رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 18 أغسطس، 2020 0 تعليق

من درر الأعلام – نصيحة غالية جامعة للخير كله

 

سماحة الشيخ

عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله

 

اعلموا أيها المسلمون أن الواجب على كل من لديه علم أن يذكّر بذلك، وأن يناصح في الله -تعالى-، ويدعو إليه بحسب الطاقة، أداءً لواجب التبليغ والدعوة، وتأسيًا بالرسل الكرام -عليهم الصلاة والسلام-، وحذرًا من إثم الكتمان الذي قد أوعد الله عليه في محكم القرآن، كما قال الله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (البقرة:159).

 

     وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ» (صحيح مسلم 1893)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» (صحيح مسلم 2674).

تقوى الله -تعالى

     إذا عرف ما تقدم، فالذي أوصيكم به ونفسي: تقوى الله -سبحانه وتعالى- في السر والعلانية، والشدة والرخاء؛ فإنها وصية الله ووصية رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما قال -تعالى-: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (النساء من الآية:131)، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ» (سنن أبي داود 4607).

كلمة جامعة

     والتقوى كلمة جامعة، مع الخير كله، وحقيقتها أداء ما أوجب الله -تعالى-، واجتناب ما حرمه الله -تعالى- على وجه الإخلاص له والمحبة، والرغبة في ثوابه، والحذر من عقابه، وقد أمر الله -سبحانه- عباده بالتقوى ووعدهم عليها بتيسير الأمور، وتفريج الكروب، وتسهيل الرزق، وغفران السيئات والفوز بالجنات، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (الحج:19)، وقال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (الحشر:18)، وقال الله -تعالى-: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (الطلاق من الآيتين:2-3)، وقال الله -تعالى-: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (القلم:34)، وقال الله -تعالى-: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} (الطلاق من الآية:5) والآيات في هذا المعنى كثيرة.

راقبوا الله -تعالى

     فيا معشر المسلمين، راقبوا الله -سبحانه وتعالى-، وبادروا إلى التقوى في جميع الحالات، وحاسبوا أنفسكم عند جميع أقوالكم وأعمالكم ومعاملاتكم، فما كان من ذلك سائغا في الشرع فلا بأس من تعاطيه، وما كان منها محظورا في الشرع فاحذروه وإن ترتب عليه طمع كثير؛ فإن ما عند الله -تعالى- خير وأبقى، ومن ترك شيئا اتقاء الله -تعالى- عوضه الله -سبحانه- خيرا منه، ومتى راقب العباد ربهم واتقوه -سبحانه- بفعل ما أمر وترك ما نهى، أعطاهم الله -سبحانه- ما رتب على التقوى من العزة والفلاح والرزق الواسع، والخروج من المضايق، والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.

قسوة القلوب والزهد في الآخرة

     ولا يخفى على كل ذي لب وأدنى بصيرة ما قد أصاب أكثر المسلمين من قسوة القلوب والزهد في الآخرة، والإعراض عن أسباب النجاة، والإقبال على الدنيا وأسباب تحصيلها بحرص وجشع، من دون تميز بين ما يحل ويحرم، وانهماك الأكثرين في الشهوات، وأنواع اللهو والغفلة؛ وما ذلك إلا بسبب إعراض القلوب عن الآخرة، وغفلتها عن ذكر الله ومحبته، وعن التفكر في آلائه ونعمه، وآياته الظاهرة والباطنة، وعدم الاستعداد للقاء الله، وتذكر الوقوف بين يديه، والانصراف من الموقف العظيم إما إلى الجنة وإما إلى النار.

تداركوا أنفسكم وتوبوا إلى ربكم

     فيا معشر المسلمين، تداركوا أنفسكم وتوبوا إلى ربكم، وتفقهوا في دينكم، وبادروا إلى أداء ما أوجب الله عليكم، واجتنبوا ما حرم عليكم، لتفوزوا بالعز والأمن والهداية والسعادة في الدنيا والآخرة، وإياكم والانكباب على الدنيا وإيثارها على الآخرة!؛ فإن ذلك من صفة أعداء الله من الكفرة والمنافقين، ومن أعظم أسباب العذاب في الدنيا والآخرة، كما قال -تعالى- في صفة أعدائه: {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} (الإنسان:27)، وقوله -تعالى-: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} (التوبة:55)، وأنتم لم تخلقوا للدنيا، وإنما خلقتم للآخرة، وأمرتم بالتزود لها، وخلقت الدنيا لكم، لتستعينوا بها على عبادة الله الذي خلقكم -سبحانه-، ولتستعدوا للقائه، فتستحقوا بذلك فضله وكرامته، وجواره في جنات النعيم.

قبيح بالعاقل أن يعرض عن خالقه

     فقبيح بالعاقل أن يعرض عن عبادة خالقه ومربيه، وعما أعده له من الكرامة، ويشتغل عن ذلك بإيثار شهواته البهيمية، والجشع على تحصيل عرض الدنيا الزائل، الذي قد ضمن الله له ما هو خير منه وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة، وليحذر كل مسلم أن يغتر بالأكثرين، ويقول: إن الناس قد ساروا إلى كذا، واعتادوا كذا؛ فأنا معهم، فإن هذه مصيبة عظمى قد هلك بها أكثر الماضين، ولكن أيها العاقل عليك بالنظر لنفسك ومحاسبتها والتمسك بالحق وإن تركه الناس، والحذر مما نهى الله عنه وإن فعله الناس، فالحق أحق بالاتباع كما قال الله -تعالى-: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} (الأنعام:116)، وقال الله -تعالى-: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (يوسف:103)، وقال بعض السلف -رحمهم الله-: «لا تزهد في الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك