محبّته للنبي صلى الله عليه وسلم ، فاتخذوا يوم مولده عيداً، ويوم هجرته إلى المدينة محتفلاً، وليلة الإسراء به موسماً ونحو ذلك من الأيام، فيجتمعون فيها على إنشاد القصائد وتلاوة المدائح وقراءة الأراجيز، وهؤلاء وإن كان قصدهم بذلك إظهار محبة النبي صلى الله عليه وسلم وهو قصد حسن، إلا أنّ إظهار محبته صلى الله عليه وسلم لا تصح إلا باتّباعه ولزوم نهجه وترسم خطاه؛ ولهذا لم ينقل عن أحد من الصّحابة ولا التابعين ولا الأئمة المعتبرين شيء من هذه الأمور المحدثة، بل الذي نقل عنهم ذمّ الإحداث وبيان خطورته. قال أبو بكر رضي الله عنه : «إنما أنا متّبع ولست بمبتدع، فإن استقمت فتابعوني وإن زغت فقوموني». رواه ابن سعد في الطبقات.وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : «اتّبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم» رواه الدّارمي. وقال صلى الله عليه وسلم : «الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة» رواه الحاكم في المستدرك.وعن عثمان الأزدي قال: «دخلت على ابن عباس - رضي الله عنه - فقلت له: أوصني، فقال: عليك بتقوى الله والاستقامة، اتبع ولا تبتدع» رواه الدارمي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك