رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 6 يوليو، 2021 0 تعليق

من درر العلماء – وجــــوب الرجــــوع إلى السنة وتحريــــم مخالفتها

 

 

الشيخ: محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله

 إن من المتفق عليه بين المسلمين الأولين كافة، أن السنة النبوية -على صاحبها أفضل الصلاة والسلام- هي المرجع الثاني والأخير في الشرع الإسلامي، في نواحي الحياة كلها من أمور غيبية اعتقادية، أو أحكام عملية، أو سياسية، أو تربوية، وأنه لا يجوز مخالفتها في شيء من ذلك لرأي أو اجتهاد أو قياس، كما قال الإمام الشافعي -رحمه الله- في آخر (الرسالة): «لا يحل القياس والخبر موجود»، ومثله ما اشتهر عند المتأخرين من علماء الأصول: «إذا ورد الأثر بطل النظر»، «لا اجتهاد في مورد النص»، ومستندهم في ذلك الكتاب الكريم، والسنة المطهرة.

 

     والقرآن يأمر بالاحتكام إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - منها قوله -تعالى-: {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (الذاريات:55)، وقوله -تعالى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (الأحزاب:36)، وقوله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الحجرات:1)، وقوله -تعالى-: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (آل عمران:32)، وقوله -تعالى-: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّـهِ شَهِيدًا. مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (النساء:80). وقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء:59)، وقوله -تعالى-: {وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال:46)، إلى غير ذلك من الآيات المباركات.

الأحاديث الداعية إلى اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم 

     دعت أحاديث عدة إلى اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل شيء، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، قالوا: ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» (أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام)، وعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومًا فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش، فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق» (أخرجه البخاري ومسلم). وعن أبي رافع - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: «لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه وإلا فلا» (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه والطحاوي وغيرهم بسند صحيح)، وعن المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه، فله أن يعقبهم بمثل قراه» (رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه وأحمد بسند صحيح)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: «تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهم (ما تمسكتم بهما) كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض» (أخرجه مالك مرسلًا، والحاكم مسندًا وصححه).

ما تدل عليه النصوص السابقة

في هذه النصوص من الآيات والأحاديث أمور مهمة جدًا يمكن إجمالها فيما يلي:

- أنه لا فرق بين قضاء الله وقضاء رسوله، وأن كلًّا منهما، ليس للمؤمن الخيرة في أن يخالفهما، وأن عصيان الرسول كعصيان الله -تعالى-، وأنه ضلال مبين.

- أنه لا يجوز التقدم بين يدي الرسول كما لا يجوز التقدم بين يدي الله -تعالى-، وهو كناية عن عدم جواز مخالفة سنته، قال الإمام ابن القيم في (إعلام الموقعين) (1/ 58): «أي: لا تقولوا حتى يقول، وتأمروا حتى يأمر، ولا تفتوا حتى يفتي، ولا تقطعوا أمرًا حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضي».

- أن الرضى بالتنازع، بترك الرجوع إلى السنة للخلاص من هذا التنازع؛ سبب مهم في نظر الشرع لإخفاق المسلمين في جميع جهودهم، ولذهاب قوتهم وشوكتهم.

- التحذير من مخالفة الرسول لما لها من العاقبة السيئة في الدنيا والآخرة.

- استحقاق المخالفين لأمره الفتنة في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة.

- وجوب الاستجابة لدعوة الرسول وأمره، وأنها سبب الحياة الطيبة، والسعادة في الدنيا والآخرة.

- أن طاعة النبي سبب لدخول الجنة والفوز العظيم، وأن معصيته وتجاوز حدوده سبب لدخول النار والعذاب المهين.

- أن من صفات المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر أنهم إذا دُعُوا إلى أن يتحاكموا إلى الرسول وإلى سنته، لا يستجيبون لذلك، بل يصدون عنه صدودًا.

- وأن المؤمنين على خلاف المنافقين، فإنهم إذا دعوا إلى التحاكم إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بادروا إلى الاستجابة لذلك، وقالوا بلسان حالهم وقالهم: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (النور:51)، وأنهم بذلك يصيرون مفلحين، ويكونون من الفائزين بجنات النعيم.

- وأن سنته - صلى الله عليه وسلم - هي بيان لما أنزل إليه من القرآن.

- وأن القرآن لا يغني عن السنة، بل هي مثله في وجوب الطاعة والاتباع، وأن المستغني به عنها مخالف للرسول عليه الصلاة والسلام غير مطيع له، فهو بذلك مخالف لما سبق من الآيات.

- أن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله، وكذلك كل شيء جاء به رسول الله مما ليس في القرآن، فهو مثل ما لو جاء في القرآن لعموم قوله: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه».

- أن العصمة من الانحراف والضلال إنما هو التمسك بالكتاب والسنة، وأن ذلك حكم مستمر إلى يوم القيامة، فلا يجوز التفريق بين كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا كثيرًا.

لزوم اتباع السنة

     هذه النصوص المتقدمة من الكتاب والسنة كما أنها دلت دلالة قاطعة على وجوب اتباع السنة اتباعًا مطلقًا في كل ما جاء به النبي، وأن من لم يرضَ بالتحاكم إليها والخضوع لها فليس مؤمنًا، فإني أريد أن ألفت نظركم إلى أنها تدل بعموماتها وإطلاقاتها على أمرين آخرين مهمين أيضًا:

تشمل كل من بلغته الدعوة

- الأول: أنها تشمل كل من بلغته الدعوة إلى يوم القيامة، وذلك صريح في قوله -تعالى-: {لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} (الأنعام:19)، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (سبأ:28)،

تشمل كل أمور الدين

- والثاني: أنها تشمل كل أمر من أمور الدين، لا فرق بين ما كان منه عقيدة علمية، أو حكمًا عمليًا، أو غير ذلك.

تحكُّم الخلف في السنة بدل التحاكم إليها

     ثم خلف من بعدهم خلف أضاعوا السنة النبوية وأهملوها، بسبب أصول تبناها بعض علماء الكلام، وقواعد زعمها بعض علماء الأصول والفقهاء المقلدين، كان من نتائجها الإهمال المذكور الذي أدى بدوره إلى الشك في قسم كبير منها، ورد قسم آخر منها لمخالفتها لتلك الأصول والقواعد، فتبدلت الآية عند هؤلاء، فبدل أن يرجعوا بها إلى السنة ويتحاكموا إليها، فقد قلبوا الأمر، ورجعوا بالسنة إلى قواعدهم وأصولهم، فما كان منها موافقًا لقواعدهم قبلوه، وإلا رفضوه، وبذلك انقطعت الصلة التامة بين المسلم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخاصة عند المتأخرين منهم، فعادوا جاهلين بالنبي وعقيدته وسيرته وعبادته، وصيامه وقيامه وحجه وأحكامه وفتاويه، فإذا سُئلوا عن شيء من ذلك أجابوك إما بحديث ضعيف أو لا أصل له، أو بما في المذهب الفلاني، فإذا اتفق أنه مخالف للحديث الصحيح وذكروا به لا يذكرون، ولا يقبلون الرجوع إليه لشبهات لا مجال لذكرها الآن، وكل ذلك سببه تلك الأصول والقواعد المشار إليها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك