رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 31 أغسطس، 2022 0 تعليق

من روائع الأوقاف على الإصلاح الاجتماعي

لا يزال الوقف رصيدًا حضاريًّا وإنسانيًّا، استظل الناس جميعًا بظلّه زمانًا ومكانًا، وشاهدًا للأمة بتحقيقها للخيرية، ومبشرًا لها بالتمكين والرفعة، وللكشف عن كنوز الوقف، وما وقع في ميدانه من الإبداعات والروائع والإشراقات، ولتدوين إسهاماته الحضارية منذ القرن الأول إلى أيامنا التي نعيش، نعرض بعضاً من نماذجه الرائعة.

     جُعلت بعض المؤسسات الخاصّة لعلاج المنحرفين سلوكيًّا، والذين عوقبوا بالسجن بشكل متكرر بسبب ذلك، ووُقفت عليها أوقافٌ لتنهض بمهمّة إصلاحهم ومعالجة انحرافاتهم، وكذلك جُعلت أوقاف خاصّة يذهب ريعها للإنفاق على المُصلحين والفقهاء والشيوخ الذين يقصدون السجون لتعليم نُزلائها، وإرشادهم وإصلاحهم وتعليمهم الخير، ودعوتهم إلى الله، وردِّهم إلى طريق الاستقامة.

      وأمّا المسجونون من الشَّرْع، أي الذين دخلوا السجن بسبب عدم استطاعتهم الوفاء ببعض الحقوق الواجبة، فطلب غرماؤهم سجنهم بسببها، فهؤلاء لم يرتكبوا أشياء تسمى جرائم، وكانت ثمّة أوقاف خاصّة للإحسان إليهم، كما فعل عبد الله بن مشكور الحلبي (ت 778هـ)، وكان قائداً لجيوش السلطان، ووَقَفَ أوقافاً كثيرةً، منها واحدٌ على هؤلاء المسجونين.

وقف أهل البيوتات وذوي الأقدار

      وهذه من الروائع حقًّا، ومن العجائب صدقاً! فأيُّ سموٍّ يسمو الإسلام بالرُّوح والفكر حتى يوصل الكيان الإنسانيّ إلى هذا المستوى من الرُّقيّ والنّظر المتسامي والخُلُق الكريم!

       ذوو الأقدار من الوجهاء والأغنياء وكبار النّاس، للنّوائب والمصائب والنّوازل عليهم طريقٌ وسكّةٌ مسلوكة، كما هو الحال مع كلّ النّاس بلا استثناء، إلّا أنّ وقع المصيبة والفاقة على من اعتاد الرفاهية والسّعة والنّعمة أشدّ ألماً ومرارة، لا سيما إذا رافقه احتياجٌ إلى الغير، وتحوُّلُ اليد المعطية لتكون آخذة، مع ما قد يصحبُ ذلك أيضًا من الشماتة ونظر الشَّزْر من بعض ذوي المآرب غير النزيهة.

       ولكي لا يحلّ ذلك بنفسٍ توحّد الله، فقد أوْقَفَ حميد بن عبد الحميد الطّوسي ضياعًا على على ذوي الأقدار والوجاهة تبلغ غلّتها مائة ألف دينار تقريباً، وذلك في أيام المأمون -رحمهما الله.

       وأوقفَ الحافظ المحدِّث الحسن بن أحمد بن صالح حمّامًا على العلويّة، أي: تكريمًا لذريّة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - وحفظاً لمكانتهم.

وأوقف الملك عنبر أحد ملوك الهند (ت 1035 هـ) أراضيَ من أراضي بلدة بيجافور على السّادة والعرب.

وقد جاء في الحديث الشريف: «إذا أتاكم كريمُ قومٍ فأكرموه».

وفيه أيضاً: «أقيلوا ذوي الهيئاتِ عثراتهم، إلّا في الحدود».

دور إيواء الفقراء بـ (فاس)

     في الواقع نُورد الخبر عن مدينة فاس أنموذجًا فقط، وإلا فهذا النوع من الأوقاف كان كثيرًا جدًّا، لكنّه كان كثيراً لأهل النوازل المؤقّتة، كمن اجتاحت مالَه جائحةٌ، أو ضلّ الطريق في سفره، أو نحو ذلك، لأنّ وُجود المشرّدين ومفترشي الأرصفة في العالم الإسلاميّة كانت ظاهرةً غير متصوّرة، وليس لها وجود أصلاً، فلينظُر العاقلُ أين كنّا بديننا، وأين أصبحنا بتفريطنا فيه، والله المستعان.

      أمّا ما كان بمدينة فاس، وهو من أحسن محاسنها، ثلاث أربع دور وقفيّة، «تبتدئ من دار بدرب السعود في حي الجزيرة، فيسكن بها الضَّعَفَة والمساكين، وكانت من أكبر ديار فاس ضخامة، وسَعَة رحاب، ووفرة مياه».

وقف الغرباء بالرّسّ

     في مدينة الرّسّ بالمملكة العربية السعودية وقفٌ يسمّى (وقف الغرباء)، وهو مخصّص للذين يمرّون على الرّسّ، أو يأتون إليها في حاجةٍ ما، فكانوا ينزلون فيه.

وقْف نور الدِّين زنكي على الفقراء والأرامل

      قال ابن كثير: «ووَقَفَ نور الدِّين زنكي وقْفًا على من يعلِّم الأيتام الخطَّ والقراءة، وجعل لهم نفقةً وكِسْوة، وعلى المجاورين بالحَرَمَيْن، وله أوقافٌ دارَّة على جميع أبواب الخير، وعلى الأرامل والمحاويج».

وقْف كولدي خاتون الجالقي على العاطلين عن العمل

      وقفيّتها محرّرة بتاريخ 736هـ الموافق 1335م، جاءت لتعين العاطلين على إيجاد مورد دخل، فلا يحتاجون إلى اللجوء للتسول أو الجنوح إلى السرقة في سبيل توفير لقمة العيش، وهؤلاء هم الذين لم تكن لهم إقطاعات شهرية من أي جهة، ويصنّفون اجتماعياً على أنّهم فقراء.

وقف العميان

       يروي عنه (جان وجيروم تارو)؛ الكاتبان الفرنسيان، في رحلتهما إلى مرّاكش، أنّ في مدينة مراكش ملجأً لا يوجد مثله في الدنيا بأسرها، وهو بناء يكاد يكون بلدة! وله ساحة يكاد الطَّرْف لا يأتي على آخرها، وفي هذا الملجأ ستة آلاف أعمى، ينامون ويأكلون ويشربون ويقرؤون، ولهم أنظمة وقوانين وهيئة إدارة، وصندوق.

وقف المحسنة الكويتية منيرة العويصي

      أوقفت المحسنة الكويتية منيرة أحمد محمد العويصي ثلث تركتها على الجمعية الكويتية لرعاية المعوّقين، الكائنة في شارع القاهرة في حولّي، وذلك في عام 1403هـ/ 1983م.

وقْف دار العجائز

        تكية إسماعيل رفعت بباب الخلق بالقاهرة، كانت مخصصة بحسب حجة الوقف «لإنزال وإسكان عشرين امرأة من النساء العجائز الفقيرات المسلمات، العاجزات عن الكسب، الخاليات من الأزواج، تُعطى كل واحدة في شهر رمضان من كل سنة اثني عشر ذراعاً من العَبَك (نوع من القماش)، وستة أذرع من الشاش، وحردة بلدي».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك