رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد محمود محمد 27 مايو، 2017 0 تعليق

من دلائل صدق القرآن والسُنَّة الإخبار بالغيب

 

ما تزال مقالاتنا متصلة في دحر شبهات الملحدين، التي لا تقتصر على إنكار وجود الله -عزوجل- فحسب، وإنما إنكار كل ما هو غيبي؛ فحين يصف الله -تعالى- المؤمنين المتقين في أول سورة البقرة بأنهم: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} آية3، يحاول الملحدون النيل من هذه العقيدة، فيقول قائلهم: إن كل الديانات فيها إيمان بالغيب، حتى الأديان غير السماوية، فالإيمان بالأساطير، والآلهة التي تتحكم في الكون، بحسب عقائد المشركين، يسمى أيضاً إيماناً بالغيب! وذلك يجعل العلاقة بين الإسلام وغيره من الأديان علاقة تقوم على مبدأ النسبية؛ من حيث الإيمان بأشياء لا يمكن إثباتها.

     والجواب: إن الذي يؤمن به المسلمون، إنما هو الغيب الذي وردت معرفته، وتم نقله، بطريقة ثابتة صحيحة علمياً، عن الله، وعن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وليس الغيب الذي تتناقله الأجيال من غير معرفة بأصله وتسلسل مصدره.

الغيب الذي نؤمن به ثابت علميًا

     فالغيب الذي يجب أن نؤمن به، ينحصر فيما هو وارد عن الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ونُقل بأسلوب متسلسل خال من المحاباة والمجاملة والعاطفة، وذلك هو طريق أهل السنة، حصراً، دون الغيب الذي هو من الأساطير التي لا حقيقة لها، أو الغيب الذي ينسب إلى الله ورسوله من طريق، يعتمد على الذوق والاستحسان والانتماء والمحاباة، إنه قطعاً طريق آخر، غير طريق أهل السنة، فإن المحقق أن ما يرد عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، من طريق أهل السنة ثابت علمياً من جهتين:

- الجهة الأولى: هي ثبوت نسبة القول بذلك الغيب لقائله من حيث تسلسل روايته بالإسناد المتصل من رواية العدول إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم .

- والجهة الثانية: هي ثبوت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وثبوت أن القرآن الذي جاء به لا يمكن أن يكون من إبداع نفسه، وإنما هو وحي يفوق في جوانب إعجازه جميع ما كتبت الإنسانية على مدى تاريخها، وجميع كتبها المقدسة.

     وقد ثبت الأمران، القرآن والنبوة، بأدلة من داخل القرآن الكريم ذاته، يصعب حصرها، منها أدلة تتعلق بأمور يخبر بأنها ستحدث في الغيب القريب، وحدثت، فكان ذلك مؤشراً، بل دليلاً هادياً إلى صدقه في كل ما يخبر به من غيب.

أقدار الله تصدق

أخبار القرآن الغيبية

     فلكي نصل إلى نتيجة علمية تؤكد صدق ما يخبر به النبي محمد صلى الله عليه وسلم من غيب، لابد من إقامة أدلة تدل على صدقه؛ ولذلك أقام الله -تعالى- أدلة صدق نبيه في بلاغه عن الله وما يخبر به القرآن من غيب يتعلق بالله وملائكته والجنة والنار، وسائر الأمور التي تسمى بما وراء الطبيعة، بأن أخبر عن مغيبات قريبة ستحدث في المستقبل بعد أعوام قليلة، لكي يستدل بها المعاصرون لها، ومن تثبت لديهم من بعدهم، على أن تصديق الأقدار لأخبار القرآن المستقبلية، التالية لنزوله، دليل على صدق إخباره، عن غير ذلك من الغيب الذي يتعلق بما وراء الطبيعة، وقد جاءت في القرآن الكريم عديد من الأخبار التي تدل على أنه والأقدار التي تتكون منها أحداث العالم قد خرجا من مشكاة واحدة.

انتصار الروم على الفرسبعد هزيمة ساحقة

      فإخبار القرآن الكريم بانتصار الروم على الفرس في معركة تنشب بينهم في بضع سنين، أمر لا يُقْدم عليه صاحب دعوة، إلا إذا كان واثقاً أن الذي يُجري الأحداث هو نفسه من يُنزل القرآن، قال -سبحانه-: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)} (الروم: 1- 5).

فمسألة الإخبار بهزيمة الفرس وانتصار الروم عليهم، زادت قضية صدق القرآن في إخباره بالمغيبات يقيناً.

في بضع سنين

     ثم إن قول القرآن {فِي بِضْعِ سِنِينَ}، يُفهم منه بحسب المتبادر، أنه من وقت نزول هذه البشرى في القرآن، وهذه مدة أقل من عشر سنين قطعاً، روى الترمذي بإسناد حسن، عن نيار بن مكرم الأسلمي رضي الله عنه قال: لما نزلت: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ} فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم؛ لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قول الله -تعالى-: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)} فكانت قريش تحب ظهور فارس؛ لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله -تعالى- هذه الآية؛ خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصيح في نواحي مكة: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ}، قال ناس من قريش لأبي بكر: فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارساً في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى، وذلك قبل تحريم الرهان، فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان، وقالوا لأبي بكر: كم تجعل؟ البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين، قسم بيننا وبينك وسطاً تنتهي إليه، قال: فقسموا بينهم ست سنين، قال: فمضت الست سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين؛ لأن الله -تعالى- قال في بضع سنين، قال: وأسلم عند ذلك ناس كثير.

     والشاهد في هذا الخبر هو قوله: «فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس»؛ فهذا فيه أن المراهنة التي تمت بين المسلمين والمشركين قبل تحريم القمار، بخصوص هزيمة الفرس، تصديقاً للآية، كانت ست سنوات، وهو قوله فلما دخلت السنة السابعة، يعني في أولها على أنه ينبغي أن نعلم أن مسألة اختلاف التواريخ، الواردة في أخبار السُنة، عن هزيمة الروم وانتصارهم، وعدم اتفاقها، ليس فيه كبير خطر؛ لأن تحديد زمن حصول النصر على جهة التعيين غير داخل في التحدي، إنما التحدي هو أن يقول القرآن بأن الروم ستنتصر في زمن قريب، في ذلك الوقت الذي بلغت فيه هزيمتهم مبلغا لا يمكن للعقل أن يتصور معه أن تقوم لهم قائمة بعده، على الأقل في المنظور القريب، ثم ينزل القرآن الكريم عند ذلك ليؤكد أن هذه هزيمة مؤقتة، وأن النصر قادم، ليس بعد جيل، ولكن {في بضع سنين}، فإن هذا لا يمكن أن يكون له مصدر إلا مصدر واحد وهو الوحي الإلهي. يتبع.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك