رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 9 ديسمبر، 2019 0 تعليق

من درر الأعلام – نصيحة عامة لإصلاح القلوب وعلاج أمراضها

 

الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ- طيب الله ثراه

 هذه الرسالة قيمة وموجودة في (فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ، -مفتي المملكة، ورئيس القضاة والشؤون الإسلامية - طيب الله ثراه» (184/13: 187)  تحت عنوان: (نصيحة عامة). من  محمد بن إبراهيم إلى من تبلغه هذه النصيحة من المسلمين، رزقني  الله وإياهم الفقه في الدين، ومزيد التمسك بما  بعث به سيد ا لمرسلين، ومنَّ عليَّ وعليهم باقتفاء آثار الصدر الأول من سلفنا الصالحين والمصلحين آمين.السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

    فإن من أعظم فرائض الدين التذكير  بآيات الله وأيامه في خلقه، والتحدث بنعمه، والتحذير من أسباب نقمه؛ لما في ذلك من أسباب حصول الخير الكثير، والسلامة من حلول العقوبات والتغيير، قال -تعالى-: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}(الذارايات: 55)، وقال -تعالى-: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ}(ق:45)، وقال -تعالى-: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}(الضحى: 11)، وقال -تعالى-: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّه}(إبراهيم: 5).

أعظم نعمة

وأعظم نعمة أنعم الله بها على عباده، بعثه عبده ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وهما العلم النافع والعمل الصالح، وأصل ذلك وأساسه، عبادة الله  وحده لا شريك له وترك عبادة ما سواه.

     فأشرقت ببعثته قلوب من استجابوا له بعد ظلامها، وخشعت بعد قسوتها، ونالوا بذلك من القوة بعد الضعف، والعز بعد الذل، والعلم بعد الجهل، ما فتحوا به البلاد وقلوب العباد، وعلت بذلك كلمة الله، وصارت كلمة الكفر إلى السفال والفشل والإ ذلال، وعزل سلطان الجاهلية والإشراك؛ فلله الحمد على  ذلك.

شدة عداوة إبليس

     إلا أن إبليس - أعاذنا الله منه - لشدة عداوته لبني الإنسان، وعظيم تغلغله بالكفر والطغيان، ومزيد جده  في الصدف عن طاعة الرحمن، وإن كان قد صدر منه ما صدر من اليأس، لم يدع الجد في إطفاء هذا النور، والتنفير  من الحق والترغيب في أنواع الكفر والإلحاد والفجور، والدعوة إلى البدع، والإكثار من الأز إلى المعاصي والشرور، وبث الشبه والشهوات، وألوان المغريات، على أيدي حزبه، ومن استجابوا من شياطين الإنس، ومن أنواع الخدع بزينة الدنيا وزخارفها الفتانة وضروب الشهوات، وشتى أسباب الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ومن أجناس الملاهي وصنوف المسكرات، حتى ثقل على القلوب سماع القرآن وحصل التهاون بوعيده، وعدم الاهتمام بزواجره وتهديده، ولاسيما  بعد ما تصرمت أيام القرون المفضلة؛ فإنه قد اشتد الخطب، وانفتح باب الشر على مصراعيه، ولم يزل في مزيد، وإن كان ربنا -تبارك وتعالى- قد من ببقاء أصل هذا النور، وتأييد هذا الحق، بما أجراه على أيدي علماء الصدق، ورثة الرسل من تجديد هذا الدين، وإقامة حجج الله على عباده.

تأثير مساعي إبليس

     ومع ذلك فالأمر على ما وصفته من تأثير مساعي إبليس وجنوده علىالأكثر حتى اشتدت الكربة، وصار الدين في غاية من الغربة، ولاسيما أزماننا هذه التي صار فيها عند الأكثر المعروف منكرًا، والمنكر معروفا، والسنة بدعة، والبدعة سنًة. ربي على ذلك الصغير، وهرم عليه الكبير، وطغى طوفان المادة، وأخفى غبار الشبهات والشهوات وضوح الجادة، وفشا الجهل، وتكلم في الأمور الدينية من ليس  لها بأهل، حتى صرح من صرح من جهلتهم فيما يكتبونه وينشرونه بمزيد الحث والتحريض على ما هو من أعظم ما يهدم الإسلام، ويُنسي أصوله العظام، وأصبحت القلوب إن لم تمت  في غيابة من أنواع الأمراض، مرض الجهل، ومرض الشهوة، ومرض الشبهة، استولت عليها القسوة والظلمة؛ فإنا  لله وإنا إليه راجعون.

يا لها من أمراض

فيا لها من أمراض ما أصعبها مع الإعراض عن الأدوية المحمدية! وما أسهلها وما أخفها وما أسرع برأها متى عولجت بالدواء الذي بعث به طبيب القلوب الأكبر صلى الله عليه وسلم !.

الجهل مرض

     وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجهل مرضا لما ينشأ عنه من عمى القلوب، وفيما بعث به صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة لهذه الأمراض أنجع دواء وأنفع شفاء، قال -تعالى-: {يأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}(يونس: 57)، وقال -تعالى-: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا}(آية: 82).

أدوية الكتاب والسنة

     فهلم إخواني نداوي هذه الأمراض بأدوية كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بتدبر أوامرهما ونواهيهما  ووعدهما ووعيدهما وزواجرهما، ومذاكرة بعضنا مع بعض، وقيامنا لله مثنى وفرادى؛ لنتذكر، ونتفكر، ونتناصح، ونتآمر بالمعروف، ونتناهى عن المنكر، ونحب في الله ونبغض في الله، ونوالي في الله ونعادي في الله، ونتعاون على البر  والتقوى، ونبحث عن أدوية تلك الأمراض، التي تحصيلها من أسهل شيء عندما تحصل القلوب على الصدق  في طلب هذا الدواء، والإقبال على الله في التماس السلامة من تلك الأدواء، قال -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}(سبأ: 46).

     هلم إخواني نشخص سائر أمراض قلوبنا، ونشخص أدويتها، ونجاهد نفوسنا لمعالجتها من تلك الأمراض المهلكة، ويحض بعضنا بعضا، ويحذر كل منا نفسه وأخاه من وبيل أخذ الله وشديد عقابه الدنيوي والأخروي، ومن الإقامة على أسباب تغيير  ما منَّ الله به من التوحيد، وتحكيم الوحي المحمدي والعز والتأييد، والأمن والصحة والهدوء،{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}(الرعد: 11).

وفي الأثر: «أن الله أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل، أن قل لقومك: إنه ليس من أهل قرية، ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله؛ فيتحولون منها إلى معصية الله إلا حول الله عنهم ما يحبون إلى ما يكرهون».

هلاك قوم نوح

     إخواني، إن ربنا -تبارك وتعالى- لم يغير  على قوم نوح بإهلاكهم بالطوفان، وسائر من أوقع بهم عقابه، وأحل بهم غضبه إلا بعد أن غيروا، بمعصيتهم رسله، وفسقهم عن طاعته؛ فاستوجبوا التدمير {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}(الإسراء: 16، 17).

هلم إلى اليقظة

هلم إخواني, لإمساك بعضنا بيد بعض، وتنشيط بعضنا لبعض إلى اليقظة والانتباه من هذه الرقدة، التي طالما انتهز عدونا فيها الفرصة.

     هلم إخواني للتوبة النصوح إلى ربنا ورجوعنا عما يسخطه إلى ما يرضيه قولا وفعلا، ومعاملة لبعضنا مع بعض بإخلاص وصدق، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}(التوبة: 119)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(التحريم: 8).

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك